من سير الصالحات (الفقيهة العالمة العابدة المليحة الجميلة) ! [4]
كنت كتبت في سير الصالحات ثلاث حلقات تحت عنوان : من سير الصالحات ( صابرات … محتسبات ) ثم توقفت حتى جاءني طلب ممن لا يُـردّ له طلب ، بمتابعة الكتابة في هذا الموضوع ، فأجبتُ نزولاً عند رغبته .
وإنما أبرزت العنوان بما بين القوسين لفائدة لطيفة
أولاً : لم آتِ به من عند نفسي ، بل سُبقت به ، كما سيأتي .
ثانياً : أنه لا تعارض بين الفقه والعلم والعبادة وبين الحُسن والجمال
والمُلاحظ أن أكثر الفتيات غروراً أكثرهن جمالاً !!!
وما علمن أنهن ربما سُلبن ذلك الجمال في غمضة عين بحريق ونحوه
ثم إن من شكر واهب ذلك الجمال أن لا يُترفّع على عباد الله بسببه
فليس للإنسان يـدٌ في صنع ذلك الجمال أو تصويره وإبداعه
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
ولنأخذ طرفاً من سيرة تلك العابدة
هي هجيمة الوصّابية الحميرية زوجة أبي الدرداء رضي الله عنه .
قال عنها ابن القيسراني :
كانت فقيهة عالمة عابدة مليحة جميلة ، واسعة العلم ، وافرة العقل . روت الكثير عن أبي الدرداء .
وقال عنها الذهبي :
السيدة العالمة الفقيهة : هجيمة ، وقيل جهيمة الأوصابية الحميرية الدمشقية ، وهي أم الدرداء الصغرى .
روت علماً جمّـاً عن زوجها أبي الدرداء ، وعن وكعب ابن عاصم الأشعري ، وعائشة ، وأبي هريرة ، وطائفة ، وعرضت القرآن وهي صغيرة على أبي الدرداء ، وطال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد .
قال أبو مسهر الغساني : أم الدرداء هي هجيمة بنت حيي الوصابية ، وأم الدرداء الكبرى هي خيرة بنت أبي حدرد لها صحبة .
وكان لها جَـمال وحُسـن .
وكانت أم الدرداء يتيمة في حجر أبي الدرداء تختلف معه في برنس تصلي في صفوف الرجال ، وتجلس في حلق القرّاء تَعَـلَّم القرآن ، حتى قال لها أبو الدرداء يوما : الحقي بصفوف النساء .
وحَدّثتْ أنها قالت لأبي الدرداء عند الموت :
إنك خَطَبْتَنِي إلى أبَوَيّ في الدنيا فأنكَحُوك ، وأنا أخطِبك إلى نفسِك في الآخرة . قال : فلا تَنْكِحِي بَعدي . فخَطَبَها مُعاوية فأخْبَرَته بالذي كان ، فقال : عليك بالصيام . رواه ابن عساكر في ” تاريخ دمشق ” .
وفي رواية له : أنها قالت : اللهم إن أبا الدرداء خَطَبَنِي فتَزَوّجَنِي في الدنيا ، اللهم فأنا أخطِبه إليك ، فأسألك أن تُزَوّجْنِيه في الجنة . فقال لها أبو الدرداء : فإن أردْتِ ذلك فكُنْتُ أنا الأول فلا تَتَزَوّجي بعدي . فَمَات أبو الدرداء ، وكان لها جَمَال وحُسْن ، فَخَطَبها معاوية ، فقالت : لا والله لا أتَزَوّج زَوْجًا في الدنيا حتى أتزَوّج أبا الدرداء إن شاء الله في الْجَنّة .
قالت أم الدرداء : قال لي أبو الدرداء : لا تسألي أحداً شيئا ، فقلت : إن احتَجْت قال : تتبعي الحصّادين فانظري ما يسقط منهم فَخُذِيه فاخْبُطِيه ثم اطْحَنِيه وكُـلِـيه .
قال عون بن عبد الله : كُـنا نأتي أم الدرداء فنذكر الله عندها .
وقال مكحول : كانت أم الدرداء فقيهة .
ومن فقهها :
أنها كانت تقول : إن أحدهم يقول اللهم ارزقني ، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهبا ولا دراهم ، وإنما يرزق بعضهم من بعض ، فمن أُعطي شيئا فليقبل ، فإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة ، وإن كان فقيرا فليستعن به .
ومما يدلّ على فضلها وسعة علمها أن عبد الملك بن مروان كان كثيرا ما يجلس إليها في مؤخر المسجد بدمشق .
هكذا فلتكن النساء
فلو كان النساء كمثل هذي لفضلت النساء على الرجال
وما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال
رحــم الله أم الدرداء برحمته الواسعة .