رُجحـان عقـل امـرأة
المرأة شقيقة الرجل ، ومنه خُلِقت .
وكمال عقل المرأة ورجحانه أمر مُشاهد
ودعونا نقف وقفات مع نساء مؤمنات رجحت عقولهن ، وتبيّن ذلك في مواقف في حياتهن ، ربما عجز أفذاذ الرجال عن بعض تلك المواقف .
أما الموقف الأول : فهو لامرأة من الأنصار
والقصة التي أريد أن أغوص في غورها جَرَتْ أحداثها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
وبالتحديد مكاناً في مدينته ، في طيبة .
وفي بيت رجل من الأنصار .
تدور أحداث القصة في بيت بشير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه
حيث تزوّج بامرأة أخرى ، هي عمرة بنت رواحة ، وهي أخت عبد الله بن رواحة رضي الله عنه .
ثم ولدت له ولداً سمّاه أبوه : النعمان .
فهو النعمان بن بشير رضي الله عنه .
كبُـر الابن وترعرع ، فأحبت أمه أن يُخص بعطيّـة ، وأن يُفرد بهديّـة ، وأن يُمنح مِنحـة .
تردد الأب قبل أن يُجيب طلبها ، وقبل أن يُحقق رغبتها .
فأخّرها عاماً كاملاً
ثم نزل عند رغبتها
فأعطى هذا الابن قطعة أرض ، وفي رواية أنه أعطاه غُلاماً .
وعلى كلّ فقد أعطاه عطية ، ومنحه مِنحة ، ووهب له هِبة .
ولكن هذه المرأة العاقلة لم تهتبل الفرصة ، ولم تغتنم الوقت لإقرار العطية ، وعدم التردد كما كان من قبل .
بل لم ترضَ حتى تأخذ العطية الصبغة الشرعية ، فمراد الله ورسوله مُقدّم على مراد النفس
وطاعة الله ورسوله أحب إليها من تحقيق أمنيتها
فقالت لزوجها : لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يكن من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بُـدّ
والردّ إلى الله ورسوله فَرض .
فذهب بشير بن سعد رضي الله عنه إلى مُفتي الأمة ومُعلّمها
ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عما أشكل عليه ، ويعرض عليه ما قالته زوجته الحصيفة العاقلة .
قال النعمان بن بشير بن سعد رضي الله عنهما : فأخذ بيدي وأنا غلام ، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا . قال : ألك ولد سواه ؟ قال : نعم . قال : لا تشهدني على جور .
وفي رواية قال : لا أشهد على جور .
وفي رواية : فقال عليه الصلاة والسلام : أكُلّ بَنيك قد نَحَلْتَ مثل ما نحلت النعمان ؟ قال : لا . قال : فأشهد على هذا غيري . ثم قال : أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى . قال : فلا إذاً .
وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم : أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا . قال : فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم . قال : فرجع فَرَدّ عطيته .
ولكن بشير بن سعد رضي الله عنه رضي بحُـكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسلّم له ، وانقاد وأذعن .
والأعجب رضا تلك الزوجة الحصيفة العاقلة التي رضيت بحُـكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأذعنت وانقادت وسلّمت ، فطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مُقدّمة على رغبات النفس .
هذا موقف تمثّل فيه رجحان عقل عمرة بنت رواحة رضي الله عنه .
وأصل القصة في الصحيحين .
وأما الموقف الثاني فهو لامرأة عظيمة
لامرأة مِن أفاضل النساء .
بل لامرأة فاقت بشجاعتها بعض أفذاذ الرجال
فقد اتخذت خنجراً يوم حنين ، فقال أبو طلحة : يا رسول الله هذه أم سليم معها خنجراً . فقالت : يا رسول الله اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بَقَرتُ به بطنه . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ذلكم الموقف لامرأة انفردت عبر التاريخ بمهر فريد
إنها الرميصاء ” أم سُليم ” ، وهي أم أنس بن مالك رضي الله عنه .
فقد خطبها أبو طلحة فقالت : إني قد آمنت ، فإن تابعتني تزوجتك . قال : فأنا على مثل ما أنت عليه ، فتزوجته أم سليم ، وكان صداقها الإسلام .
قال أنس رضي الله عنه : خطب أبو طلحة أم سليم ، فقالت : إنه لا ينبغي أن أتزوج مشركا ، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان ! وأنكم لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت ! قال : فانصرف أبو طلحة وفي قلبه ذلك ، ثم أتاها وقال : الذي عرضت عليّ قد قبلت . قال : فما كان لها مهر إلا الإسلام .
ومن رجحان عقلها رضي الله عنها وأرضاها تماسكها يوم موت ابنها
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كان ابن لأبي طلحة يشتكي ، فخرج أبو طلحة ، فقُبض الصبي ، فلما رجع أبو طلحة قال : ما فعل ابني ؟ قالت أم سليم : هو أسكن ما كان ! فقرّبت إليه العشاء ، فتعشى ، ثم أصاب منها ، فلما فرغ قالت : وارِ الصبي ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم . قال : اللهم بارك لهما . فولدت غلاما ، قال لي أبو طلحة : احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرسلت معه بتمرات ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أمعه شيء ؟ قالوا : نعم ، تمرات ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ، ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي ، وحنكه به ، وسماه عبد الله . رواه البخاري .
وفي رواية قال أنس رضي الله عنه : ثقل ابن لأم سليم ، فخرج أبو طلحة إلى المسجد ، فتوفي الغلام ، فهيأت أم سليم أمره ، وقالت : لا تخبروه ، فرجع وقد سَيّرت له عشاءه ، فتعشى ، ثم أصاب من أهله ، فلما كان من آخر الليل قالت : يا أبا طلحة ألم تر إلى آل أبي فلان استعاروا عارية فمنعوها ، وطُلبت منهم فشقّ عليهم ، فقال : ما أنصفوا . قالت : فإن ابنك كان عارية من الله ، فقبضه ، فاسْتَرْجَع ، وحَمِد الله .
فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال : بارك الله لكما في ليلتكما .
فَحَمَلَتْ بعبد الله بن أبي طلحة ، فولدت ليلا ، فأرسلت به معي ، وأخذت تمرات عجوة فانتهيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يهنأ أباعر له ويَسمها ، فقلت : يا رسول الله ولدت أم سليم الليلة .
فمضغ بعض التمرات بريقه ، فأوجره إياه ، فتلمظ الصبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حب الأنصار التمر ! فقلت : سمِّـه يا رسول الله . قال : هو عبد الله .
قال عباية : فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن .
( وتُنظر ترجمتها رضي الله عنها في سير أعلام النبلاء للذهبي 2 / 304 )
هل تُريدون من مزيد ؟!
إليكم ثالثة ، وحقّها أن تكون الأولى !
هي امرأة عاقلة راجحة العقل
وهي زوجة أبي سلمة رضي الله عنه
قالت أم سلمة رضي الله عنها قال أبو سلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل : ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) عندك احتسبت مصيبتي ، وأجرني فيها ، وأبدلني ما هو خير منها . فلما احتضر أبو سلمة قال : اللهم اخلفني في أهلي بخير ، فلما قُبض قلت : ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) اللهم عندك احتسب مصيبتي ، فأجرني فيها . قالت : وأردت أن أقول وأبدلني خيراً منها ، فقلت : ومن خير من أبى سلمة ؟ فما زلت حتى قلتها ، فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر فردّته ، ثم خطبها عمر فردّته ، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبرسوله ، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى امرأة غيرى ، وأني مصبية ، وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد ، فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما قولك إني مصبية ، فإن الله سيكفيك صبيانك ، وأما قولك إني غيرى ، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك ، وأما الأولياء فليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني . قالت : قلت : يا عمر ، قُـمْ فزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد ومسلم مختصراً .
وفي رواية لمسلم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيراً منها ، إلا أخلف الله له خيراً منها . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : أرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت : إن لي بنتاً ، وأنا غيور . فقال : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة .
لقد تردّدت في تطبيق السنة ، وحدّثتها نفسها أن لا تقول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك من هول المصيبة ، لكنها سُرعان ما تراجعت وقالت ما أُمِرتْ به ، فأخلفها الله خيراً ، وذلك ببركة امتثال السنة .
ولم تستعجل في قبول الخِطبة ، بل أخبرت بعيوب نفسها التي تراها عيوباً !
امرأة مُصبية أي كثيرة الصبيان
وغيرى أي شديدة الغيرة
وعُذر اعتذرت به أنه ليس أحد من أوليائها شاهد
كل هذا يدلّ على رجحان عقلها رضي الله عنها وأرضاها
فلو كان النساء كمن ذكَرْنا = لفضِّلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب = ولا التذكير فخر للهلال
وفي هذا الموضوع مزيد نماذج :
شاوروهـنّ واعصوهـنّ
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=100
والله أسأل أن يُصلح أحوال نساء الأمة .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم