محاولة اغتيال مُصلِـح
في كل مجتمع ، بل في كل زمان ومكان يوجد أُناس يَغيظهم انتشار الخير ، وفشو المعروف ، وسمو الفضيلة ، وانحسار مـدّ الرذيلة .
وتضيق صدورهم بالمُصلِحين
وتتقطّع قلوبهم كمداً أن يُعبد الله وحده
ويموتون بغيظِهم مرارا وتِكرارا
يُحاذِرون انخناس الباطل
ويَشْرَقـُـون بالعذب الزُّلال
لا يهدأ لهم بال ، ولا يقرّ لهم قرار ، حينما تتعالى امرأة على حضيض الشهوات ! أو يتسامى رجل بِخُلُقِـه عن سفاسف الأمور .
يُريدون من كلّ الناس أن يعيشوا في أوحال الرذيلة ، وأن لا يخرجوا من مستنقعات الشهوات الآسنة .
( وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا )
تأمل في حال ذلك الملك الملعون ” صاحب الأخدود “ما الذي أفقده صوابه أن قال غلامٌ : ربي الله حتى ذبحه على اسم الله : ” باسم الله رب الغلام “
ففضح نفسه وآمن الناس عندها خـدّ الأخاديد وأضرم فيها النيران وقذف من آمن بـ ” رب الغلام “
ماذا يضيره أن آمن الناس بربّهم العزيز الحميد ؟؟
( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ )
وتأمل حال شيخ الطُّغاة وزعيم المفسدين
وهو يتآمر على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام
ماذا يضرّ فرعون أن يُعبّد الناس لرب الناس ؟؟
لكنه نطق بما يدور في خلده واعترف بما يُخيفه
( وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ )
عجيب !
أين دعوى ( مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَه غَيْرِي ) ؟؟
أوَ يُحاذِر الإله أو يخاف ؟؟ ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ )
من أي شيء ؟؟
من شِرذمة قليلة على حـدّ زعمه !
إذا تأملت هذا فتأمل حال أولئك القوم الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون، الذين تآمروا تحت جُنح الظلام ليفتكوا بنبي الله صالح وبأهله، وأي ذنب ارتكبه ؟؟ وأي جناية جناها أهله ؟؟
( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْط يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )
أيضرّهم أن وعظهم وذكّرهم بالله بأسلوب لطيف ( لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
ولكنه الحِـسّ الإفـسادي
ثم تأمل حال هرقل وقد أيقن أن دولة الإسلام ستبلغ ما تحت قدميه
حتى قال لأبي سفيان : فإن كان ما تقول حقّـاً فَسَيَمْلِك موضع قدمي هاتين .
بل ويقول له : وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم ، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه !
ما يضيره أن يُعبد الله وحده وقد أيقن بهذه الحقيقة ؟؟
وتأمل مرة بعد أخرى حال كفار قريش
ماذا يضرّهم أن تُترك عبادة الأوثان والأشجار والأحجار ؟؟
ماذا يضرّهم أن لا تؤكل الميتة ؟؟
ماذا يضرّهم أن لا تُوئد البنات ؟؟
ماذا يضرّهم أن تستتر النساء ولا يطُفن بالبيت عرايا ؟؟
ماذا يضرّهم أن تُزال الأصنام من بيت الله الحرام ؟؟
أو أن يُجعل الإله إلهاً واحداً ؟؟
حتى تمالئوا على نبي الله
فحاربوه وحاصروه وضيّقوا عليه
حتى أخرجوه من أحب البلاد إليه
وتآمروا على قتلِه
واستعانوا بخبراء الاغتيال ، وأساطين سفك دماء الأنبياء !
فاستعانوا باليهود في غير ما مؤامرة .
وتفتّقت أذهانهم أحياناً أخرى عن ألوان من المؤامرات
جَلسَ عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحِجْر ، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش ، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويَلْقَون منه عناء وهم بمكة ، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر ، فَذَكَرَ أصحابَ القليب ومصابهم فقال صفوان : والله ما في العيش بعدهم خير قال له عمير : صدقت والله ، أما والله لولا دَين عليّ ليس له عندي قضاء ، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم عِلّة أعتلّ بها ، أقول : قدمت من أجل ابني هذا الأسير . فاغتنمها صفوان وقال : عليّ دَينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء ويعجز عنهم ، فقال له عمير : فاكتم شأني وشأنك . قال : افْعَـل . ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسُمّ ، ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدّثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوهم ، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحا السيف فقال عمر : هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ! والله ما جاء إلا لِشَرّ ، وهو الذي حرش بيننا ، وحزرنا للقوم يوم بدر ، ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشِّحاً سيفه قال : فأدخله عليّ . فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبَه بها وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار : ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث ، فإنه غير مأمون ، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه
قال : أرسله يا عمر . ادن يا عمير ، فدنا ثم قال : فما جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه . قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنّا شيئا ! قال : اصدقني ما الذي جئت له ؟ قال : ما جئت إلا لذلك . قال : بل قعدت وصفوان بن أمية في الحِجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت : لولا دين عليّ وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا ، فتحمّـل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له ، والله حائل بينك وبين ذلك . قال عمير : أشهد أنك رسول الله . قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي ، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان ، فو الله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله ، فالحمد لله الذي هداني للإسلام ، وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق .
ولم تكتف اليهود بالمؤامرات والدسائس بل حاولوا تنفيذ المؤامرة بأنفسهم
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية الكلابيين قالوا : اجلس أبا القاسم حتى تطعم وترجع بحاجتك ونقوم فنتشاور ونصلح أمرنا فيما جئتنا له فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من أصحابه في ظل جدار ينتظر أن يُصلحوا أمرهم ، فلما جلسوا والشيطان معهم لا يفارقهم ائتمروا بِقَتْل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : لن تجدوه أقرب منه الآن ، فاستريحوا منه تأمنوا في دياركم ويرفع عنكم البلاء فقال رجل : إن شئتم ظهرت فوق البيت ودلّيت عليه حجراً فقتلته ، فأوحى الله إليه فأخبره بما ائتمروا من شأنه فعصمه الله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يريد يقضي حاجة ، فلما أظهر الله رسوله على ما أرادوا به وعلى خيانتهم لله ولرسوله أمر بإجلائهم وإخراجهم من ديارهم وأمرهم أن يسيروا حيث شاؤوا .
فكان خبر السماء أسرع من حجر الرّحى !
وليست تلك المؤامرات والدسائس في القديم فحسب
بل هي كالوصية يُصي بها السابق اللاحق
( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ )
أجِـل النظر اليوم في هذه المعمورة لترى عجباً لا ينقضي
ترى حرباً شعواء على دين الله وعلى سنّة نبيّه ، وتآمر يتلوه تآمر ، وكيد يعقبه كيد .
ماذا يضير ” الأبواش ” الأوباش !! أن تُحكم الجزائر بكتاب ربها وسنة نبيّها ؟؟
وماذا يضرّهم أن تُحكم أفغانستان بشرع ربها ؟؟
وما هي جريرة أهل الإسلام في جُزر الملوك بأندونيسيا حتى تُحرق جُثثهم في مساجدهم ؟؟
وماذا جنى أهل تركستان الشرقية ” الإيغور ” حتى يُصبّ عليهم العذاب صبّـاً ؟؟
أيضيرهم أن يُقال : لا إله إلا الله في مشارق الأرض ومغاربها ؟؟
ما الذي أغضب آباء الجهل وآباء اللهب ؟؟
ولكنهم جميعا ” حاذرون “
فهؤلاء جميعا قد شرقوا بنور الرسالات الربانية
وهم خفافيش الظلام التي يبهرها النور وتأنس بالظلمة
يغيظهم أن تشع أنوار الحق على الأرض ؛ لأنهم لا يُطيقون رؤية الأنوار الباهرة . وسوف يُتمّ الله نوره ولو كره الكافرون
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم