لا تَقْضِ حاجتك وسْطَ السوق !
حينما تكون في مكان عام
أو في مكان اشتدّ فيه الزِّحام
أو في مَمَرّ ضيِّق
أو في حافلة صغيرة
أو في طائرة مُحلِّقة
أو تكون في ردهات الجامعة
أو في ممرات المستشفى
أو تكون ذاهباً إلى المسجد
أو عائدا من موعد
أو مُراجِعاً لمكتب
أو مُستقبِلاً لِمُسافِر
فإن الـمُدخِّـن في جميع تلك الصور ، وفي كل تلك الأحوال .. لن يتوانَـى عن إشعال سيجارته
ولن يتردد عن نفث سمومه
فَتَراه مُعلِناً انعِدام الذوق
ومُصرِّحاً بتلاشي الْخُلُق
فلا يُوقرِّ عالِماً لِعِلْمِه
ولا يَحترِم كبيراً لِكِبَرِه
ولا يَرحم صغيراً
ولا يَعطف على مريض
بل لو كان مَنْ بِجانِبه يُعاني مِن ضِيق التنفّس
أو كان من إلى جواره مَن يشكو الحساسية !
فإنه سيُدخِّن !!
إذاً .. فهناك علاقة بين التدخين .. وانعدام الذوق والْخُلًق !
[ وبينما كنت أكتب هذا المقال في أحد المطارات .. إذا أنا بثلاثة مِن الشباب جلسوا غير بعيد .. وأشعلوا سجائرهم .. ونَفَـثُوا سمومهم .. وشَمُّوا أنتن ريح .. وآذوا الناس .. غير مُبالِين بالآخرين ، ولا آبِهين بالمكان ] !
هنا توقّفت عن الكتابة .. لأنتقل إلى مكان آخر ..
[ فالمدخِّن آذى حتى القَلَم ! ]
بحثت عن مكان آخر ، فإذا أجواء صالات المطار تعجّ بِكَرِيه الروائح !
فقلت : سبحان الله !
أبدعوى الْحُرِّيَّـة تُعَكّر الأجواء ؟
وبدعوى الاختلاف في حُكمه تُقتَل الأنفس ؟
وَ هَبْ أن للمدخِّن الحرية في التدخين .. أليس لنا الحقّ في شم هواء نقيّ ؟!!
وافترض أنه مُختَلَف فيه .. فَشَمّ الهواء النقي ليس محلّ خِلاف !
فدعُونا نشمّ هواء نَقِيّا ..
إن المدخِّن لا يؤذي نفسه فحسب .. بل يؤذي نفسه ، ويُتلِف صحّته ، ويؤذي من يمرّ به
ويؤذي الذوق العام
ويضرّ زوجته وأطفاله إذا كان مُتزوِّجا
ولو كان الْمُدخِّن لا يؤذي إلاّ نفسه لم يكن حرّ التصرّف في نفسه ومالِـه
فالـنَّفْس أمانة
والصحة نِعمة
والمال مال الله
وسوف يُسأل عن ماله من أين اكتسبه ؟.. وفيمَ أنْفَقَـه ؟
فماذا عساه أن يكون جوابه بين يدي الله ؟
ونفسه التي بين جنبيه سوف يُسأل عنها
فإن قَتَلَها بهذا السمّ من القَطِران والنيكوتين فسوف يتعرّض للوعيد الشديد ..
قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ تَحَسَّى سُمّـا فقتل نفسه فَسُمّـه في يده يتحَسَّاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا . رواه البخاري ومسلم .
وقد قدّرَتْ إحصائيات رسمية في المملكة العربية السعودية عن خسائر مستشفى الملك فيصل التخصصي أن علاج الحالات المرضية بين المدخنين بلغت 10 مليارات دولار ، تم إنفاقها خلال 25 سنة مَضَت ، وهو ما دفع المستشفى إلى الاستمرار في مُقاضاة شركات التبغ .
والتدخين يُسبب العديد من الأمراض الخطيرة الفتاكة ..
كسرطان الرئة ، وسرطان البلعوم ، وسطان الفم ، بل وأمراض القَرْنِيّة !
وأضرار التدخين بَلَغَتِ الجنين في رحم أمِّـه !
فأثبت الأطباء تأثر الجنين بالتدخين ، سواء كان من قِبل أمه أو من قبل أبيه !
وهناك أيضا التدخين السلبي ، وهو مُضرّ ، وهو أن يُدخِّن شخص وإلى جوار ه آخر لا يُدخِّن ، فيؤثِّر عليه سَلْبًا .
ولا زلت أتذكّر قبل ما يزيد على اثني عشر عاما .. إذ مررت بِرجل مُسِنّ يعمل في إصلاح السيارات .. وإذا هو يُدخِّن سيجارته .. وكان ذلك الرجل قد تجاوز الخمسين عاما .. كما أنه مُغترب عن أهله وولده لأجل لُقمة العيش .. ولما رآني أخفى السيجارة .. فوقت وسلّمت عليه .. ثم سألته إذا كان يملك قَدّاحة “ولاّعة ” وهي ما تُشعَل به السجائر ..
فسألني : ماذا تريد بها ؟
فقلت : أريد أن أُحرِق مائة ريال !
وأخرجت مائة ريال ، ولففتها كما تُلفّ السيجارة ..
فرفض أن يُعطيني ” الولاّعة ” !
قلت له : ماذا لو رأيت شخصا أحرق مائة ريال ؟ ماذا تقول عنه ؟
قال : أقول عنه : مجنون !
قلت : ماذا لو اشترى بها سجائر ثم أحرقها ؟
قال : هذا يختلف !
فظننت أنه سوف يتمحّل ويتهرّب مِن الجواب بطريقة فلسفيّة يتّبعها كثير من المدخّنين !
فقلت له : كيف يختلف ؟ قال : الأول الذي احرق المائة ريال .. أحرق ماله فقط ! والثاني أحرق ماله وصحّـتّـه .
فقلت له : بارك الله فيك .. الرسالة وصَلَتْ !
فالتدخين إذا .. هو حَرق للمال والصحّـة
والعقلاء يتّفقون على أن التدخين من الخبائث .. حتى مِن قِبَل المدخّنين أنفسهم ، قولاً وفِعلاً !
كيف ؟
الْمُدخِّن يحلو له أن يُدخِّن عندما يكون في حال قضاء حاجته !
أي عندما تجتمع الخبائث ..
ولكنه لا يَسْمح لنفسه ولا لأطفاله أن يأكلوا شيئا داخل دورات المياه ! وأماكن القاذورات !
ثم إذا انتهى مِن مَصّ سيجارته .. رَمَى بها ثم داسَها دَوْساً بِحذائه !
أليست هذه شهادة بأنه لا يستوي الخبيث والطيب ؟!!
( قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ )
وفي صِفة نبينا صلى الله عليه وسلم ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ) .
ويتّفق العقلاء أيضا على خُبث رائحته .. مع ما فيه من أضرار
والمسلم مأمور باجتناب ما خَبُثَتْ رائحته ولو كان نافِعاً .
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل ثوماً أو بصلا أو كُرّاثاً عن إتيان المساجد ، فقال عليه الصلاة والسلام : من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا ، أو ليعتزل مسجدنا . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام : من أكل البصل والثوم والكراث فلا يَقرَبنّ مسجدنا ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم . رواه مسلم .
قال جابر رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث ، فَغَلَبَتْنَا الحاجة فأكَلْنا منها ، فقال : من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يَقرَبَنّ مسجدنا ، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس . رواه مسلم .
بل كان من تُوجَد به هذه الروائح يُطرد من مساجد المسلمين عقوبة له ، فلا يَحضر أماكن اجتماعاتهم من لا يَحترم شعورهم ، ولا يأتي مساجدهم من كان كريه الرائحة !
قال عمر رضي الله عنه : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَدَ ريحهما من الرجل في المسجد أمَرَ به فأُخْرِجَ إلى البقيع . رواه مسلم .
كما يتّفق العقلاء على ضرر التدخين
والمدخنون يَشهدون بذلك .
فهم أول من يَشعر بضرره .. ويُحسّ بِخَطرِه
فَصُدُورُهم تغلي بسببه !
وثيابهم تحترق منه !
وأولادهم يُعانُون أثَره .
والإحصائيات شاهدة على ذلك ، ناطِقة به .
بل مِن أعجب ما سَمِعت :
أن الحمِار – الذي يُوضَف بالبلادة – لا يأكل أوراق التِّبْغ التي تُصنع منها السجائر !!
فالحيوان البهيم البليد يَمتنع عمّا يضرّه ، بما أعطاه الله مِن إدراك للسموم ، وما يضرّ .
فالحيوانات لا تأكل كل ما يقع أمامها ، ولا تشرب كل ما تراه سائلا !!
أذكر في حياة أبي رحمه الله كان عندنا مزرعة وكان فيها بعض الأشجار ، وقطعها الوالد مرّة ورماها للبهائم ؛ فلم تأكلها .
وهذا أمر معروف عند أصحاب المواشي : أن المواشي لا تأكل كل نَبَات !
أخي المدخِّن ..
إن كان ولا بُـدّ .. فليكن بِسِتْر .. وإذا بُليتُم فاستَتِروا
إن المجاهِر بالتدخين .. يَجمع بين المجاهرة بالمعصية ، وبين الضرر والإضرار !
فهو يُجاهر بمعصيته .. ويَضُرّ بِنفسه .. ويَضُرّ غيره ..
آما آن للمدخِّن أن يَكفّ عـنّـا أذاه ؟!
موضوعات ذات علاقة :
ما المقصود بـ ” لا ضرر ولا ضرار ” ؟
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=7241
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم