لا تَكُنْ مثل فلان
على العاقل أن ينظر في الصفات المحمودة في أخلاق الناس فيتّصِف بها ما استطاع .
وأن ينظر في الصفات المذمومة مِن أخلاق الناس فيجتنبها ؛ فإنه بذلك يُحصِّل الفضائل ويتّصِف بها ، ويَجتنب المساوئ ويَحْذَرها .
فيَجْمع محاسِن أخلاق الناس ، ويتجنّب مساوئ أخلاقهم .
ومِن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم لِعَبْد اللهِ بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ . رواه البخاري ومسلم .
كم عِشْت في هذا الشهر حَلاوة القِيام ، ولـذّة الْمُناجاة .. فلا تقطعها بعد رمضان .. ولا تكن كَتِلْك الحمقاء .. (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) .
” ومعناه: أنها لم تكف عن العمل، ولا حين عملت كفت عن النقض ” كما قال البغوي .
إن مِن علامة قبول الحسنة : إتْبَاع الحسنة بِحَسنة أو بِحسَنات أخريات ..
ولَمّا كان صيام رمضان حَسنة عظيمة أُتْبِع بِحسنات أُخرى ، وهي صَدَقة الفِطْر ، ثم أُتْبِع بِحسنة أخرى ، وهي التكبير ..
قال الله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
وإن مِن علامة الخذلان إتْبَاع السيئة بسيئة أو بسيئات أُخريات ..
فإياك والرجوع على الأعقاب .. وإياك والنكوص ..
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله مِن الرجوع على الأعقاب ، فَكَان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والْحَوْر بعد الكَون ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال . رواه مسلم .
وفي بعض الروايات وبعض النُّسَخ : ومِن الْحَوْر بعد الكَور .
قال الترمذي : هو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو مِن الطاعة إلى المعصية ، إنما يعني : الرجوع مِن شيء إلى شيء مِن الشَّـرّ . اهـ .
وكان ابن أبي مُليكة يقول : اللهم إنا نَعوذ بك أن نَرْجِع على أعقابنا ، أو نُفْتَن عن دِيننا . رواه البخاري ومسلم .
لتُكن هِمّتك بعد رمضان عالية .. وطاعاتك مُتَوَاصِلة .. فإن أحبّ العمل إلى الله أدْوَمه وإن قَـلّ ، كما قال عليه الصلاة والسلام .
وتذكّر : أن العمل وإن كان قليلا فهو أفضل مِن العمل الكثير المنقَطِع ..
ولتُتْبِع الحسنة الحسنة .. فإن ذلك سوف يَسُرّك أحْوج ما تكون إليه في الدنيا ، وفي القبر ، وفي الآخرة ..
رُئي عبد الله بن غالب رحمه الله في المنام ، فقال له الذي رآه : أوْصِني ، قال : اكْسَب لنفسك خيرا ، لا تَخْرُج عنك الليالي والأيام عطلا ، فإني رأيت الأبرار نَالُوا البِرّ بِالْبِرّ .
ولله درّ أبي مسلم الخولاني الذي قال كان يقوم من الليل فإذا تَعِب قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يَفوزوا بمحمد صلى الله عليه وسلم دُوننا ؟ والله لأُزَاحِمَنّهم عليه حتى يعلموا انهم خَلَّفُوا بعدهم رِجالاً !
والتوفيق للعمل الصالح علامة رِضَا الله عَزّ وَجَلّ عن عبده أو أمَتِه .
قال وهيب رحمه الله : بَلغني عن موسى عليه السلام أنه قال : يا رب ، أخبرني عن آية رضاك عن عبدك ، فأوحى إليه : إذا رأيتني أهيئ له طاعتي ، وأصْرِفه عن مَعصيتي ؛ فَذَاك آية رضائي عنه .
فَاسْألِ الله أن يُهَيئك لِطاعته
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سُؤال العَون على مَرضاته ، ثم رأيته في الفاتحة في : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
وكان الله لك وفي عَونك .
27 / رمضان / 1431 هـ
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم