قـيْـح الأذهـان !
عندما تَشْعُر الأذهان بالتُّـخمـة
وحينما تُصاب الأفكار بالجروح والقروح
فإن إفرازها سيكون مما تأباه النفوس ، وتمـجُّـه الأفهام
وحينما يُطلق الكاتِب لقلمه العنان
ويترك أفكاره بلا زمام ولا خطام
فإنه حتما سيخوض فيما لا يحسن الخوض فيه
ويتطرّق إلى ما لا يُحسنه
ويكتب ما يُسأل عنه .. وما يُحاسب عليه
إن الإنسان لا يؤاخذ بحديث الـنَّـفس
ولا بما يجول في نفسه من خواطر
ولا بما يدور في ذهنه من هواجس
ولكنه يؤاخذ حينما تظهر على السطح
وتبدو في الخارج
ولم يمتلئ ذهن .. ولا خزّنت ذاكرة من معلومات .. ولا أسرّ عبدٌ سريرة .. إلا ظهرت على فلتات اللسان .. وظهرت في لحن القول !
ولذا قال من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم :
لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً يريه خير من أن يمتلئ شعرا . رواه البخاري ومسلم .
قال النووي : قال أهل اللغة والغريب : ( يَرِيه ) بفتح الياء وكسر الراء من الورى ، وهو داء يفسد الجوف ، ومعناه : قيحا يأكل جوفه ويفسده . اهـ .
وقال ابن حجر : قوله : ” حتى يريه ” أي يصيب رئته … ويقرب ذلك أن الرئة إذا امتلأت قيحاً يحصل الهلاك . اهـ .
وحينما يخرج الشِّعر أو النثر عن الأُطُـر الشرعية ، فإن صاحبه في عِداد الشياطين !
روى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر يُنشد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا الشيطان ! أو أمسكوا الشيطان ! لأن يمتلئ جوف رجل قَيحاً خير له من أن يمتلئ شعرا .
قال النووي : المراد أن يكون الشعر غالبا عليه ، مُستوليا عليه ، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى ، وهذا مذموم من أي شعر . اهـ .
وإن من الشعر المذموم شعر الغزل ، إذا كثُر ، أو كان فيه وصف محاسن المرأة ، لما في ذلك من المفاسد ، كإثارة الشّهوات ، وتجرئة السفهاء ، وخدش الحياء .. خاصة إذا كان ذلك بحيث تطّلع عليه الفتيات .
فإن الفتاة يجب أن تكون الأكثر حياء
وقد وُصِف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أشد حياء من العذراء في خِدرها . كما في الصحيحين .
ذلك أن الحياء زينة للرجال والنساء ، بل هو من أخلاق الأنبياء ..
وحسبك أن أول شِعر شُـبِّب فيه بالنساء كان للشاعر الماجن امرئ القيس ، الشاعر الجاهلي ، شاعر الجنس والخمر !
وحسبك أن الولاة كانوا يؤدِّبون من يتغزّل بالنساء !
ذلك أنه خروج عن حدود الأدب
قال الزهري : كان الأحوص الشاعر يُشبب بنساء أهل المدينة فتأذّوا به ، وكان معبد وغيره من المغنين يُغنون في شعره ، فشكاه قومه ، فبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك ، فكتب إلى عامله بالمدينة أن يضربه مئة سوط ، ويقيمه على البلس للناس ، ويُسيِّره إلى دهلك ، ففعل به فثوى بها سلطان سليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، فأتى رجال من الأنصار عمر بن عبد العزيز فسألوه أن يرده ، وقالوا : قد عرفت نسبه وموضعه من قومه ، وقد أخرج إلى أرض الشرك ، فنطلب إليك أن تردّه إلى حرم رسول الله صلى الله عليه ودار قومه
فَذَكَر عمر بن عبد العزيز من شعره وغزله وتشبيبه بنساء المسلمين ، ثم قال عمر :
والله لا أرده ما كان لي سلطان ، فمكث هناك بقية ولاية عمر .
ودعا الحسنُ بن زيد بابنَ المولى ، فأغلظ له وقال : أتُشبِّب بِحُرَم المسلمين ، وتنشد ذلك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الأسواق والمحافل ظاهرا ؟ فحلف له بالطلاق أنه ما تعرّض لمحرم قط ، ولا شبب بامرأة مسلم ولا معاهد قط .
فَـكُـنْ على حذر يا رعاك الله من أن تكون في عِداد شياطين الإنس !
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم