شُبهات حول حديث : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
تولية المرأة للمناصب ( شُبهات وردّها )
شُبهات حول حديث : ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” وردّها
روى البخاري – بإسناده – عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم – أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم – قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْـهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَـه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث : لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان .
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره ابرويز لياتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ .
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُـكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه : قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِـزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي – .
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَـرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش – قال سفيان كان حليفا لهم – ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَـداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُـفر ؟
كما في قوله تعالى : (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْم كَافِرِينَ)
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّة فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَال فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْل أو بِعَقْل يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّـى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
” وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير “
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّـد أن الدعاوى في واد والواقع في واد آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّـة الْحُـكْـم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
وهنا
لن يفلحَ قومٌ ولوا أمرهم امرأة فما بالُ جولدمائير ومارجريت تاتشر ..؟
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
الرياض – 15/8/1425 هـ .