حينما تكون الزوجة الثانية ( عصـا ) !
حينما يُريد شخص تأديب زوجته .. فإنه ربما لوّح بِعصا ( الزوجة الثانية ) !
وربما صاح بها : والله لأضربنّك بِضرَّة !
أو قال مُهدّداً : أنا أعرف كيف أربِّيك !
فالزوجة الثانية عِنده بمثابة أداة تأديب ! ووسيلة تربية وتهذيب !
وهذا خطأ من وجوه :
الأول : أن وسائل تأديب المرأة الناشز جاء بها القرآن على الترتيب : وَعْظ فَهَجْر فَضَرْب غير مُبرِّح ..
( وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) .
الثاني : أن نساء المسلمين لسن ألعوبة أيضا .. ولَسْنَ أدوات تأديب !
الثالث : أنّ من لوازم الإيمان أن يُعامِل الإنسان الناس بمثل ما يُحبّ أن يُعامِلوه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من أحبّ أن يُزحزح عن النار ويُدخل الجنة فلتأته مَنِيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ، وليأت إلى الناس الذي يُحِبّ أن يُؤتَى إليه . رواه مسلم .
الرابع : أن التعدد ليس ألعوبة في أيدي من شاء من الرِّجال .. بل هو سُنة في حق النابغين من الرِّجال .. – كما سيأتي – .
فالذي يُلوِّح بِعَصَا الزوجة الثانية لا يَصلُح له التعدد !وفَرْقٌ كبير بين أن نقول : ” فلان ” لا يَصلُح له التعدد ، وبين مُناقشة قضية التعدد وهل تصلح أو لا ؟
فالأول وارد ، والثاني ممنوع !
فَمَن كان يُلوِّح بالعصا .. أو التأديب من خلال زَواج آخر لا يصلح له التعدد ..
وذلك لأسباب ، منها :
1 – أن من كانت هذه نيّـته خُذِل ، وعادة لا يُوفّق للعدل والإصلاح .
2 – أنه بِمُجرّد اعتدال أو استقامة سلوك الزوجة الأولى ينتهي ” مفعول ” العصا !
3 – أن التعدد لا يَصلح إلا للنوابِغ من هذه الأمة .. الذين يُراد تكثير نَسْلهم .
قال علامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي في تفسيره ” محاسِن التأويل ” ما مَفُادُه :
إباحة تعدد الزوجات للنابغين من الرِّجال ليَكثر نسلهم … أما غير النابغين منهم فإن الدِّين يَمنعهم من نكاح أكثر من واحدة ، لئلا يَكثر نسلهم … فالقدرة على العَدل بين أربع من النساء مُتوقِّف على عقل كبير ، وسياسة في الإدارة ، وحِكمة بالغة في المعاملة ، لا تَتَأتّى إلا لمن كان نابغة في الرِّجَال ، ذا مكانة في العقل تَرفَعه على أقرانه ، والرَّجل النابغة إذا تزوّج بأكثر من واحدة كثُر نَسْلُه فكثُر النوابغ ، والشَّعْب الذي يَكثُر نوابغه أقدر على الغَلَبَة في تنازع البقاء من سائر الشّعوب … والعاقلة من النساء تُفضِّل أن تكون زوجة لِنابِغة من الرِّجال – وإن كان ذا زوجات اُخَر – على أن تكون زوجة لرجل أحمق ، وإن اقتَصَر عليها ؛ لأنها تَعْلَم أو أولادها من الأول يَنجبون أكثر منهم من الثاني …
4 – أن المشاهَد أن الزوجة الأولى تُظهر الصَّلاح والاستقامة واعتدال السلوك ، بل والإقلاع عن كل خطأ وتقصير ؛ لتِحظى بِطلاق ضرّتها ! وما إن تُطلّق ضرّتها إلا وتعود “حليمة” لِعادتها القديمة !
يقول مُحَدِّثِي : ” فُلان ” كانت زوجته لا تهتمّ بنفسها ، ولا تعتني بزوج ولا بِولَد ! فأكثر من نُصحها .. فلم تتغيّر .. فَضَرَبها ! بِزوجة ثانية .. فلما دَخَل عليها بعد ذلك ظنّ أنه رأى امرأة أخرى .. فرَجَع ! فنادته : تفضّل !
فبادرها قائلا : لو كنت هكذا لم أتزوّج ثانية !
فَرَدَّتْ عليه : لن تراني إلا هكذا وأحسن !
مرّت الأسابيع والأشهر وهي على درجة من الاهتمام !
لا تقَع عينه إلا جميل ..
ولا يشمّ إلا أطيب رِيح ..
لا يُزَعَج له مَـنام !
ولا يَلتهب له جُوع !
بل أصبح بيتها كأنه دُكّان عطّار ! أو محل بائع الورد الريحان !
فكأنها لمِسَتْ منه يوماً رِقّـة .. أو حانتْ منه لحظة ضعف لها
فسألته بِدهاء : ماذا رأيت مِـنّي ؟
قال : لم أرَ إلا كل خير !
قالت : أمَا إنك لو عُدْت إلينا .. لما وجدت إلا خيراً !
قال : ماذا تقصدين ؟
قالت : طَلِّق فلانة !
وكلمة تتلوها أخرى .. مرّة تُرغّبه بما صَنَعتْ .. وأخرى تُرهّبه بما يُخبئه له المستقبل !
تُخوّفه الدُّيُون !
وقد .. وقد .. !
أسلحة إبليس ! (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) ..
فما زالتْ به حتى طلّق ضرّتها !
ومَضَتْ الزوجة الثانية بعد انتهاء صلاحية ( العصـا ) !
لقد كانت ضرباتها مُوجِعة
إلا أنها كُسِرتْ في آخر المطاف !
وهكذا العصا .. إذا ضُرِب بها آلَمَتْ ثم انكَسَرتْ !
فإلى كل من أراد التعدد .. رويدك .. راجِع نيّـتك .. وحاسِب نفسك ..
ولا تجعل نساء المسلمين ألعوبة في يَدك .. ولا وسيلة تربية .. ولا عصا تأديب ..
وإلى كل من رَضِيَتْ أن تكون زوجة ثانية .. رويدك .. فليس كل تَقِيّ يَصلُح للعَدل
وليس كل تَقيّ قويّ الإيمان .. يُحسِن سياسة الأمور ..
ألم يَقُل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بِحَقِّها ، وأدّى الذي عليه فيها . رواه مسلم .
ومن هو أبو ذر في صِدقه وإيمانه ؟
أليس الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام : ما أظَلّتِ الخضراء ، ولا أقَلّتِ الغبراء من رَجُل أصدق لهجة من أبي ذر . رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
فليس كل تَقيّ نَقِيّ صالِح يَصلُح له التعدد ..
وليس كل عاقِل واجِد غِنيّ يَصْلُح له التعدد أيضا ..
فمن أراد التوفيق والصلاح والإصلاح فعليه بإصلاح نِيّـتِـه ..
* لـفـتـة :
بعضهم إذا أراد التعدد لجأ إلى عَـدّ عيوب زوجته !
وهذا في حدّ ذاتِه يُعَدّ عيباً في الخاطب لو عَقَلُوا !
لأنه لو كان عاقلا حصيفاً ما ذَكَر عيوب زوجته !
بل عيوب زوجته من عيوبه ! لأنه ما استطاع إصلاحها .. ولا كَتَم عيوب زوجته !
فمن كان بهذه المثابة فلا يَصلح زوجا ، لأنه لا يؤتَمن على سِرّ امرأة !
** لفتة كريمة :أراد رَجل أن يُطلِّق زوجته .. فسُئل عن ذلك : فقال : لا أفشي لزوجتي سِراًّ !
فلما طلّقها سُئل عن سبب طلاقها .. قال : مالي ولامرأة أجنبية !
موضوع له صِلة
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
ذو القعدة 1426 هـ