ما مِنه ملاذ ومهرب
هو المصير المحتوم
والقدر المُقدّر على الخلق
والحقيقة التي لا يُجادل فيها مؤمن ولا كافر
ولا يُماري فيها عاقل
إننا لا نشك طرفة عين بأن الموت حق
وأنه آت لا محالة
من فـرّ منه وقع فيه
( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ )
هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب = متى حُطّ ذا عن نعشه ذاك يركب
نؤمل آمالاً ونرجوا نتاجها = وباب الـرّدى مما نُـرجّيه أقـرب
وقول الله أصدق وأبلغ ( كُلُّ نَفْس ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) وإنما العبرة بما بعد الموت ( وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ )
ولقد قيل لسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) وقيل لعامتهم : ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ )
هذه الحقيقة الحاضرة الغائبة
نحن على يقين من هذه الحقيقة
ولكن ماذا بعد هذه الحقيقة ؟
ما ذا قلنا ؟
ما ذا عملنا ؟
ما ذا قدّمنا ؟
كم تخطّفت يد المنون من صاحب ؟
وكم أخذت من حبيب ؟
وكم ذهبت بعزيز ؟
بل كم أخذت – على حين غِـرّة – من ظالم يتبختر ، فإذا هو خبر بعد عين ؟
وكم قصمت من جبار عنيد ؟
وكم تخّطتنا المنون إلى غيرنا
وسيأتي اليوم الذي تتخطّى غيرنا إلينا
( إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )
الموت لا يُؤخِّره جُبن جبان ، ولا تُقدِّمـه شجاعة شُجاع
فإنك لو سألت بقاء يوم = على الأجل الذي لك لن تطاعي
الموت .. يأتي فجأة ، وينـزل بغتة
والخطب كالضيف لا تراه = ينـزل إلاّ على الأجل
الموت لا يُفرّق بين صغير أو كبير
بين مُعظّم أو مُحتقر
بين ساكن القصر أو ساكن بيت الشَّعر
إذا حانت ساعة الأجل بادَر
يأتي على غير موعد سابق
إن في الموت لعِبرة
وإن في مروره لذكرى
يمرّ بنا فيأخذ قريبا أو صاحبا وكأنه يُذكّرنا بأيامنا وبقدومنا على ربنا
فنحزن ونتّعظ
ولكن سرعان ما نلهو وننسى
فما تلبث الأيام حتى تأتينا ذكرى ربما كانت أقوى
ولكن بعض الرؤوس تبقى غير آبهة بالذّكرى
بعض الرؤوس تظلّ خاضعة فما = تصحو وما تهتـزّ حتى تُطرَقـا
حينها يُنادى – ولا ينفعه النداء – (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)
قد كنت تهرب من مواطن الموت
وقد كنت تخشى مفاجأة القضاء
وقد كنت تحيد عما يضرّ بك
ولكن اليوم لا مفرّ ولا مَحيد
أما إنه كان غافلا والموت يرقُـبه
( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا )
خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال :
أيها الناس إن الموت لا يفوته المقيم ، ولا يُعجزه الهارب ، ليس عن الموت محيد ولا محيص ، من لم يُقتل مات ، إن أفضل الموت القتل ، والذي نفس على بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موته واحدة على الفراش .
إي والله !
مَنْ لم يُقتَل مـات
مرّت أسماء رضي الله عنها على جسد ابنها عبد الله بن الزبير ، فقالت : أما آن لهذا الفارس أن يترجّل ؟
وأرسل الحجّاج إلى أسماء يستحضرها فلم تحضر ، فأرسل إليها لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك ، فلم تأته ، فقام إليها فلما حضر قال لها : كيف رأيتني صنعت بعبد الله ؟ قالت : رأيتك أفسدت على ابني دنياه ، وأفسد عليك آخرتك !
وكان مما قالته له : لـو لم تقتلـه مات !
مَنْ لم يمُت بالسيف مات بغيره = تعددت الأسباب والموت واحد
قال ابن الجوزي :
أيها القائم على سوق الشهوات في سوق الشبهات ، ناسيا سَوق الملمّات إلى ساقي الممات .
إلى كم مع الخطأ بالخطوات إلى الخطيئات ؟
كم عاينت حيا فارق حيا ؟ وكفّـاً كُـفّـت بالكِفات ؟
ما أقل اعتبارنا بالزمان = وأشد اغترارنا بالأماني
وقفات على غرور وأقدام = على مزلق من الحدثان
في حروب من الردى = وكأنا اليوم في هدنة مع الأزمان
وكفانا مُذكِّـرا بالمنايا = علمنا أننا من الحيوان
فيا نفس
كفى يا نفس ما كان =كفاك هوىً وعصيانا
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم