الإفســــاد في الأرض
تأملت الآيات التي ذكر الله فيها الإفساد فرأيت أن الله – تبارك وتعالى – إذا ذَكَر الإفساد بهذا اللفظ نَفى الإصلاح ، أو ذَكَره معـه .
لتعلم أن المفسدين يُـفسدون في الأرض ولا يُصلحون .
ولعلي أتتبّع الآيات التي ورد فيها ذكر الإفساد لنتعرف على أنواع الإفساد وصوره :
1 -الشرك بالله إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ )
فهؤلاء جمعوا بين إفسادين :
كفرٌ بالله
وصدٌ عن سبيل الله
وقال سبحانه وبحمده : ( وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ )
2 – النِّـفاق إفساد في الأرض . قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )
3 -تكذيب الرسل ، ورد الحق برغم الإيقان به . قال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن قوم صالح ، وأن صالحاً قال لهم : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
ويدخل فيه الصدّ عن سبيل الله . قال الله تبارك وتعالى : (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
4 – اللجـوء إلى غير الله ودعاء الأموات إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )
5 -قتل النفس إفساد ، وتعظم الجريرة إذا كان المقتول مُصلحاً . قال الله تبارك وتعالى : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْط يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
واشترك القوم بالرأي والمكيدة ، فهو إفساد الطبقة المتنفّذة المتسلّطة ، ولذا قال سبحانه :
( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )
والتبييت قتله ليلا
فهم خفافيش الظلام التي يبهرها النور فلا تستطيع أن تتحرك وتعمل إلا تحت جُنح الظلام .
وقتل الأنفس البريئة إفساد
قال جل جلاله عن فرعون : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
ولذا قالت الملائكة : ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) ؟
6 -بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لِسان شعيب : ( فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا )
7 -التقاطع في الأرحام وعدم وَصْلها . قال الله تبارك وتعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )
8 -نقض العهد ، وعدم الوفاء به ، وقطع ما أمر الله به أن يُوصل . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )
ولذا قال سبحانه وتعالى بعدها مباشرة : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
وقال جل جلاله : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
9 -الإسراف ومجاوزة الحد في الغَيّ والتمادي في المعاصي إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام : ( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن الألـدّ الخصِم : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ )
10 -إيقاد نيران الحروب بين عباد الله إفساد . واليهود هم أهل هذا التخصص . قال الله تبارك وتعالى : ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )
11 -السِّـحـر إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) .
12 -الجبروت والتكبّر على عباد الله إفساد ، والإفراط في الفَرح والأشَر والبَطَر . قال جل جلاله عن رمز الثراء الفاحش ” قارون ” : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )
13 – ارتكاب المنكرات وإتيان ما حرّم الله من الفواحش . قال الله تبارك وتعالى على لسان لوط : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَد مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ )
فماذا كان جواب القوم المفسدين ؟
(ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ )
فكانت دعوته (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )
14 – السرقة إفسـاد . قال جلا وعلا عن إخوة يوسف : ( قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ )
كل ذلك إفســاد بغير إصلاح ، وإن ادّعوا أنهم مُصلِحون فقد كَذّبهم الله .
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ؟
لا يستويان .
أخيرا :
إن عَزَب عنّي شيء مِن معاني الإفساد ، فسبحان مَن لا يَعزب عنه مِثقال ذرّة .
وإن خفي عليّ شيء فسبحان مَن لا تَخفى عليه خافِية .
ولو بقيت أتأمل كتاب الله وأتفكّر فيه لما انقضت عجائبه .
والله ولي الصالحين .
والله لا يُحبّ المفسدين .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
1423 هـ
وسبق :
التلازمبين الكُفر والإفساد في الأرض وقطيعة الأرحام
أيهاالآباء .. لا تبغوا الفساد في الأرض !