مقتطفـــات من كتاب الفوائــــد لابن القيم
كتب الأخ الفاضل صائد الفوائد :
مقتطفـــات من كتاب الفوائــــد لابن القيم
يا مخنَّثَ العزم أين أنت ، والطريقُ طريقٌ تعب فيه آدم ، وناح لأجله نوح ، ورُمي في النار الخليل ، وأُضجع للذبح إسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ، ولبث في السجن بضع سنين ، ونُشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحيى ، وقاسى الضرَّ أيوب ، وزاد على المقداد بكاءُ داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم = تزها أنت باللهو واللعب .
فيا دارها بالحزن إن مزارها *** قريبٌ ، ولكن دون ذلك أهوالُ
====
التقوى ثلاث مراتب :
إحداها : حميّة القلب والجوارح عن الآثام والمحارم .
الثانية : حميّتها عن المكروهات .
الثالثة : الحميّة عن الفضول وما لا يعني .
فالأولى تعطي العبد حياته
والثانية تفيده صحته وقوته ،
والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته.
====
الاجتماع بالإخوان قسمان :
أحدهما : اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت ، فهذا مضرَّته أرجح من منفعه ، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت .
الثاني : الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر ، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها ، ولكن فيه ثلاث آفات :
إحداها : تزّين بعضهم لبعض .
الثانية : الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة : أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.
وبالجملة ، فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنفس الأمّارة وإما للقلب والنفس المطمئنة ، والنتيجة مستفادة من اللقاح ، فمن طاب لقاحه طابت ثمرته ، وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من المَلَك ، والخبيثة لقاحها من الشيطان ، وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيّبين والطيّبين للطيّبات ، وعكس ذلك.
====
* غاب الهدهد عن سليمان عليه الصلاة والسلام ساعة فتوعده ، فيا من أطال الغيبة عن ربه هل أمنت غضبه .
* تخلف الثلاثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة واحدة فجرى لهم ما سمعت فكيف بمن عمره في التخلف عنه .
* خالف موسى الخضر في طريق الصحبة ثلاث مرات فحل عقدة الوصال بيد ( هذا فراق بيتي وبينك ) أفما تخاف يا من لم يف لربه قط أن يقول في بعض زلاتك هذا فراق بيني وبينك .
فسأل الأخ عبد القدوس :
في الحقيقة لقد استفدت كثيرا من هذا الموضوع، ولكن في النفس شيء من هذه العبارة التي قالها الإمام ابن القيم بحق نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام (وناح لأجله نوح)
فهل النياحة في غير البكاء على الميت مقبولة؟
وهل حدث فعلا أن قام نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام بالنياحة لأجل هذا الدين؟
أتمنى أن تفيدنا حول هذه القضية أو إن كان باستطاعتك سؤال بعض أهل العلم وبارك الله فيك .
ثم اعترض عليه الأخ المداني :
إلى الأخ صائد الفوائد
أرجوا أن تقيد صيدك وتوثقه بقول أهل اللغة وإلا طار صيدك.
لم أجد في لسان العرب استعمال العرب لكلمة نوح في رفع الصوت مطلقا بل قيدت بما يكون في المناحة للحزن
قال أبو ذؤيب:
فهن عكوف كنوح الكريــ …….م قد شف أكبادهن الهوى
انظر لسان العرب لابن منظور ج2 – ص 627
ومع ذلك فإنني أشكر لك جهدك المتميز في موقعك وصيدك الماتع
*************
ثم وصلتني رسالة من أحد الأخوة طالبا رأيي ومشاركتي في الموضوع
فكتــبــتُ :
أحبتي الكرام / إخواني الأفاضل
مادة ( ن و ح )
أعم من أن تكون مقصورة على النياحة .
فأصل اشتقاق الكلمة من التـّقابل- كما قال ابن منظور – : التَّـناوُحُ: التَّقابُلُ ؛ ومنه تَناوُحُ الـجبلـين ، و تناوُحُ الرياح، ومنه سميت النساء النوائحُ نَوائِحَ، لأَن بعضهن يقابل بعضاً إِذا نـُـحْنَ، وكذلك الرياح إِذا تقابلت فـي الـمَهَبِّ لأَن بعضها يُناوِحُ بعضاً ويُناسِج .
و النَّوْحُ: النساء يجتمعن للـحُزْن ، ولو لم يكن هناك رفع صوت .
وهي تـُطلق على عـدّة معاني منها :
الاشتداد ، ومنه يُـقال :
الصوت المرتفع ، ومنه يُقال للرياح إذا اشتدّت هبوبها : ( تناوحت )
ويقال للذئب إذا عوى ( استناح )
كما يقال ( نوح الحَمام ) لما تـُبديه الحمام من سجعها الذي يُشبه النـّوح .
و تَنَوَّحَ الشيءُ تَنَوُّحاً إِذا تـحرّك وهو مُتَدَلَ .
ذكر ذلك ابن منظور – رحمه الله – في لسان العرب ، وذكره غيره .
وقال ابن الأثير : نَاحَ العَظم يَنِيح نَيْحاً إذا صلب واشْتد .
ونوح عليه الصلاة والسلام قد اشتدّ في دعوة قومه ، فدعاهم ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا .
فعدد الأساليب ونوّع الأوقات ، ومع ذلك لم يزدهم ذلك نفورا .
ولعل تلك الكلمة من ابن القيم وردت من باب ترادف العبارات .
ثم هي محمولة على بكاء الأنبياء على أممهم .
وبكاء الأنبياء على أممهم فهذا ليس بأمر مستغرب ، وهو يُصوّر حرصهم صلى الله عليهم وسلم على أممهم .
وفي خبر الإسراء الطويل ، قال عليه الصلاة والسلام : فأتيت على موسى عليه السلام فسلمت عليه فقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما جاوزته ( بكى ) فنودي : ما يبكيك ؟ قال : رب هذا غلام بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي . رواه البخاري ومسلم .
وبكى نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ) وقال عيسى عليه السلام : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي ( وبكى ) فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فسله ما يبكيك ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم .
وفي سؤال الأخ الفاضل عبد القدوس ملحظ صغير ، لعله – حفظه الله – يأذن لي فيه
وهو قوله : فهل النياحة في غير البكاء على الميت مقبولة ؟
وعليه يرد السؤال : وهل النياحة على الميّت أصلا مقبولة ؟
الجواب :
قال عليه الصلاة والسلام : الميتُ يعذَّبُ في قبره بما نِـيح عليه . متفق عليه .
وروى مسلم عن عبد الله بن عمر أن حفصة بكت على عمر ، فقال عمر : مهلا يا بنية ! ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت يُعذب ببكاء أهله عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة .
وقال النائحة : إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب . رواه مسلم .
وقال عمر رضي الله عنه : دعهن يبكين على أبي سليمان ( خالد بن الوليد ) ما لم يكن نقع أو لقلقة .
والنقع التراب على الرأس ، واللقلقة الصوت . رواه البخاري تعليقا .
فهذه النياحة المحرمة .
والله أعلم .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم