تقبيل اليد بين العالِـم والـزوج !
قرأت مقالاً كتبته إحدى الأخوات نقلت فيه كلاماً للكاتبة ” يمان السباعي ” حول تقبيل المرأة ليد زوجها .
تقول الكاتبة :
إنني لا أستطيع أن أتصور وجود رجل يقول : ربي الله ، يطلب أو يرضى من زوجته أن تركع لتقبيل يده أو رجله !!
لا أستطيع تصور ذلك .. لكنه حدث ويحدث ، وما يزال يحدث في عشرات الآلاف من بيوت
المسلمين – وفيهم الدعاة وكبار العلماء – باسم الإسلام ، والإسلام من هذا الإذلال الشاذ بريء . إنني أقول : لا أستطيع تصور ذلك ، لأنني لا أستوعب الكيفية التي يفكر بها رجل مسلم وهو يجرح كرامة امرأة مسلمة ، استودعها الله أمانة عنده ، فيثير في قلبها حقداً دفينا على نفسها وعلى حياتها وعلى الإسلام الذي تُرتكب مثل هذه الحماقات باسمه – وهو منها بريء – ولو أخْـفَتْ ذلك وأنكرته في نفسها ، وأرغمت نفسها على الرضا بهذا الوضع الشاذ الذي اجتهدتُ اجتهادا كبيرا في استخراج أصول له من الكتاب والسنة فلم أجد له أي أصل في ديننا . انتهى كلام الكاتبة .
ولما رأيت هذا القول مُجانباً للصواب أحبت بيان الحق في هذه المسألة ، فأقول وبالله التوفيق :
مسألة تقبيل اليد اختلف أهل العلم فيها في أصل المسألة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وإنما اختلفوا في تقبيل اليد ، فأنكره مالك وأنكر ما رُوي فيه ، وأجازه آخرون ، واحتجوا بما روي عن عمر أنهم لما رجعوا من الغزو حيث فرّوا قالوا : نحن الفرارون ، فقال : بل أنتم العكّارون ، أنا فئة المؤمنين . قال : فقبلنا يده . قال : وقبّل أبو لبابة وكعب بن مالك وصاحباه يد النبي صلى الله عليه وسلم حين تاب الله عليهم . انتهى كلامه .
وتقبيل يد العالم أو من له فضل جائز
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن عبد الرحمن بن رَزين قال : مررنا بالرّبذة ، فقيل لنا : ها هنا سلمة بن الأكوع . قال : فأتيته ، فسلمنا عليه ، فأخرج يديه فقال : بايعت بهاتين نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأخرج كفّـاً له ضخمة كأنها كف بعير ، فقمنا إليها فقبّلناها .
وقال الألباني رحمه الله : حسن الإسناد .
وروى البيهقي في السنن الكبرى زياد بن فياض عن تميم بن سلمة قال : لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فقبّل يده ، ثم خلوا يبكيان . قال : فكان تميم يقول : تقبيل اليد سنة .
فيجوز للطالب تقبيل يد شيخه إكراماً له وتقديراً وإجلالا ، إلا أنه ينبغي أن لا يكون هو عادة الإنسان وديدنه ، ولئلا يكون سبب فتنة لشيخه .
ومثله تقبيل البنت ليد أبيها
فقد روى أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه سمتا وهديا ودلاًّ برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة كرم الله وجهها ، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبّلته وأجلسته في مجلسها .
والتقبيل هنا تقبيل إكرام وإجلال ، وهو وإن لم يكن صريحاً في اليد إلا أن اليد داخلة في عموم التقبيل .
ومثله تقبيل الزوجة ليد زوجها لِعِظم حقه عليها
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حق الزوج : حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدّت حقّه .
وقال : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، ولا تؤدي المرأة حق زوجها ، حتى لو سألها نفسها على قتب لأعطته .
قال شمس الحق العظيم أبادي : هو حث لهن على مطاوعة الأزواج ، ولو في هذه الحال ، فكيف في غيرها ، وقيل : كُـنّ إذا أردن الولادة جلسن على قتب ، ويقُلن أنه اسلس لخروج الولد ، فأريدت تلك الحالة . اهـ .
وقال عليه الصلاة والسلام : إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ؛ قيل لها أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت . رواه الإمام أحمد .
وكان سخط الله وغضبه مرتبط بسخط الزوج على زوجته إذا كان بحق ، فقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبي عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها . رواه مسلم .
بل إن الملائكة تلعن من باتت وزوجها غاضب عليها لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبَتْ ، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح . رواه البخاري ومسلم .
ولما أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة في حاجة ففرغت من حاجتها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم . قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما ألوه إلا ما عجزت عنه . قال : فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك . رواه الإمام أحمد والنسائي في الكبرى .
فلو قـبّلت الزوجة يد زوجها لكان ذلك أداء لبعض حقه ، ثم إنه من حُسن المعاشرة .
وحق الزوج على زوجته عظيم ، ولا شك أنه أعظم من حق الشيخ على تلاميذه
وقد عظّم الإسلام حق الزوج على زوجته ، وقد ذكرت طرفاً منه آنفاً ، وهنا إشارة وزيادة :
لماذا عظم حق الزوج ؟
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=9787&highlight
ولو قبّل الزوج يد زوجته لم يكن فيه ثَمَّ محذور ، وهو من حسن العشرة أيضا .
ويكون تقبيل اليد في جميع الحالات ناتج عن تقدير واحترام لا عن ذلّ وخضوع .
قال النووي في روضة الطالبين : ولا يكره تقبيل اليد لزهد وعلم وكِبَرِ سِنّ . اهـ .
وقال أيضا : وأما تقبيل اليد ، فإن كان لزهد صاحب اليد وصلاحه أو علمه أو شرفه وصيانته ونحوه من الأمور الدينية فمستحب ، وإن كان لدنياه وثروته وشوكته ووجاهته ونحو ذلك فمكروه شديد الكراهة ، وقال المتول :ي لا يجوز ، وظاهره التحريم .
وقال البهوتي في كشّاف القناع : فيُباح تقبيل اليد والرأس تديّنا وإكراما واحتراما مع أمن الشهوة ، وظاهره عدم إباحته لأمر الدنيا ، وعليه يُحمل النهي . انتهى .
وقد صنف الحافظ أبو بكر الأصبهاني المعروف بابن المقرىء جزء في الرخصة في تقبيل اليد ، ذكر فيه أحاديث وآثار عن الصحابة والتابعين .
والله أعلم .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم