الإجابات الْجَلِـيَّـة عن الشُّـبُهات الرافضية
تأليف
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم
الحمد لله فاطر السماوات والأرض بارئ الورَى ، والصلاة والسلام على من بعثه ربّـه رحمة للعالمين ، فأقام به عَلَم الهدى ، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين ، نجوم الدُّجَى ومصابيح الهدى .
أما بعد :
فقد سألني أحد الإخوة مجموعة من الأسئلة ، أوردها طالباً الجواب عنها .
ولما رأيت الأمر أمراً مُنكَرا شددتُ ذراعي ، وجرّدت ذراعي ، واستللتُ قَلمي ، واستعنت بِربِّي وأمضيت وقتا في الذب عن خيار هذه الأمة ، وفي تجلية الحق ودَحْض الشبهة وكشف الغمّـة .
وتلك الشبهات عبارة عن عشرين سؤالاً وجّهها بِزعمه إلى الوهابية !
وهي – كما سيأتي – لازمة لأمة الإسلام جمعاء !
وسوف أصدّر كل سؤال له بـ ” قال الرافضي : “
قال الأخ الفاضل الذي أورد الأسئلة :
شيخنا الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وَرَدَ إليّ هذا المقال و فيه بعض الأسئلة تحتاج إلى جواب و معرفة لحال السائل
المقال بعنوان :
جائزة للوهابية لمن يجيب على هذه الأسئلة
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك أخي الكريم :
لا شك أن هذه شُبُهات رافضية
وهي دالّة على قِلة فقه في الدِّين ، وتُنبئ عن حقد دفين على أهل السنة ، بل على الصحابة رضي الله عنهم .
فإن ما في هذه الأسئلة أو أغلبه لا يلزم ( الوهابية ) كما زَعم ، وإنما تلزم كل أهل القِبْلَة !
فإن أهل القِبْلَة قاطبة يُصلُّون التراويح عدا الرافضة ومن دار في فلكهم ، ولذا قال الإمام القحطاني رحمه الله :
إن التّراوح راحة في ليلِه *** ونشاط كل عويجـز كسلان
والله ما جَعَل التراوِح مُنكَراً *** إلا المجوس وشيعة الشيطان
وسيأتي الجواب عن ذلك في محلّه – إن شاء الله –
قال الرافضي :
إذا أجبتم عن هذه الأسئلة فلكم جائزة قيمة سنعلن عنها فيما بعد
يجب أن تكون الإجابة صحيحة وليست كلاما تحليليا من جيوبكم
يجب التحلي بالأخلاق الإسلامية والابتعاد عن السب والشتم .
الـردّ :
أقول : هذا أول التّهكم والسخرية منه .
وليس نحن من نسبّ ونشتم ، وإنما الذي هو دأبهم وديدنهم السب والشتم واللعن ، حتى اخترعوا دعاء في لعن وسب خيار هذه الأمة ، في ما يُسمونه ( دعاء صنمي قريش ) !
وآخر من يُطالِب بالتحلّي بالأخلاق الإسلامية هم الرافضة ، لأنهم أبعد الناس عنها قولاً وفِعلاً !
فإن دِينهم يقوم على السب والشتم واللعن .
قال الرافضي :
السؤال الأول :
هل يستطيع أي إنسان أن يغير القوانين والشرائع الإلهية ؟
أليس الله هو من أنزل آيات تدعونا لاتباع ما أتانا به الرسول ؟
أليس الله هو من قال إنه لا خيرة لأي إنسان إذا ما قضى الله ورسوله أمرا !؟
فلماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح؟ ولماذا تقبلون ابتداعه للطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟
ولماذا تقبلون بدعته التي أدخلها على الأذن ؟ الصلاة خير من النوم .
من الذي أعطاه الحق ليجتهد مقابل النص النبوي والإلهي ؟
الـردّ :
ليت الذي طَرَح هذه الشبهات غير الرافضة !
لأن هذا الاعتراض منقوض على الرافضة بأمور كثيرة ، من أبرزها :
أنهم يدّعون – زورا وبُهتاناً – أن القرآن ناقص ومُحرّف ، منذ زمن المفسِّر الرافضي الشهير ( علي بن إبراهيم الْقُمِّي ) الذي كان حيا سنة 307 هـ إلى زمن النوري الطبرسي صاحب كتاب ” فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ” وقد حَشَد أكثر من ألفي رواية عن أئمة وعلماء الرافضة تُبت تحريف القرآن – بِزعمه – ، ولدى الرافضة سورة الولاية ! ليست في مصاحف المسلمين ! فقط في مصاحف الرافضة !!!
وأما قول الرافضي :
أليس الله هو من أنزل آيات تدعونا لاتباع ما أتانا به الرسول ؟
فالجواب : بلى .
والله قد أمرنا باتِّباع رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ومما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالاقتداء بالشيخين على وجه الخصوص ، فقال عليه الصلاة والسلام : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
ومما أتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالتّمسّك بِسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين ، فقال : فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ . رواه الإمام أحمد وغيره .
قال الرافضي :
فلماذا تقبلون قيام عمر ابن الخطاب بابتداع صلاة التراويح ؟
الـردّ :
عمر رضي الله عنه لم يَبتدِع صلاة التراويح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاّها ، فصلّى بالناس في رمضان ، يومين أو ثلاثة وصلّى بصلاته أُناس من أصحابه إلا أنه عليه الصلاة والسلام تَرَكها خشية أن تُفرض على أمّته .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد ذات ليلة فصلّى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة فكثُر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تُفْرَض عليكم . قال وذلك في رمضان .
وفي رواية للبخاري ومسلم : أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم خـرج من جـوف الليل فصلى في المسجـد فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فاجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته ، فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة ، فخرج فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون الصلاة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس ، ثم تشهد ، فقال : أما بعد : فإنه لم يخفَ علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل ، فتعجزوا عنها .
وهذا مِنْ رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته ، فهو صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، كما وَصَفَه ربُّه بذلك .
ولم يَتركها الناس ، فقد كانوا يُصلّون التراويح والقيام في رمضان ، إلا أنهم كانوا يُصلونها أوزاعاً مُتفرّقين .
روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي ابن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون . يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله .
قال الإمام الزهري في التراويح : فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما .
فكل الذي صَنَعه عمر رضي الله عنه أن جَمَع ما تفرّق ، ولم يُشرِّع ابتداء .
فَعُمَر رضي الله عنه لم يكن منه إلا أنه أحيا الأمر الأول ، وجَمَع الناس على إمام واحد بدل الفرقة والاختلاف ، فهل فِعل عُمر الذي يُعد عند العقلاء مَدْحاً صار عند الرافضة قَدْحاً ؟!
قال ابن عبد البر : لم يَسُنّ عمر إلا ما رضيه صلى الله عليه وسلم ، ولم يمنعه من المواظبة عليه إلا خشية أن يُفرض على أمته ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، فلما عَلِمَ عمر ذلك مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَلِمَ أن الفرائض لا يُزاد فيها ولا يُنقص منها بعد موته صلى الله عليه وسلم أقامها للناس وأحياها ، وأَمَرَ بـها وذلك سنة أربعة عشرة من الهجرة ، وذلك شيءٌ ذخره الله له وفضّله به . اهـ .
قال ابن رجب – في قول عمر رضي الله عنه : نعم البدعة هذه – : وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع ؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية ، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمـا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال : نعمت البدعة هذه . اهـ .
قال الرافضي :
ولماذا تقبلون ابتداعه للطلاق الثلاث في مجلس واحد ؟
الـردّ :
لم يَبْتَدِع عُمر رضي الله عنه ذلك ، وما كان عمر رضي الله عنه ليَبْتَدِع ، بل لا يُعرف في الصحابة مُبتدِع .
وما فعله عمر رضي الله عنه يُعتبر من السياسة الشرعية لا من التشريع ، وبينهما فَرْق .
ما هو الفرق بين التشريع وبين السياسة الشرعية ؟
التشريع : هو سنّ أمر لم يكن في شريعة الإسلام ، كأن يأتي أحد فَيَسُنّ ويُشرِّع للناس الحج لغير مكة ، كالحج إلى كربلاء أو إلى النجف !
أو فَرْض خُمس في أموال الناس ، ونحو ذلك !
والسياسة الشرعية : أن يأخذ الناس بالْحَزْم في أمْر مشروع .
وهذا باب واسع عند أهل العلم ، بل عند العقلاء .
فللحاكم أن يأخذ الناس بالسياسة الشرعية ، ويُلزِمهم بأمر رآهم توسّعوا فيه ، ولهذا أصل في السنة النبوية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الوصال في الصيام ، فقال له رجال من المسلمين : فإنك يا رسول الله تواصل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقين ، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصَلَ بهم يوماً ، ثم رأوا الهلال ، فقال : لو تأخر لزدتكم ، كالمنكل بهم حين أبوا . رواه البخاري ومسلم .
ومثل ذلك ما يُفرض على الناس من عقوبات إذا تساهلوا في أمر كان لهم فيه سَعة .
بل للحاكم العفو عن الحدود في سِنيّ المجاعات ، وهذا ما عمِل به عُمر ، والرافضة تعيب عُمر رضي الله عنه بذلك !
عابوا عُمر بأنه تَرَك إقامة الحدود عام المجاعة !
وتلك شَكَاة ظاهر عنك عارها أبا حفص !
فإن الحدود تُدرأ وتُدفع بالشُّبُهات ، والمجاعة شُبهة أن الجائع ما دَفَعه على السرقة إلا الجوع .
وهذا موافق لِهَدْيِه عليه الصلاة والسلام :
كما أن هذا له أصل في الشريعة ، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز رضي الله عنه وقد اعترف ماعز بما اقترف .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له : لعلك قبلت ، أو غمزت ، أو نظرت . رواه البخاري .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يُلقنه ، وهو مع ذلك يُردّه .
وكان عُمر رضي الله عنه يقول : لأن أُعَطِّل الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أُقيمها بالشبهات
ولم يَنْفَرِد عمر رضي الله عنه بهذا ، فقد جاء هذا عن معاذ وعبد الله بن مسعود وعقبة بن عامر أنهم قالوا : إذا اشتبه عليك الْحَدّ فادرأه . رواه ابن أبي شيبة .
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم ، فإذا وجدتم للمسلم مَخْرَجا فَخَلّوا سبيله ، فإن الإمام إذا اخطأ في العفو خير مِن أن يُخطئ في العقوبة . رواه ابن أبي شيبة .
ومن باب السياسة الشرعية إلزام الناس بالطلاق الثلاث ، أي بإيقاعها .
وهذا ليس تشريعا ، فإن التشريع لو أن أحدا قال : يُزاد طلقة رابعة – مثلا – فإن هذا هو التشريع .
أما إلزام الناس بأمر مشروع فهذا ليس من باب التشريع ، وإنما هو من باب السياسة الشرعية ، والناس إذا رأوا أنه ضُـيِّق عليهم في أمر كان لهم فيه سَعة كان أدعى للزّجر .
وهذا الذي ذَهَب إليه عمر رضي الله عنه .
قال ابن عباس : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم . رواه مسلم .
وهذا قد وافقه عليه الصحابة وهم مُتوافرون .
كما أن عمر رضي الله عنه لم يزعم نسخ العمل بالثلاث أن تكون واحدة ، وإنما أخذ بذلك .
وهذا كالذي يأخذ بأمر واحد من كفارة اليمين ، أو يَصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية .
فالذي يُكفِّر عن يمينه بالإطعام ، ويلتزم هذا لا يُعتبَر مُشرِّعا ، وإنما أخذ ببعض ما شُرِع ، وتركه لبعض ما فيه اختيار .
وكذلك الذي يصرف الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية [ أهل الزكاة ] لا يُعتبر مُعطّلاً لَمَا شَرعه الله ، وإنما أخذ ببعض ما له فيه خيار .
وكذلك القول بالنسبة للطلاق الثلاث ، وما اختاره عُمر رضي الله عنه فيها .
وقد أذِن لنساء بني إسرائيل الخروج إلى أماكن العبادة ، ثم مُنِعن لَمّا توسّعن في الزينة والطِّيب .
قالت عائشة رضي الله عنها : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل . قال يحيى بن سعيد : فقلت لعمرة : أنساء بني إسرائيل منعهن المسجد ؟ قالت : نعم . رواه البخاري ومسلم .
وإنما مُنعت نساء بني إسرائيل من المساجد لِمَا أحدثن وتوسعن في الأمر من الزينة والطيب وحسن الثياب . ذكره النووي في شرح مسلم .
قال ابن حجر في موضوع آخر مشابه : وفائدة نهيهن – أي النساء – عن الأمر المباح خشية أن يَسْتَرْسِلْن فيه فيُفضي بهن إلى الأمر المحرَّم لضعف صبرهن ، فيستفاد منه جواز النهي عن المباح عند خشية إفضائه إلى ما يحرم . اهـ .
ثم إن اعتبار الثلاث واحدة له أصل في السنة ، ففي قصة الملاعنة أن الرجل طلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال ابن شهاب : فكانت تلك سنة المتلاعنين . رواه البخاري .
قال الرافضي :
ولماذا تقبلون بدعته التي أدخلها على الأذن ؟ الصلاة خير من النوم .
من الذي أعطاه الحق ليجتهد مقابل النص النبوي والإلهي ؟
الـردّ :
هذا يدل على جهل الرافضي !
فإن قول ” الصلاة خير من النوم ” ليست من مُختَرعات عُمر كما زَعَم ! بل هي من السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي حديث أبي محذورة رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان . قال : فمسح مقدم رأسي ، وقال : تقول :
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر – ترفع بها صوتك – ثم تقول :
أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله – تخفض بها صوتك – ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله . أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله . حي على الصلاة حي على الصلاة . حي على الفلاح حي على الفلاح ، فإن كان صلاة الصبح قلتَ : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . الله أكبر الله أكبر . لا إله إلا الله . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي
قال أبو محذورة رضي الله عنه : كنت أؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول : حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
فهذا يدلّ على أن قول المؤذن لصلاة الفجر ” الصلاة خير من النوم ” ليس مما ابتدعه عمر رضي الله عنه – كما زَعَم الرافضي – .
وليت المعترض من غير الرافضة !
لأن الرافضة زادوا في الأذان ” حي على خير العَمَل ” وزادوا شهادة ثالثة عما عليه أهل القِبْلَة ، وهي قولهم في الأذان : اشهد أن علياً وليّ الله ” .
وأهل السنة يشهدون أن علياً وليّ الله ، بل هو من خيرة أولياء الله ، وفرق بين أن نشهد بهذا وبين أن تُجعَل في الأذان !
وهذه ينفرد بها الرافضة عن سائر أهل القبلة ، وهي مما زادوه واخترعوه في العبادة .
فـ [ من الذي أعطاههم الحق ليجتهدوا مقابل النص ؟!! ]
من الذي أعطى أئمة الرافضة أن يُشرِّعوا لهم الخمس ؟
من الذي أعطاهم الحق ليُشرِّعوا في الأذان ( حي على خير العمل ) ؟
من الذي أعطاهم الحق ليزيدوا في الأذان شهادة ثالثة ( اشهد أن عليا ولي الله ) ؟
من الذي أعطاهم الحق ليُشرِّعوا طقوساً معينة مخصوصة ليوم عاشوراء ؟
من الذي أعطاهم الحق ليحجّوا إلى كربلاء والعتبات المقدّسة في النجف ( الأشرف ) بزعمهم ؟
ومن الذي أعطاهم الحق ليبنوا لهم كعبة في قُـم ؟!!!
ومن … ؟؟
ومن … ؟؟
لا شيء سوى التعصّب الأعمى !
وأُضِيف هنا :
أن علي بن أبي طالب كان ممن يُشير على عُمر بمثل ذلك .
روى عبد الرزاق عن عكرمة أن عمر بن الخطاب شَاوَرَ الناس في جلد الخمر ، وقال : إن الناس قد شربوها واجترؤوا عليها . فقال له عليّ : إن السكران إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى فاجعله حَـدّ الفرية . فجعله عمر حد الفرية ثمانين .
وروى الحاكم عن وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه ، فأتيته وهو في المسجد معه عثمان بن عفان وعليّ وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير رضي الله عنهم متكئ معه في المسجد ، فقلت : إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ، ويقول : إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتَحَاقَرُوا العقوبة . فقال عمر : هم هؤلاء عندك فَسَلْهُم . فقال عليّ رضي الله عنه : نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعَلَى المفتري ثمانون . فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال . فَجَلَدَ خالد ثمانين ، وجَلَدَ عُمر ثمانين .
فهذا رأي علي بن أبي طالب ، وهذه مشورته التي أخذ بها عُمر وأخذ بها الخلفاء من بعدِه ، وعليها العَمَل إلى يومنا هذا .
ولم يقتصر الأمر على المشورة فحسب بل كان علي بن أبي طالب يَفعل مثل ذلك من غير نكير ، لأن باب السياسة الشرعية واسع ، وليس هو من باب البِدع .
روى البخاري ومسلم من طريق عمير بن سعيد النخعي قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما كنت لأقيم حَـدًّا على أحد فيموت فأجِد في نفسي إلاّ صاحب الخمر ، فإنه لو مات وَدَيتُـه ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَسُـنَّـه .
يعني حـدّ الخمر .
فَلَم نَقُل نحن ولا الرافضة إن علياً يُشرِّع من دون الله !
بل نرى هذا من باب السياسة الشرعية التي فيها مُتّسَع للأمة .
وأن الناس إذا توسّعوا في أمر كان لهم فيه سَعة ، أنه يُضيّق عليهم من باب السياسة الشرعية ، وأخذ الناس بالْحَزم .
قال الرافضي :
السؤال الثاني :
من هم الخلفاء الاثنا عشر المذكورين في صحيحي البخاري ومسلم ، والذين بهم يكون الدين عزيزا !؟
أليس من المفروض أن يعرف هؤلاء الاثنا عشر؟
وخصوصا أنهم أئمة زمانهم , خصوصا أن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ؟
خصوصا وأن ابن عمر نفسه هو من روى أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ؟
ما هو مصير أهل السنة على مدى القرون من خلال عدم وجود بيعات معروفة لهؤلاء الخلفاء الاثنا عشر ؟
الـردّ :
أولا : الحديث رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش .
وفي رواية لمسلم : إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة .
والرواية الثانية تُفسِّرها الرواية الأولى ، وهو أن الإسلام سيظلّ عزيزاً إلى انقضاء عهد اثني عشر خليفة .
ثانياً : حديث ” من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ” هذا من أحاديث الرافضة ! وليس له أصل عند أهل السنة بهذا اللفظ .
وفَرْق بينه وبين حديث : ” من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ” ، فإن الأول تكليف لمعرفة إمام الزمان – كما تدّعيه الرافضة – والآخر في مسألة البيعة .
فالبيعة شيء ، ومعرفة إمام زمانه شيء آخر .
ثم إن هذا الحديث لو صحّ لكان فيه ابلغ رد على الرافضة .
كيف ؟
الرافضة تعتقد بإمامة اثنا عشر إماما من أئمة آل البيت ، وانتهت الإمامة إلى أن جاءت ولاية الفقيه !
فلذلك هم يُصلّون مُتفرِّقين ، لا يَجْمعهم إمام ، مع اعتقادهم خُلُوّ الزمان من إمام .
فهذا الحديث لو ثبت لكان ردًّا عليهم !
ثالثاً : هذا الحديث الذي ذَكَرَه الْمُعْتَرِض ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ” لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش ” يُلزِم الرافضة الأخذ به ، ويَلزَم منه قبول إمامة مَن رَفَضُوا إمامتهم ، كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم .
فإن هؤلاء من الأئمة من الخلفاء ، وهم مِن قريش .
فأهل السنة – بحمد الله – عَرَفوا هؤلاء الأئمة ، وعرفوا لهم حقّهم ، وهم أكثر الناس حظّا في الأخذ بهذا الحديث الذي ذَكَره المعتَرِض .
فإن أهل السنة يعتقدون إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ والحسن بن علي ومعاوية ، فهؤلاء ستة من الأئمة الاثنا عشر ، وكلهم من قريش .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فنحن أخذنا بهذا الحديث ، والبيعة الأولى كانت لأبي بكر رضي الله عنه ، فيجب الوفاء بها .
كما أن الرافضة لا تعترف بإمامة ولا بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما ، والذي أتم عِقد الخلافة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .
وفي رواية لأبي داود : خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يُؤتِي الله الملك – أو ملكه – مَن يشاء .
والإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما أتم بخلافته هذه الثلاثين سَنة التي ذَكرها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير رحمه الله :
وإنما كَمُلَت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنه ، فإنه نَزَل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ، وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه توفى في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليما ، وقد مَدَحَه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا ، وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية ، وحقنه دماء هذه الأمة ، فَنَزَل عن الخلافة وجَعَلَ الملك بِيدِ معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد . اهـ .
كما أن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما حقق نبوة جدِّه صلى الله عليه وسلم ، حينما قال عليه الصلاة والسلام : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . رواه البخاري
أما الرافضة فإنه رَفَضُوا إمامة الحسن بن علي رضي الله عنهما ، بل وَسَمَّوه (خاذل المؤمنين ) ، وذلك حينما حقق هذه النبوّة ، وحينما حَقَن دماء المسلمين ، وتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه .
فإن الرافضة قالوا للحسن بن علي رضي الله عنهما : يا خاذل المؤمنين !
وقالوا له : مُسَوِّد وُجوه المؤمنين !
وصنيع الحسن بن علي رضي الله عنهما يؤكِّد على أمر آخر ، وهو أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قَبِل إمامة معاوية رضي الله عنه ، فلو كان الحسن رضي الله عنه لا يَرى له بيعة أو يرى أنه غَصَب آل محمد حقّهم – كما تزعم الرافضة – أكان يتنازل عن حقِّـه ؟
وفي مصادر الرافضة عن الحسن رضي الله عنه أنه قال :
أرى والله معاوية خيرا لي مِن هؤلاء ؛ يزعمون أنـهم لي شِيعة ، ابْتَغَوا قَتْلِي ، وأخَذُوا مالي ، والله لأن آخُذ مِن معاوية ما أحقن به مِن دمي وآمَن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي ، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بِعُنُقِي حتى يدفعوا بي إليه سِلْمًا ، ووالله لأن أُسَالِمَه وأنا عزيز خير مِن أن يَقتلني وأنا أسِير . ( الاحتجاج للطبرسي ) .
ومن أراد الاستزادة حول حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما فيُراجِع كتاب :
حياة أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : شخصيته وعصره ، للدكتور علي بن محمد الصلابي .
والرافضي يقصد معرفة الأئمة الاثنا عشر ، ويعني بهم :
علي بن أبي طالب
والحسن بن علي
والحسين بن علي
وزين العابدين علي بن الحسين
والباقر
والصادق
والكاظم
وعلي بن موسى الرضا
محمد بن علي بن موسى الرضا
والهادي
والعسكري
وابنه : محمد بن الحسن [ الذي تزعم الرافضة أنه غاب في سرداب سامرا سنة 329 هـ ]
وهو الذي تُسمه الرافضة ( المهدي ) و ( القائم ) .
فلو كان المقصود بالحديث هؤلاء الأئمة – عليهم السلام – لَقَال : كلهم مِن أهل بيتي ، كما قال ذلك في الإخبار عن المهدي المنتظر ، لا مَهدي السرداب !
أو لقال : من عِترتي .
ويَرِد على هذا أن فِرق الرافضة مُختَلِفة مُتباينة في تحديد الأئمة الاثنا عشر .
قال البغدادي في الفرق بين الفِرق : افترقت الرافضة بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف : زيدية وإمامية وكيسانية وغُلاة ، وافترقت الزيدية فِرَقًا ، والإمامية فِرَقًا . اهـ .
ثم إن عند ( الاثنا عشرية) ( الجعفرية ) ( الإمامية ) أن الأئمة هم الذين تقدّم ذِكرهم .
واتفقوا مع الإسماعيلية إلى جعفر الصادق رحمه الله ورضي الله عنه ، ثم افتَرقوا ، الإسماعيلية مع إسماعيل بن جعفر ، والرافضة مع موسى بن جعفر .
إلى غير ذلك مما يطول ذِكره من الاختلافات بين فِرق الرافضة أنفسهم فضلا عن غيرهم .
ثم إن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أولاد غير محمد الباقر ، فماذا حَصَرتْ الرافضة الإمامة في الباقر ؟
فإن من أولاد زين العابدين :
محمد الباقر وعبد الله وزيد وعمر وعلي ومحمد الأوسط ولم يُعقب ، وعبد الرحمن وحسين الصغير ، والقاسم ولم يعقب .
ثم إن الإمام الثاني عشر اخْتَلفت أقوال الرافضة فيه :
ففي قول لهم : إنه لم يُولَد أصلا ، وهذا ما أثبته غير واحد من علماء الرافضة ، كالطوسي في كتابه (الغَيبة) ، والمفيد في كتابه (الإرشاد) ، والطبرسي في كتاب (أعلام الورى) .
وفي قول ثاني : أنه وُلِد ومات صغيرا ، وقُسِم ميراث أبيه بعد وفاة الأب [ الحسن بن علي العسكري ] .
فكيف يُقسم ميراث أبيه مع وُجوده في السرداب ؟!!
وقول ثالث : أنه دَخَل في السرداب ، وهذا قالوا به لخداع العامة ، وأكل أموالهم باسم الإمام والخمس والمرقد والسرداب !! وإلا كيف يُعقل أن يعيش إنسان في سرداب أكثر من ألف عام ؟!
ومتى سوف يخرج ويُخلّص الرافضة ؟!
ويزعمون أن من إنجازات القائم أنه يُخرج الذين غصبوا آل محمد حقهم [ كما يزعمون ] وسوف يُخرجهم من قبورهم ويُقيم عليهم الحـدّ !!!
وسوف يهدم المسجدين : الحرام والنبوي ، كما نصّوا عليه !
وكان يُقال : حدِّث العاقل بما لا يُعقل ، فإن صدّق فلا عَقْل له !
فو الله لا أعلم في مِلة مِن الْمِلَل ، ولا في دِين من الأديان ، بل ولا في مَعقول مِن المعقولات ، بل ولا في كلام المجانين !! أن الموتى يُخْرَجُون مِن قبورهم لِـيُقْتَصّ منهم ، وتُقَام عليهم الحدود !
لا أعلم هذا إلا في دِين الرافضة !
فأي أئمة تُريدون أن نعرف أو نتّبِع ؟
الأئمة الذين يؤمن بهم الزيدية ؟
أو الذين يؤمن بهم الرافضة الاثنا عشرية ؟
أو الذين يؤمن بهم الإسماعيلية ؟
أما من أراد أن يطّرد مع نفسه ، ويأخذ بهذا الحديث ، فإن عليه أن يعرف الأئمة من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله عليه الصلاة والسلام : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ، كلهم من قريش ” يعني أن هذا مُتتابِع مُتواصِل مع عِزّة الإسلام التي كان عليها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قال : ” لا يزال ” أي من وقته صلى الله عليه وسلم وزمانه ، ويمتدّ هذا العِز وتلك العِزّة إلى اثني عشر خليفة .
ولم يقُل عليه الصلاة والسلام سوف يكون الدين عزيزا إذا مَـرّ اثنا عشر خليفة ، أو إذا حَكَم اثنا عشر خليفة ، ونحو ذلك .
ولم يقُل سيكون هذا الدين عزيزا إذا اتّبعتم اثنا عشر خليفة .
وإنما أخبر أن هذا الدين سوف يستمر عزيزا إلى انقضاء اثني عشر خليفة .
والتاريخ يشهد أن الدين كان قائما عزيزا في ظل الخلفاء الأربعة ، ففي زمانهم فُتِحت الفتوح ، ومُصِّرت الأمصار ، وذلّت أُمَم الكُفر ، وأُطفِئت نار المجوس ! مما حَدا بالغلام المجوسي الذي فُتِحَت بلاده ، وأُطفِئت نار آلهته أن يَطعن ويَقْتل مَن فَعل ذلك ، وهو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد قَتَله المجوسي الملعون : أبو لؤلؤة المجوسي ، والذي أُقيم له مؤخّرا ضَريح في إيران ! وتُسمّيه الرافضة [ بابا شجاع الدين ] !
فيا عجبا ممن يَتَرَضّون على مجوسي قَتَل مُسلِما ، بل قَتَل خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويلعنون خيار هذه الأمة !!
قال الرافضي :
السؤال الثالث: إن الصحابة كانوا معروفين بالشجاعة والكرم والعبادة والعلم … فنسال : كم كافرا قتل عمر ابن الخطاب في معارك بدر احد الخندق خيبر وحنين ؟
الـردّ :
لسنا بحاجة إلى معرفة الأعداد ، لأننا لو أردنا معرفة ذلك بالنسبة لِكبار الصحابة فلن نتمكّن من معرفة ذلك بِدِقّـة ، ليس ذلك في حق كبار الصحابة ، بل في حق سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، لا يُعلَم كم قَتَل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على وجه التحديد والدقّـة .
وذلك راجع إلى أمور ، منها :
أولاً : أن دواعي الإخلاص تمنع من التحدّث بمثل هذا .
ثانياً : أن الحروب تدور رحاها حتى يذهل الابن عن أبيه ، والأب عن ابنه ، فضلا عن أن يعدّ كم قَتَل .
ثالثاً : أن هذا ليس مما يُتفاخَر به ، أي كثرة من قَتَل ، ولم يكن هذا من شأن القوم ولا من دأبهم .
فإننا لو سألنا الرافضة على وجه التحديد والدِّقّـة : كم قَتَل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
ما استطاعوا الإجابة بِدِقّـة .
وقد يُعرف ذلك في حق آحادٍ منهم ، كخالد بن الوليد ، وذلك ليس على وجه الدقّـة ، وإنما يكون على التقريب والظنّ .
ثم يُقال لهذا الرافضي : لماذا خَصَصت عُمر رضي الله عنه ، وهو المشهود له بالشجاعة في الجاهلية والإسلام ؟
فالجواب : أن عمر رضي الله عنه كما تقدّم هو من أطفأ نيران أجدادك المجوس !
من اجل هذا تحقد الرافضة على عمر رضي الله عنه ، وتحيك ضدّه الأساطير وتُلفّق الأكاذيب ، وتختلق القصص في حق رجل أحبه النبي صلى الله عليه وسلم وبشّره بالجنة ، وتزوّج ابنته ، وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنها وأرضاها ، وهي أم المؤمنين ، ومَن لم يَرض بها أُمّـا للمؤمنين ، فقد طعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذّب القرآن ؟
كيف ؟
قال الله عز وجل : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) .
فمن لم يعتقد أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين فليس هو من المؤمنين بِنصّ الآية .
وحفصة وعائشة رضي الله عنهن من زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم ، ومات عليه الصلاة والسلام وهو في حجر عائشة رضي الله عنها .
أيُعقل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راض عنها ثم لا نرضى عنها ، وندّعي اتِّباع النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته ؟
أُيعقل أن يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زوجاته ، ويموت وهو عنهن راضٍ ، ولا يأتيه الوحي من السماء يُخبره بخبرهن ؟
إن نبينا أفضل من نوح ومن لوط ، وقد جاء القرآن بالإخبار عما فعلته امرأة نوح وامرأة لوط ، فقال الله تعالى : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) .
بل لقد جاء القرآن وتنـزّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضايا عديدة ، وفي إخباره عليه الصلاة والسلام بما قيل من قول .
والرافضة تزعم أن أمهات المؤمنين – خاصة عائشة وحفصة – خانتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأين هو الوحي الذي أخبرهم بهذا ؟
وهل تَرَك الله رسوله صلى الله عليه وسلم يعيش مع من لا يُناسِبن مقام النبوة في حياته وبعد مماته ؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .
بل إن هذا القول هو كُفْر ورِدّة ؛ لأن الطعن في عِرْض رسول الله صلى الله عليه وسلم طَعْن في الرسول والرسالة ، والطّعن في الرسول والرسالة تكذيب لِرَبّ العالمين .
قال الإمام الحافظ ابن كثير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطِبة على أن مَنْ سَبَّها بعد هذا ورماها بما رماها به الذين ذُكِروا في هذه الآية ، فإنه كافر ؛ لأنه معاند للقرآن . اهـ .
ولسنا بحاجة إلى نسج أساطير وخيالات ، كتلك التي يُحدِّث بها الرافضة في حق عليّ رضي الله عنه ، ن أنه ضَرَب مَرحب اليهودي في خيبر فقدّه نصفين ، فما زال سيفه ذو الفقار يفري في الأرضين ويَقطع حتى بَعَث الله جبريل ليُمسك بسيف عليّ قبل أن يقطع الأرض نصفين ! فما أمسكه جبريل إلاّ قبل الأرض السابعة ! ثم قال : إنه أثقل عليّ من قرى قوم لوط !
هكذا تروي الرافضة !
ولا عَجب أن يُقبَل هذا إذا كان في أصح كتاب ( وهو الكافي للكليني ) حديث حمار عن أبيه عن جدّه ! بل وفيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم فداك أبي وأمي !
ففي الكافي ( المجلد الأول ص 237 بَابُ مَا عِنْدَ الأَئِمَّةِ مِنْ سِلاحِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَ مَتَاعِهِ) :
أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَابِّ تُوُفِّيَ عُفَيْرٌ سَاعَةَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) قَطَعَ خِطَامَهُ ثُمَّ مَرَّ يَرْكُضُ حَتَّى أَتَى بِئْرَ بَنِي خَطْمَةَ بِقُبَا فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْحِمَارَ كَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقَالَ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ فَقَامَ إِلَيْهِ نُوحٌ فَمَسَحَ عَلَى كَفَلِهِ ثُمَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ هَذَا الْحِمَارِ حِمَارٌ يَرْكَبُهُ سَيِّدُ النَّبِيِّينَ وَ خَاتَمُهُمْ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي ذَلِكَ الْحِمَارَ .
فهل يقول عاقل عن حمار أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) ؟
والله لو قِيل هذا لزبّال ما رَضِيه ، فكيف بِسَيِّد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟
كيف يَرْضى مَن ينتسب إلى الإسلام أن يكون هذا جُزء مِن دِينه ؟
أما أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ في أعينهم من أن يُحِدُّوا إليه الـنَّظَر .
وقد شهِد بذلك العدو قبل الصديق ، فقال عروة بن مسعود الثقفي – وكان مُشْرِكًا آنذاك – وقد عاد إلى قريش يُحدِّثهم بما رأى ، قال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا ، والله إن تنخّم نُخامة إلاّ وَقعت في كفّ رجل منهم فَدَلَكَ بها وجهه وجلده ، وإذا أمَرَهم ابْتَدَرُوا أمْرَه ، وإذا توضأ كادوا يَقتتلون على وَضوئه ، وإذا تَكلّم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظر تعظيما له . رواه البخاري .
هذا حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم .
وذاك حال الرافضة التي تزعم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضي الله عنهم .
قال الرافضي :
السؤال الرابع :
إذا كان قولنا بعدم محبة عائشة ومودتها موجب للكفر ، فما هو قولكم في مَن حاربها وأراد قتلها؟
الـردّ :
ألا يعلم الرافضي أنه بقوله هذا يُسيء إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
عليّ رضي الله عنه لم يُرِد قَتْل عائشة رضي الله عنها .
بل قال لها يا أمّـه .
ففي التاريخ أنه لَمّا كان نهاية وقعة الْجَمَل ، وحُمِل هَودج عائشة ، وأنه لَكَالْقُنْفُذ مِن السهام ، ونادى منادى عليّ في الناس : إنه لا يُتْبَع مُدْبِر ، ولا يُذَفَّف على جريح ، ولا يَدخُلوا الدُّور ، وأمَرَ عليّ نفرًا أن يَحْمِلُوا الهودج مِن بين القتلى ، وأمَر محمد بن أبي بكر وعمارا أن يضربا عليها قُـبَّـة ، وجاء إليها أخوها محمد فسألها : هل وَصَل إليك شيء مِن الجراح ؟ فقالت : لا ، وما أنت وذاك يا ابن الخثعمية ؟ وسلّم عليها عمار ، فقال : كيف أنت يا أم ؟ فقالت : لست لك بأم ؟ قال : بلى وإن كَرِهتِ ! وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مُسَلِّمًا ، فقال : كيف أنت يا أمّـه ؟ قالت : بِخير ، فقال : يَغفر الله لك . وجاء وجوه الناس مِن الأمراء والأعيان يُسَلِّمُون على أم المؤمنين رضي الله عنها .
فهل كان عليّ رضي الله عنه يُريد قَتْل عائشة رضي الله عنها ؟
أما لو كان يُريد ذلك لما أمر بالهودج أن يُحمَل ، بل يأمر أن يُجهز عليها ، وحاشاه ذلك .
وفي كُتُب التاريخ : ثم جاء عليّ إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة ، فاستأذن ودخل فَسَلَّم عليها وَرَحَّبَتْ به .
بل أمَرَ عليّ رضي الله عنه بِجَلْدِ من نال من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ففي كُتب التاريخ أن علياً رضي الله عنه لَمّا سلّم على عائشة ورحّبت به ، ثم خَرَج من الدار ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة ! فأمَرَ عليٌّ القعقاع بن عمرو أن يَجْلِد كل واحد منهما مائة ، وأن يُخْرِجْهما مِن ثيابهما .
وفي دواوين التاريخ : أن أم المؤمنين عائشة لَمّا أرادت الخروج من البصرة بَعَثَ إليها عليّ رضي الله عنه بكل ما ينبغي مِن مَرْكَب وزاد ومتاع وغير ذلك ، وأذِن لِمَن نَجَا ممن جاء في الجيش معها أن يَرجع إلاّ أن يُحِبّ المقام ، واختار لها أربعين امرأة مِن نساء أهل البصرة المعروفات ، وسَيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر ، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء عليٌّ فوقف على الباب وحَضَر الناس معه ، وخَرَجَتْ من الدار في الهودج فَوَدَّعَتِ الناس ، وَدَعَتْ لهم ، وقالت : يا بَنِيَّ لا يعتب بعضنا على بعض ، إنه والله ما كان بيني وبين عليّ في القِدَم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها ، وإنه على مَعتبتي لمن الأخيار . فقال عليٌّ : صَدَقْتِ ، والله ما كان بيني وبينها إلاّ ذاك ، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة . وسار علي معها مُوَدِّعا ومُشيِّعا أمْيَالاً ، وسَرَّحَ بَنِيهِ معها بقية ذلك اليوم .
وهذا يدل على أن عليا رضي الله عنه لم يُرِد أن يَقتُل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وأنها سار معها وودّعها ، ولم يُنقل عنه كلمة واحدة في الطّعن في عائشة رضي الله عنها .
ولذلك لَمّا سأل بعض أصحاب عليّ عليًّا رضي الله عنه أن يَقْسِم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير ، فأَبَى عليه ، فطعن فيه السبئية ! وقالوا : كيف يَحِلّ لنا دماؤهم ولا تَحِلّ لنا أموالهم ؟ فبلغ ذلك عليا ، فقال: أيكم يُحِبّ أن تَصير أم المؤمنين في سَهْمِه ؟ فَسَكَت القوم .
وهذا إقرار من عليّ رضي الله عنه بأن عائشة أم المؤمنين ، وهو إقرار عمّار أيضا – كما سبق – ولكن الرافضة لا تَرضى بما رَضيه عليّ رضي الله عنه ولا بِمَا رَضيه أصحابه رضي الله عنهم .
وهذا ما فَهمه أصحابه رضي الله عنهم ، فقد قام عمار رضي الله عنه على منبر الكوفة فَذَكَر عائشة ، وذَكَر مَسِيرها ، وقال : إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكنها مما ابتليتم . رواه البخاري .
وروى البخاري من طريق عبد الله بن زياد الأسدي قال : لَمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليٌّ عمارَ بن ياسر وحسنَ بن عليّ فَقَدِما علينا الكوفة فَصعدا المنبر ، فكان الحسن بن عليّ فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل مِن الحسن ، فاجتمعنا إليه فسمعت عمارًا يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تُطِيعون أم هي ؟
وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق عريب بن حميد قال : رأى عمار يوم الجمل جماعة ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : رجل يَسُبّ عائشة ، ويقع فيها . قال : فَمَشى إليه عمار فقال : اسْكُت مَقْبُوحا مَنْبُوحا ! اتَقَع في حبيبة رسول الله ؟ إنها لزوجته في الجنة .
وذَكَرَ ابن كثير أن عمارا رضي الله عنه سَمِع رجلاً يَسُبّ عائشة ، فقال : اسكت مقبوحا منبوحا ! والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها ليعلم أتطيعوه أو إياها .
وفي رواية أنه قال له ذلك بعد ما لَكَزَهَ لَكَزَات .
فإذا كان هذا قول أحَد الْمُقَرّبين إلى عليّ رضي الله عنه ، وهو أنه كان ينهى عن سبّ عائشة رضي الله عنها ، ويُشدِّد في النهي ، فهل يُظنّ أنهم كانوا يُريدون قَتلها رضي الله عنها ؟
ونحن نَرضى لأنفسنا ما رضيه عمار بن ياسر رضي الله عنه .
ونحفظ ألسنتنا عن فِتنة طَهّر الله منها أسيافنا .
هذا هو شأن الأخيار في معرفة الفضل لأهله ، ولا يَعرف الفضل إلاّ أهل الفضل .
ولَمّا نَقَل ابن كثير ما جَرى من أحداث في وقعة الجمل قال :
هذا ملخص ما ذكره أبو جعفر بن جرير رحمه الله عن أئمة هذا الشأن ، وليس فيما ذكره أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم من الأحاديث المختلفة على الصحابة والأخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها ، وإذا دعوا إلى الحق الواضح أعْرَضُوا عنه ، وقالوا : لنا أخبارنا ولكم أخباركم ! فنحن حينئذ نقول لهم : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) . اهـ .
قال الرافضي :
السؤال الخامس :
أن عائشة زوج النبي خلال حياتها وخلال خلافة عثمان كان لها موقف حاد ضد الخليفة لدرجة التحريض على قتله وتشبيهه باليهودي نعثل .
فما هو سبب خروجها على إمام زمانها الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟
هل هو حبها ومودتها لعثمان الخليفة المقتول بلسانها وسيوف الصحابة أم عداوتها لعلي بن أبي طالب الخليفة الشرعي المختار من قبل الصحابة ؟
الـردّ :
لم تُحرِّض عائشة رضي الله عنها الناس ضد عثمان رضي الله عنه .
ولم يصحّ في ذلك نَقْل يُعتمَد عليه .
وقد كُذب على عائشة رضي الله عنها ، والذين كذَبُوا عليها هم الذين أوقدوا الفتنة تحت رئاسة اليهودي ( المترفّض ) ابن سبأ !
وسبب كذبهم عليها معرفتهم بقدر أم المؤمنين عند الناس ، إذ هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هي أحب زوجاته إليه ، وعلِموا أن الباطل لا يَروج إلاّ بأن يُلصَق بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وعائشة رضي الله عنها نَفَتْ ذلك ، بل أقسَمْ أنها ما كتبت في ذلك شيئا ، فقالت رضي الله عنها :
والذي آمن به المؤمنون ، وكَفَر به الكافرون ما كَتَبتُ سوادا في بياض .
قال الأعمش – وهو من رواة الحديث وفيه تشيّع – :
فكانوا يَرون أنه كُتِب على لِسَانها .
كما عَلِم أهل الفتنة مَكانة عليّ رضي الله عنه فَكَتَبُوا على لسانه كُتُبا يَدعون فيها بالخروج على عثمان رضي الله عنه .
فنحن نعتقد أن عائشة كُذِب عليها كما كُذِب على عليّ رضي الله عنه .
فإن أثبت الرافضة مكاتبات عائشة وثَورتها على عثمان فليُثبِتوا ذلك عن علي رضي الله عنه .
وحاشَا عليّ رضي الله عنه وحاشَا عائشة رضي الله عنها أن يَكونوا مِن دُعاة الفتنة .
ثم إن قول الرافضي : (لدرجة التحريض على قتله وتشبيهه باليهودي نعثل )
أقول هذا كذب صريح ، وهذا لو صحّ عن عائشة رضي الله عنها لَمَا نَطَق به الرافضة ، لأمور :
الأول : شدّة عَداوتهم لعائشة رضي الله عنها ، فكيف يأخذون بِقَولِها ؟
والرافضة لا تزال إلى اليوم تُسمي عثمان رضي الله عنه ( نعثل ) .
فهل بلغ حب الرافضة لعائشة رضي الله عنها أن يتشبّهوا بها حتى في اللفظ ؟؟!!!
الثاني : أن الرافضة يتديّنون بمخالفة العامة ( أهل السنة ) ويقولون في ذلك : كل خير فيما خالَف العامة .
ففي ( الكافي 1/68) يَروون عن أبي عبد الله وقد سُئل :
قُلْتُ : فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُمْ ؟ قَالَ : يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَخَالَفَ الْعَامَّةَ ! فَيُؤْخَذُ بِهِ وَيُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَوَافَقَ الْعَامَّةَ . قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ الْفَقِيهَانِ عَرَفَا حُكْمَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَوَجَدْنَا أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ مُوَافِقاً لِلْعَامَّةِ وَالآخَرَ مُخَالِفاً لَهُمْ . بِأَيِّ الْخَبَرَيْنِ يُؤْخَذُ ؟ قَالَ : مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيهِ الرَّشَادُ .
فلو كانت عائشة نَطَقتْ بذلك لَمَا تَلَفّظ به الروافض !
الثالث : أن أئمة الرافضة يعترفون بأنفسهم بأن الشيعة هم قَتَلة عثمان رضي الله عنه .
ويتبجّحون بذلك .
ويُصرِّح الصفّار المعاصِر بأن الشيعة هم قَتَلَة عثمان رضي الله عنه ، ويتّهم عمار بن ياسر بأنه هو المخطِّط لذلك .
وهو بصوته هنا :
http://www.albrhan.com/arabic/video/index.html
وكَذّب الصّفار !
فإن الحسن والحسين كانا يُدافِعان عن عثمان رضي الله عنه .
قال ابن كثير :
كان الحصار مُسْتَمِرًّا مِن أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة ، فلما كان قبل ذلك بيوم قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار – وكانوا قريبا من سبعمائة ، فيهم عبد الله بن عُمر وعبد الله بن الزبير والْحَسَن والْحُسين ومروان وأبو هريرة وخَلْق مِن مواليه ، ولو تَركهم لَمَنَعُوه – فقال لهم : أُقْسِم على مَن لي عليه حقّ أن يَكُفّ يَده ، وأن ينطلق إلى مَنْزِله . وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جمّ غفير ، وقال لرقيقه : مَن أغمد سيفه فهو حُرّ . فَبَرَدَ القِتال مِن دَاخِل وحَمِي مِن خارج ، واشتدّ الأمر ، وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلَّت على اقتراب أجله ، فاستسلم لأمْر الله رَجاء مَوعُوده ، وشوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قَتْلَه : ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ) ورُوي أن آخر من خَرَجَ من عند عثمان من الدار بعد أن عَزَمَ عليهم في الخروج الحسن بن عليّ ، وقد جُـرِح . اهـ .
فهذا الثابت في كُتب التاريخ مِن أن الحسن والحسين كانا مع عثمان في الدار ، وكانا ممن أراد الدفاع عن عثمان بل والقتال معه .
فهل يُقال بعد ذلك : إن آل البيت هم الذين خَرَجوا على عثمان ؟
إن هذه مَنقصَة ومثلَبَة ، وليست مما يُمدَح به آل البيت .
إن الغدر ليس مِن شِيَم الرِّجال .
وإنما المظنون بآل البيت بل والمعروف عنهم الوفاء .
كيف لا ؟ وهم نسل النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته .
وأما قول الرافضي :
( فما هو سبب خروجها على إمام زمانها الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟ )
أقول : هي لم تَخرَج عليه ، بل خَرَجتْ رجاء أن يُصلح الله بها بين فئتين .
فقد أرسلت عائشة إلى عليّ تُعْلِمه أنها إنما جاءت للصُّلْح . كما في كُتب التواريخ .
وقد تقدّم أنها أثَنَتْ على عليّ رضي الله عنه ، وأثنى عليها .
كما أنها ندِمت في خروجها ذلك لِمَا كان فيه ، مع أنها لم تخرج أصلا إلاّ للإصلاح .
قالت عائشة لابن عمر : ما منعك أن تنهاني عن مَسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد استولى على أمرك ، وظننت أنك لن تخالفيه . يعني ابن الزبير قالت : أما أنك لو نَهيتني ما خَرَجْتُ .
ثم إن الذي أنشب الحرب هم أهل الفتنة ودُعاتها والذين تَسَتّروا بِحُبّ عليّ رضي الله عنه .
وهم الذين كانوا يُخالِفون عليا ، إن أمَرهم لم يأتَمِرُوا ، وإن نهاهم لم ينتهوا .
وهذا هو شأن أدعياء المحبة في كل زمان ومكان .
وهل ما قاله الصفّار مِن دعوى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه هو الذي قاد الثورة ضد عثمان رضي الله عنه ينطبق عليه قولك هنا في حق عائشة رضي الله عنها ؟
مع أننا نُبرئ عمار بن ياسر وعائشة من ذلك .
وأنتم تُثبتونه !
فأجيبوا عما أثبتموه في ضوء ما قررته من قولك : (الذي يستوجب الخروج عليه الموت على غير دين الإسلام وشق عصا المسلمين ؟) .
قال الرافضي :
السؤال السادس :
قال رسول الله (ص) في حق علي ما نصه :”من كنت مولاه فعلي مولاه” .
“علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي” .
“إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ” .
“علي مع الحق والحق مع علي ” .
“من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله” .
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التي تطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعلي مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيد أن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمن بعدي ؟
طالما أن هذا القول دليل محبة فقط ؟
الـردّ :
حديث : ” من كنت مولاه فعلي مولاه ” رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .
وحديث : ” عليًّا مِنّي وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي ” رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو صحيح .
وصحّ عند أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى . رواه البخاري ومسلم .
ويوضِّح هذا ويُبيِّنه ما جاء في سبب هذه الرواية ، وهو ما رواه البخاري ومسلم من طريق مصعب بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى تبوك واستخلف عليا ، فقال : أتُخَلّفني في الصبيان والنساء ؟ قال : ألا ترضى أن تكون مِنِّي بِمَنْزِلة هارون من موسى ؟ إلا أنه ليس نبي بعدي .
وموسى عليه الصلاة والسلام قد خَلَفه هارون عليه الصلاة والسلام عندما ذهب موسى لميقات ربِّـه .
ولم يَخلفه في النبوة ، لأنه مات قبله .
قال الإمام القرطبي :
لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرِد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما السلام ، وما كان خليفة بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : ” أنت مني بمنزلة هارون من موسى ” الخلافة ، لقال : أنت مِنّي بِمَنْزِلة يوشع من موسى ، فلما لم يَقُل هذا دل على أنه لم يُرِد هذا ، وإنما أراد أني استخلفتك على أهلي في حياتي وغيبوبتي عن أهلي كما كان هارون خليفة موسى على قومه لما خرج إلى مناجاة ربه . اهـ .
وقد أجاب أبو إسحاق المروزي رحمه الله بجواب على وجهين مُجْمَلَين :
أحدهما : أن هارون كان خليفة موسى في حياته ، ولم يكن عليّ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، وإذا جاز أن يتأخّر عليّ عن خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته على حسبما كان هارون خليفة موسى في حياته ؛ جاز أن يتأخّر بعد موته زمانا ، ويكون غيره مُقَدّما عليه ، ويكون معنى الحديث القصد إلى إثبات الخلافة له ، كما ثَبَتَت لهارون ، لا أنه استحق تعجيلها في الوقت الذي تَعَجّلها هارون من موسى عليه السلام .
والوجه الآخر : أن هذا الكلام إنما خرج من النبي عليه السلام في تفضيل عليّ ومعرفة حقه لا في الإمامة ، لأنه ليس كل مَن وَجب حَقّه وصَار مُفَضّلاًَ اسْتَحَقّ الإمامة ؛ لأن هارون مات قبل موسى بِزَمَان ، فاسْتَخْلَف موسى بعده يوشع بن نون ، فهَارُون إنما كان خليفة لموسى في حياته ، وقد عُلِم أن عَلِيًّا لم يكن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، ولم يكن هارون خليفة لموسى بعد موته ، فيكون ذلك دليلا على أن عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته . اهـ .
قال ابن عبد البر : كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين استخلفه على المدينة في وقت خروجه غازيا غزوة تبوك ، وهذا استخلاف منه في حياته ، وقد شَرَكه في مثل هذا الاستخلاف غيره ، مَن لا يَدّعي له أحد خِلافة ؛ جَمَاعة قد ذكرهم أهل السنة ، وليس في استخلافه حين قال له ذلك القول دليل على أنه خليفة بعد موته ، والله أعلم . اهـ .
وقال الإمام النووي في شرح هذا الحديث : فيه إثبات فضيلة لعلي ، ولا تعرّض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله ، وليس فيه دلالة لاستخلافه بعده ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ، ويؤيد هذا أن هارون الْمُشَبَّه به لم يكن خليفة بعد موسى ، بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص . قالوا : وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة . والله اعلم . اهـ .
ثم إن هذا مُنْتَقِض بِما كان مِن استخلافه عليه الصلاة والسلام لِغير واحد من الصحابة في غير غزوة ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف ابن أم مكتوم على المدينة إذا خَرَج النبي صلى الله عليه وسلم لبعض مغازيه .
فَلِم لا تقول الرافضة : إنه أحقّ بالخلافة ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استخلَفَه على المدينة أكثر من مرّة ؟!
وصح عند أهل السنة قول عليّ رضي الله عنه :
والذي فلق الحبة وبَرأ النَّسَمَة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يُحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يُبغضني إلاّ منافق . رواه مسلم .
أما حديث : ” إن هذا خليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ” فهو حديث موضوع مكذوب لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولو صح ما كان لأحد أن يُخالِفه ، وما كان لعليّ رضي الله عنه أن يسكت ، ولا يُنفِّذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحسبك منقصة لِعليّ أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَره بأمْر ولم يُنفِّذه .
سأل حفص بن قيس عبدَ الله بن الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المسح على الخفّين . فقال : امسَح ، فقد مَسَح عُمر بن الخطاب رضي الله عنه . قال : فقلت : إنما أسألك أنت تمسح ؟
قال : ذاك أعجز لك ! أُخبِرك عن عُمر وتَسألني عن رأيي . فَعُمَر كان خيرًا مِنِّي ومِن ملء الأرض . فقلت : يا أبا محمد ، فإن ناسا يَزعمون أن هذا منكم تقيّة !
قال : فقال لي – ونحن بين القَبر والمنبر – : اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية ، فلا تسمعنّ عَلَيَّ قول أحد بعدي . ثم قال : مَن هذا الذي يَزعم أن عليا رضي الله عنه كان مقهورا ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَرَه بأمر ولم يُنفذه ؟ وكفى بإزراء على عليٍّ ومَنقَصَة أن يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَره بأمرٍ ولم يُنفِذه .
وكذلك حديث : ” “علي مع الحق والحق مع علي ” .
وحديث : “من أطاع عليا فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله “
هذه لا تثبت ولا تصح عند أهل العلم ، وفيما صحّ في فضائل أبي الحسن غُنية وكفاية .
وسبق لي التفصيل في سيرة أبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه ، والتفصيل هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/146.htm
وقول الرافضي :
فإذا كانت كل هذه الأحاديث لا تدل على خلافة علي وأحقيته بالخلافة ، فما هي العبارات التي تطلبونها للدلالة على الخليفة بعد النبي ؟
الـردّ :
أقول لو كانت هذه الأحاديث – ما صحّ منها – تدلّ على خلافة عليّ وأحقّيته بالخلافة أكان يجوز لأبي الحسن رضي الله عنه وأرضاه مع شجاعته وإمامته في الدِّين – أكان يجوز له السكوت ؟
أكان يجوز له ترك تنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم ؟
إنكم حينما تطعنون في خلافة الخلفاء الثلاثة تطعنون في عليّ رضي الله عنه من حيث لا تشعرون
كيف ذلك ؟
تطعنون في عليّ رضي الله عنه أنه قصّر في تنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمّه ووالد زوجته وجدّ أولاده !
ومما يؤكِّد أنه عليه الصلاة والسلام لم يُوصِ وصية صريحة لأحد من آل بيته ما رواه البخاري مِن طريق عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خَرَج مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وَجَعه الذي تُوفِّي فيه ، فقال الناس : يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أصبح بحمد الله بارِئا . فأخذ بِيدِه عباس بن عبد المطلب فقال له : أنت والله بعد ثلاث عبد العصا ، وإني والله لأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يُتَوَفّى مِن وَجَعه هذا ، إني لأعرف وُجُوه بني عبد المطلب عند الموت . اذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر . إن كان فينا علمنا ذلك ، وإن كان في غيرنا عَلِمْنَاه فأوْصَى بنا . فقال عليّ : إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاها لا يُعْطِيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلو كان عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يَفْهَم مِن تلك النصوص أنه وصيّ النبي صلى الله عليه وسلم أكان يقول : إنا والله لئن سَألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاها لا يُعْطِيناها الناس بعده ، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وروى البخاري ومسلم من طريق إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال : ذَكَرُوا عند عائشة أن عَلِيًّا كان وَصِيًّا . فقالت : مَتى أَوْصَى إليه ؟ فقد كنت مُسْنِدَته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطّست ، فلقد انْخَنَث في حجري وما شَعرت أنه مات ، فمتى أَوْصَى إليه ؟
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم أوْصَى بالخلافة لِعليّ رضي الله عنه فلماذا اختلف علماء الرافضة قبل غيرهم في الوصية ؟
فعلماء الرافضة قد اختلفوا فيما بينهم : هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعليّ أو لم يُوصِ ؟
وسمعت مرّة رافضيا وقِحًا يقول : أخطأت يا رسول الله إذ لم تُوصِ .
قبّحه الله من خطيب وقبّحه الله مِن مَذهب يُخطّئ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا هو التناقض بِعينه !
ففريق يزعمون أنه أوصى لِعليّ وفريق يُخطِّئونه لأنه لم يُوصِ .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء لمن بُويع أوّلاً ، فقال : ستكون خلفاء فتكثر . قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : فُوا ببيعة الأول فالأول ، وأعطوهم حقهم ، فإن الله سائلهم عما استرعاهم . رواه البخاري ومسلم .
فالذي بُويع له أوّلاً هو أبو بكر رضي الله عنه ، وقد بايعه عليّ رضي الله عنه بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها .
فقول الرافضي :
وإذا كان قول النبي من كنت مولاه فعليّ مولاه دليل محبة فقط ، فالنبي حسب زعمكم كان يحب أبا بكر وعمر . فهل عندكم أحاديث تفيد أن النبي استخدم نفس الألفاظ معهما ؟
وهل قال لهما : إن أبا بكر وعمر وليا كل مؤمن بعدي ؟
فـ
الـردّ :
أما محبته صلى الله عليه وسلم لأبي بكر فظاهره ، وأبو بكر رضي الله عنه زكّاه الله تعالى ، وَزكّاه رسوله صلى الله عليه وسلم .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) .
والذي كان معه صلى الله عليه وسلم في الغار هو أبو بكر رضي الله عنه .
فمن خاطَرَ بنفسه وماله غير أبي بكر في الهجرة ؟
قالت أسماء : لَمّا خَرَج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَرَج أبو بكر معه احتمل أبو بكر ماله كله مَعه ، خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه . قالت : فدخل علينا جدي أبو قُحافة ، وقد ذَهب بَصَره ، فقال : والله إني لأراه قد فَجَعَكم بِمَالِه مع نَفْسه ! قالت : قلت : كلاّ يا أبت ، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرا . قالت : فأخذتُ أحجارًا فوضعتها في كُوّة في البيت كان أبي يَضع فيها مَاله ، ثم وَضَعْت عليها ثَوبا ، ثم أخذت بِيده فقلت : ضَع يدك يا أبتِ على هذا المال . فَوضَع يَده فقال : لا بأس إن كان تَرك لكم هذا ، فقد أحْسَن ، ففي هذا لكم بلاغ . قالت : ولا والله ما ترك لنا شيئا ، ولكني أردت أن أسكن الشيخ بذلك . رواه ابن إسحاق في السيرة ، وأورده أصحاب التواريخ ، وقال د . الصلابي : وإسناده صحيح .
وقوله تعالى : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )
فإنه جاء في تفسير هذه الآية : والذي جاء بالصدق : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصدّق به : أبو بكر رضي الله عنه .
وأما الأحاديث التي تدل على محبته صلى الله عليه وسلم وتزكيته للخلفاء الراشدين ، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم :
عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم والأمور المحدثات ، فإن كل بدعة ضلالة . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم .
وقوله صلى الله عليه وسلم في حق الشيخين : اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر . رواه الإمام أحمد والترمذي ، وهو حديث صحيح .
بل هناك ما هو أصرح في النصّ على خلافة الصدّيق رضي الله عنه ، فمن ذلك :
روى البخاري ومسلم من طريق عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه . قالت : أرأيت إن جئت ولم أجدك – كأنها تقول الموت – قال صلى الله عليه وسلم : إن لم تجديني فأتي أبا بكر .
وقال صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي . رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، ورواه مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
فهذا صريح في إثبات الأخوّة والصُّحبة لأبي بكر رضي الله عنه ، فإنه صلى الله عليه وسلم قال عن أبي بكر : أخي وصاحبي .
ومن ذلك أيضا :
ما روه البخاري عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بِخِرْقَـة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
ومما فيه النص الصحيح الصريح على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى مُتَمَنٍّ ويقول قائل : أنا أولى . ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر .
قال ابن أبي العز الحنفي :
ولو كتب عهداً [ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ] لَكَتَبَه لأبي بكر ، بل قد أراد كتابته ثم تركه وقال : يأبى الله والمسلمون إلاّ أبا بكر . فكان هذا أبلغ مِن مُجَرّد العَهد ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دلّ المسلمين على استخلاف أبي بكر ، وأرشدهم إليه بأمور متعددة مِن أقواله وأفعاله ، وأخبر بِخلافته إخْبَار رَاضٍ بذلك حامِدٍ له ، وعَزَم على أن يكتب بذلك عهدا ثم عَلِم أن المسلمين يجتمعون عليه ، فَتَرَك الكِتَاب اكتفاء بذلك . اهـ .
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لَمّا مَرِض مرضه الذي مات فيه وحَضَرت الصلاة فأذن ، فقال : مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس ، فقيل له : إن أبا بكر رجل أسِيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يُصلي بالناس ، وأعاد فأعادوا له ، فأعاد الثالثة : مُرُوا أبا بكر فليصل بالناس ، فخرج أبو بكر فصلى ، فَوَجَد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفّـة فخرج يُهادَي بين رجلين ، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أُتِيَ به حتى جلس إلى جنبه . رواه البخاري ومسلم .
ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة لم يُقْتَل قتلاً ولم يَمُتْ فجأة ، مَرِض ليالي وأياما يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة ، وهو يَرى مَكاني فيقول : ائت أبا بكر فليُصَلِّ بالناس ، فلما قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَظَرتُ في أمري فإذا الصلاة عظم الإسلام وقِوَام الدين ، فرضينا لدنيانا مَن رَضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، بايَعنا أبا بكر . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى وابن عبد البر في التمهيد وابن عساكر في تاريخ دمشق .
وفي رواية : لقد أمَر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يُصَلّي بالناس وإني لَشَاهِد ما أنا بغائب ، ولا في مَرض ، فَرَضِينا لِدُنْيَانَا ما رَضِي به النبي صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
فنحن نرضى بمن رضي به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
– وسيأتي أن عليا رضي الله عنه بايَع أبا بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها –
ومما يدلّ على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أبا بكر الصديق رضي الله عنه في الحجة التي قبل حجة الوداع وأمّره عليها يؤذن في الناس : ألا لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان .
فَنَبَذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام ، فلم يحجّ عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم مُشرِك .
وفي رواية للبخاري : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى : لا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .
وفي رواية للبخاري عن حُميد بن عبد الرحمن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّـرَهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
وفي رواية له : قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ ، وَأَنْ لا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَلا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ .
وهذا كله يدلّ على أن عليا رضي الله عنه كان تحت إمرة أبي بكر في تلك الحجّة التي قَبْل حجّة الوداع . ولا يصح أن ” النبي صلى الله عليه و سلم بعث ببراءة مع أبي بكر ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يُبَلّغ هذا إلاّ رجل مِن أهلي ، فَدَعا عَلِيًّا فأعطاه إياه ” ؛ لأنه مِن رواية سِماك بن حرب ، وقد اخْتَلَط ، وما في الصحيحين أصحّ .
قال الحافظ ابن كثير في ” البداية والنهاية ” : وهذا ضعيف الإسناد ، ومَتْنُه فِيه نَكارَة .
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده ضعيف لِنَكَارة مَتْنِه ، وسماك بن حرب ليس بذاك القوي .
وفيما سبق أحاديث صحيحة صريحة في إثبات أخوة أبي بكر وصُحبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، بل وفي النصّ على خلافته ، وتقديمه في إمامة الناس في الصلاة على سائر الصحابة .
وعليّ رضي الله عنه أثبت خلافة أبي بكر بَقَولِه وفِعْلِه .
أما قوله فقد تقدّم قوله : فَرَضِينا لِدُنْيَانَا مَا رَضِي به النبي صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
وأما فِعله فـ :
عَدم مُنازعة أبي بكر في أمْر الخلافة .
وقبوله لأحكام أبي بكر رضي الله عنه ، ولو كان عليّ رضي الله عنه يَرى أن أبا بكر ليس هو الخليفة ، أو يَرى أنه غاصب لِحَقّ آل محمد – كما تقول الرافضة – لم يُمْضِ أحكامه .
ومن أظهر الأحكام التي أمضاها عليّ رضي الله عنه قَبَوله لِسَبي أبي بكر ، فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذ جارية مِن سَبي بني حنيفة في زمن أبي بكر رضي الله عنه ، فإن أم محمد بن الحنفية مِن سَبْي بني حنيفة ، ومحمد بن علي يُنسب إلى أمِّـه ، فيُقال : محمد بن الحنفية .
فلو كان عليا رضي الله عنه لا يَرى خلافة أبي بكر أكان يأخذ سبيّة مِن سَبايا حَرب سيّرها وأمَر بها الصدِّيق رضي الله عنه ؟
ولَمّا قَدِم خالد بن سعيد بن العاص بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بشهر وعليه جُبّة ديباج فَلَقِي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، فصاح عُمر بِمَن يَليه : مَزِّقُوا عليه جُبته ، أيَلبس الحرير ؟ فَمَزَّقوا جُبته . فقال خالد لِعليّ : يا أبا الحسن ، يا بني عبد مناف أغُلبتم عليها ؟ فقال عليّ رضي الله عنه : أمُغالبة ترى أم خلافة ؟ قال : لا يُغالب على هذا الأمْر أوْلى منكم يا بني عبد مناف . وقال عُمر لخالد : فضّ الله فاك ، والله لا يزال كاذِب يخوض فيما قُلْتَ ، ثم لا يضرّ إلاّ نفسه . ذَكَره ابن جرير الطبري في تاريخه وابن عساكر وابن كثير وغيرهم .
وفضائل أبي بكر شهد بها أئمة آل البيت رضي الله عنهم ، فمن ذلك :
ما أخرجه الدارقطني في الأفْراد مِن طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى قال : لا أحصي كم سمعت عليا يقول على المنبر : إن الله عز وجل سَمَّى أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صِدِّيقا . ذكره ابن حجر في الإصابة .
قال : وأخرج البغوي بِسَنَدٍ جَيِّد عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال : وَلِينا أبو بكر فَخَير خَليفة ؛ أرْحَم بِنا ، وأحْنَاهُ علينا .
وقول الإمام جعفر الصادق رحمه الله ورضي الله عنه : أوْلَدَني أبو بكر مرتين .
وسبب قوله : أولدني أبو بكر مرتين ، أن أمَّه هي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وجدته هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر .
فهو يَفتخر بهذه النسبة إلى جّـدِّه .. ثم يأتي مَن يدّعي اتِّباعه ويَلْعَن جـَدَّ إمـامـه .
وقول جعفر الصادق لِسَالم بن أبي حفصة وقد سأله عن أبي بكر وعمر ، فقال : يـا سَالم تولَّهُما ، وابْرَأ مِن عَدُوّهما ، فإنهما كانا إمامي هُدى ، ثم قال جعفر : يا سالم أيَسُبُّ الرجل جَــدّه ؟ أبو بكر جَدي ، لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة إن لم أكن أتَوَلاّهما ، وأبْرَأ مِن عدوهما .
وروى جعفر بن محمد – وهو جعفر الصادق – عن أبيه – وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين ، قال : جاء رجل إلى أبي – يعني علي بن الحسين ، المعروف والمشهور بِزين العابدين – فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال : عن الصديق تَسأل ؟ قال: وتُسَمِّيه الصِّديق ؟
قال : ثكلتك أمك ، قد سَمّاه صِدِّيقًا مَن هو خير مني ؛ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والأنصار ، فمن لم يُسَمِّـه صِدِّيقًا ، فلا صَدَّق الله قَوله ، اذهب فأحِبّ أبا بكر وعُمر وتَوَلّهما ، فما كان مِن أمـْرٍ فَفِي عُنُقِي .
ولَمّا قَدِم قَوم مِن العراق فجلسوا إلى زين العابدين ، فَذَكروا أبا بكر وعمر فَسَبّوهما ، ثم ابْتَـرَكُوا في عثمان ابْتِـرَاكًا ، شَتَمَهم زين العابدين .
وابتركوا : يعني وقعوا فيه وقوعا شديدا .
وما ذلك إلاّ لعلمهم بِمَكَانة وَزِيري رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبمكانةِ صاحبه في الغار ، ولذا لما جاء رجل فسأل زين العابدين : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر ثم قال : لمنْزِلتهما مِنه الساعة .
وهل يُصاحب الخيّر إلا الأخيار ؟
وهل يُنبتّ الخَطّيُّ إلاّ وَشِيجه *** وهل تَنبت إلاّ في مَنابتها الشجر
فإذا انتقص أحدٌ أبا بكر أو انتقص عمر – رضي الله عنهما – فإنه في الحقيقة منتقصٌ لمن اتّخذهما صديقين وصَاحبين .
ومُنتقِص لمن تولاّهما ولمن كان له بهما صِلة نَسَب وقَرابة .
فمن سبّ أبا بكر فقد سبّ الإمام جعفر الصادق وأسَاء إليه .
وإذا كان الصديق رضي الله عنه وعُمر غَصَبا آل محمد حقّهم – كما تزعم الرافضة – أكانوا يُناكِحونهم ، فيَتزوّجون منهم ويُزوّجونهم ؟
إن هذا غير مُتصوّر في وجود عداوة .
وهذا خلاف ما تزعمه الرافضة ، فإن الإمام عليّ زوّج عُمر ابنته أم كلثوم .
ومحمد بن علي بن الحسين بن علي – المعروف بـ (الباقر) تزوّج فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم .
وجدّة جعفر الصادق هي : أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم .
وعُمر رضي الله عنه تزوّج أم كلثوم بنت عليّ كما تقدّم .
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الزبير بن بكار قال في تَسمية ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأم كلثوم بنت عليّ خطبها عمر بن الخطاب إلى عليّ بن أبي طالب وقال : زوجني يا أبا الحسن ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري . فَزَوّجه إياها ، فَوَلَدت لِعُمَر زيدا ورقية . تزوج رُقية بنت عُمر إبراهيم بن نُعيم فَماتت عنده ، ولم يترك ولدا ، وقُتِلَ زيد بن عمر ، قَتَلَه خالد بن أسلم مولى آل عمر بن الخطاب خطأ ، ولم يترك ولدا ، ولم يَبْقَ لعمر بن الخطاب وَلَدٌ مِن أم كلثوم بنت علي .
والرافضة نتيجة بُغْضهم لِعُمَر يُنكرون هذه الرواية ، وهي ثابتة صحيحة .
فهذه أحاديث في إثبات محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر .
وهذه أحاديث في النص على خلافة أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه آثار عن بعض أئمة آل البيت في إثبات إمامة أبي بكر وعُمر .
وهذه المعقولات والمنقولات لمن كان له عقل ، ولمن كان له قلب .
قال سالم بن أبي الجعد : قلت لمحمد بن الحنفية لأي شيء قُدِّم أبو بكر حتى لا يُذكر فيهم غيره ؟ قال : لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم ، فلم يَزَل كذلك حتى قبضه الله .
ومحمد بن الحنفية هو محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن أبيه .
قال الرافضي :
السؤال السابع :
تبعا لمبدأ العقلانية يُفترض بأي فرقتان تتقاتلان أن تكون إحداهما على حق والأخرى على الباطل ، أو أن الاثنتين على الباطل؟ فطبقوا نفس السؤال على معارك الجمل وصفين .
الـردّ :
قوله : (يُفترض بأي فرقتان) يحتاج إلى تصحيح لغوي !
ونقول : تبعا لمبدأ العقلانية : ألا يُمكن أن يكون الفريقان على حقّ ؟
الجواب : بلى .
وقد أثبت الله وَصْف الإيمان للمُقْتَتِلِين ، فقال تبارك وتعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
أما أهل الجَمَل فتمّ الإصلاح بينهما كما تقدّم ، وأكْرَم عليٌّ رضي الله عنه أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولا يُظنّ بأبي الحسن غير ذلك .
وأما أهل صِفِّين فتم الاصطلاح على أمر التحكيم .
فلا نعلم أن فريقا بَغَى على الآخر .
وقد قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
فالله أثبت الإيمان لكلا الطائفتين ، فهل تستطيع أنت أن تنفي الإيمان عن إحدى الطائفتين ؟
وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن المختَلِفِين من المسلمين ، فقال : ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يُصْلِح به بين فئتين من المسلمين . رواه البخاري .
فكلا الطائفتين والفِئتين مِن المسلمين .
ولهذا كان أهل السنة لا يَخُوضُون في ما وَقع بين الصحابة ؛ لأن هذا مما يُوغِر الصّدور ، ولأننا قد نُهينا عن الخوض في ذلك ، وأُمِرنا بالسكوت إذا ذُكِر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام : إذا ذُكر أصحابي فأمْسِكُوا ، وإذا ذُكرت النجوم فأمسكوا ، وإذا ذُكر القَدَر فأمسكوا . رواه الطبراني في الكبير واللالكائي في الاعتقاد . وصححه الألباني .
ولا نَسُبّ أحدًا مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام حينما قال :
لا تسبوا أصحابي . لا تسبوا أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أدرك مُـدّ أحدهم ولا نَصِيفـه . رواه البخاري ومسلم .
ونحن نُثبت قوله عليه الصلاة والسلام لعمّار بن ياسر رضي الله عنه : ويح عَمّار تقتله الفئة الباغية . رواه البخاري ومسلم .
قال يعقوب بن شيبة : سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن هذا ، فقال : فيه غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وَكَرِه أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا .
قال الرافضي :
السؤال الثامن :
أن الخارجين على علي بن أبي طالب هم عندكم متأولين مجتهدين ولا يضرّ خروجهم عليه بدخولهم الجنة ؟
فهل ستطبقون نفس المعايير إذا ما خرج أحد ضد غير عليّ من الخلفاء ؟
لماذا سميتم من خرج على أبي بكر بأهل الردة ؟ مع أن الروايات الموجودة في البداية والنهاية وتاريخ الطبري تفيد بأن هؤلاء من أهل الإسلام .
الـردّ :
مَن خَرَج على أبي بكر لم يَخْرُج ضد الحاكم والخليفة ، وإنما هو ضد الإسلام كَكُلّ .
وبين الحالتين كما بين المشرق والمغرب !
فالذي يخرج على حاكم قد يكون مُتأوِّلاً ، والذي يرفض الإسلام أو بعض شعائره لا يُمكن اعتباره مُتأوِّلاً .
فالذين سُمُّوا بالمرتدِّين هم طوائف ، منهم مَن مَنَع أداء الزكاة ، ومنهم من ارتدّ عن الإسلام بموت النبي صلى الله عليه وسلم .
ولسنا نحن الذين سمّيناهم بذلك ، بل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم سمّوهم كذلك .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : لَمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدّت العرب ، قال عمر : يا أبا بكر كيف تُقَاتِل العرب ؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، ويُقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة . والله لو منعوني عناقا مما كانوا يعطون رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . قال عمر رضي الله عنه : فلما رأيت رأي أبي بكر قد شرح علمت أنه الحق . رواه النسائي بهذا اللفظ ، وأصله في الصحيحين .
أما الذين خَرَجوا على عثمان رضي الله عنه فلَم يُسَمَّوا مُرْتَدِّين ، وكذلك الذين خَرَجوا على عليّ رضي الله عنه .
لتعلم أن أهل السنة أهل إنصاف وعَدْل .
فالذين خَرَجوا على عثمان وقَتَلوا صَاحِب القرآن وصِهْر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنتيه ، هم دُعاة فِتْنة ، تَسَتَّرُوا بِحُجَج داحضة ، وكَتَبوا كُتُباً وزوّروها على ألسنة بعض الصحابة – كما تقدّم – يقودهم ابن سبأ اليهودي المتستّر بالرّفض !
والذين خَرجوا على عليّ رضي الله عنه سُمُّوا خَوارِج .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا بهؤلاء ، وبِعلاماتهم ، فمن ذلك :
ما رواه مسلم من طريق عبيد الله بن أبي رافع – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن الحرورية [ الخوارج ] لَمّا خَرَجَتْ على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قالوا : لا حُكم إلا لله ! قال عليّ : كلمة حَق أُريد بها باطل ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم – وأشار إلى حلقه – مِنْ أبغض خلق الله إليه ، منهم أسود إحدى يديه طُـبْـيُ شاة أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت – مرتين أو ثلاثا – ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه .
(طُـبْـيُ شاة ) ضرع شاة .
وبين الفريقين فَرْق كبير وبَون شاسِع ، وذلك أن الذي يرفض بعض شعائر الإسلام يُسمى مُرْتَدا.
والذي يَخْرُج على الحاكم لشُبهة أو لهوى يُسمى باغيا .
والتفريق بينهما جاء في القرآن .
فمن ذلك :
قوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
وقوله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ) الآية .
وقال في شأن الباغي : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
وقال في شأن الخصمين : ( قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ) .
وهذا يُبيِّن أصل التفريق ، فإن مَن بَغَى على غيره وَجَب الْحُكم بينهما أو الإصلاح بينهما .
فإن كان في حال قِتال وَجَب الإصلاح بينهما ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
فالطائفة التي تُقاتِل بعد الإصلاح ولا تَقْبَل به تُعتبر باغية ولا تُسمى مُرْتَدّة .
فهذا أصل التفريق بين اللفظين وبين الْحُكمَين .
فلو خَرَج خارج على أبي بكر لَقِيل في حقِّه باغٍ أو خارجي ، أما أن يَخرج عن الإسلام كله أو بعضه فهذا مُرْتد لا بَاغٍ .
قال الرافضي :
السؤال التاسع :
أن أهل السنة عندهم أربعة مصادر للتشريع .. القرآن السنة القياس والاجتهاد .. فهل أخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بني ساعدة ؟
الـردّ :
الاجتهاد مُختَلَف فيه ، وليس مِن الأدلة المتفق عليها ، وأما الأدلة المتفق عليها بين أهل السنة فهي :
القرآن ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .
وأما قول الرافضي :
فهل أُخذت تلك المصادر بعين الاعتبار من قبل المختلفين في سقيفة بني ساعدة ؟
فالجواب عنه : نعم أُخِذتْ بِعين الاعتبار ، والأدلة على ذلك :
أن القرآن فيه مَدح أبي بكر رضي الله عنه ، كما تقدّم ، فَتَمّ تقديمه لأجل ذلك .
والسنة فيها النصّ على خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، فَتمّ تقديمه . وقد سَبَقت أدلة السنة في النص على خلافة أبي بكر ، وعدم النص على خلافة غيره ، وبهذا نَطَقتْ كُتب الرافضة قبل كُتب السنة ، أعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنصّ على عليّ رضي الله عنه ، وقد تقدّمت الأدلة في ذلك .
والإجماع قد أُخِذ به في سقيفة بني ساعدة ، فإنهم بايَعوا أبا بكر بالإجماع بعد وُقوع الخلاف ، والإجماع مُنعقد على بَيعة أبي بكر ، بما في ذلك قبول عليّ رضي الله عنه كما تقدّم بِقَوله وفِعْله .
وأما القياس فإن الذي قاسَ في هذا الموضع هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قال :
فَرَضِينا لِدُنْيانا مَن رَضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لِدِينِنا .
فهذا قياس جَليّ .
فإن شأن الدِّين أعظم ، وقد قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة – التي هي عَمود الدِّين – ، والدُّنيا تأتي تَبَعًا للدِّين ، فقَدَّم الصحابة أبا بكر في أمور دنياهم ، وهي الخلافة .
فاجتمعت أدلة الكتاب والسنة والإجماع والقياس على خلافة أبي بكر رضي الله عنه .
وإمامة أبي بكر ثابتة بالنص – كما تقدّم – وهي لازِمـة للرافضة !
كيف ؟
جَلَسْتُ يوما في المسجد النبوي إلى جوار مُعمّم إيراني ! وكان يقرأ القرآن ، فسألته : ماذا تقرأ ؟
قال : هذا – وأشار إلى المصحف – مُستغرِبا السؤال ؟
قلت : نعم
قال : هذا كلام ربي .
قلت : وهل تؤمن به ؟!
قال : طبعا .
قلت له : مَن جَمَعَ هذا القرآن ؟
فسكت ، ثم قال : الصحابة .
قلت : بالتحديد مَنْ ؟
قال : أبو بكر .
قلت : ومن ؟
قال : وعثمان .
قلت : هذا يعني أن الخلفاء الثلاثة هم من جَمَع هذا القرآن .
قال : نعم
قلت : إذا يَلزمك أحد أمرين :
إما الاعتراف بإمامتهم ، وقبول هذا القرآن .
أو ردّ إمامتهم وَرَدّ القرآن .
قال – متمحِّلاً – : هذا ليس بِلازِم !
قلت : بلى ، وبينهما تلازم .
فلو جَمَع اليهود كتابا ، وقالوا لنا : هذا قرآن ، فهل نقبَـلـه ؟
قال : لا
قلت : ولو جاءك كتاب قيل : هذا مِن الخميني . هل تقبله ؟
قال : نعم
قلت : هذا التفريق يلزم منه أحد الأمرين .
وهذا لازم لكل رافضي
إما أن يَقبَل القرآن ويقول بإمامة من جَمَعوه .
وإما أن يَدّعي تحريف القرآن ، ويردّ إمامة من جَمَعوه .
فالمصاحف تُعرف إلى اليوم بالمصاحف العثمانية ، والرسم يُعرف بالرسم العثماني ، نسبة إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه .
قال الرافضي :
السؤال العاشر:
إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز عن وجود منافقين من أهل المدينة مَردوا على النفاق وإن الله يعلمهم .. في أي معسكر كان هؤلاء بعد وفاة النبي (ص) يوم انقسم المسلمين إلى حزبين حزب علي اللي رفض البيعة وأعوانه ، وحزب أبي بكر وعمر وأتباعهم ؟
ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟
الـردّ :
في هذا السؤال إساءة أدب في حق عليّ رضي الله عنه .
كيف ؟
يَزعم هذا الرافضي أن عليا رضي الله عنه لم يُبايع أبا بكر رضي الله عنه .
فهل خَرَج عليّ عن إجماع المسلمين ؟
وهل قَبِل عليّ رضي الله عنه أن يأخذ سَبِيّة مِن سَبايا بني حنيفة كما تقدّم ، ليُناقِض نفسه ؟
فالرافضة تزعم أن عليا رَفَض بيعة أبي بكر ، وعليّ قبِلها بقوله وفِعله .
والرافضة تُسيء إلى عليّ رضي الله عنه في قولها هذا .
كيف يُنسب هذا إلى عليّ ؟
هل يُتصوّر أن يعيش عليّ على هامش الحياة ؟
ولا يأخذ بِحقِّه ومعه أتباع – كما يَزعم هذا المتسائل – بقوله : (حزب علي اللي رفض البيعة وأعوانه) .
أيرضى الأسد الضرغام والشجاع الصنديد بمثل هذا الموقف ؟
لو كان من أطراف الناس ، أو ممن لا يُؤبَـه له ، لربما قِيل ذلك في حقِّـه .
أما في حقّ أبي الحسن فهذا القول مَنْقَصَة في حقِّـه .
ومثل هذا الزعم والْمَنْقَصَة زعم الرافضة أن عُمر رضي الله عنه كَسَر أضلاع فاطمة رضي الله عنها !
فأين أبا الحسن رضي الله عنه ليأخذ بثأره وحقِّـه ؟
إن ضعفاء الناس لا يَرضون بهذا فكيف يَرضى به عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ؟
وكيف يُتصوّر أن عمر رضي الله عنه الذي تزوّج أم كلثوم بنت عليّ ثم يكسر أضلاع أمِّها ؟
هذا غير مُتصوّر على الإطلاق .
وأما شُبهة الرافضي هذه ، وهي ما أخبر الله عنه من شأن المنافقين في قوله تبارك وتعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) .
فالجواب في نفس الآية .
كيف ؟
لقد قال الله تعالى لِنبيِّـه صلى الله عليه وسلم : ( لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ، فَمَا علِم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إلاّ القليل .
ولذا كانت أسماء المنافقين تَخْفَى على الصحابة رضي الله عنهم ، ومَن عُلِم منهم ، فقد مات ، كعبد الله بن أُبي ، فإنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومَن عَلِمه النبي صلى الله عليه وسلم فقد أعْلَم به أمين سِرِّه : حُذيفة رضي الله عنه ، ولذا كان عمر رضي الله عنه يسأله : هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم . فيقول : لا ، ولا أُزكّي أحدا بعدك .
وقد أخفى الله أسماء المنافقين لِحِكم عديدة ، منها :
أنه أدعى للتوبة من النِّفاق ، وقد تاب بعض المنافقين .
أن الله يَبتلي المؤمنين بالمنافقين .
أن المنافق يُعامَل في الدنيا مُعامَلة المؤمن .
فالمنافقون ما كانوا يَسْتَعلِنون بالنِّفاق على رؤوس الأشهاد ، ولذا لَمّا سُئل حذيفة رضي الله عنه : يا أبا عبد الله النفاق اليوم أكثر أم على عهد رسول الله ؟ فَضَرَب بيده على جبهته وقال : أوّه ! وهو اليوم ظاهر ! إنهم كانوا يَسْتَخفونه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وَلَمّا قال رجل : اللهم أهلك المنافقين . قال حذيفة : لو هَلَكُوا ما انْتَصَفْتُم مِن عدوكم !
ولما قيل للحَسن البصري : يا أبا سعيد اليوم نِفَاق ؟ قال : لو خَرجوا مِن أزقة البصرة لاسْتَوحَشْتُم فيها !
وهذا يدل على استخفاء المنافقين .
فهذا السؤال الذي أورده ليس في محلّه .
وليس في هذا السؤال سوى سوء الأدب مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وأما قوله : ( ومن بايع هؤلاء المنافقين ؟ )
فلم يُبايِع أحدٌ من الناس أحدًا مِن المنافقين !
وهو يَقصد ومَن بايَع هؤلاء المنافقون !
قال الرافضي :
السؤال الحادي عشر:
أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز أن من يقتل مسلما مؤمنا فنصيبه جهنم ، وأنه ملعون ، ومع ذلك فالتاريخ يخبرنا أن 70800 مسلم قتل في معارك الجمل وصفين ؟ فما هو مصير القتلة هنا ؟
الـردّ :
وهذا سوء أدب آخر مع عليّ رضي الله عنه ، فإن علياً رضي الله عنه ممن قاتَل في تلك المعارِك .
فالواجب التّرضّي عن الصحابة وعدم الخوض فيما شَجَر بينهم ، وقد تقدّم سبب ذلك والتفصيل فيه .
وقد رأيت الرافضي في هذه الاعتراضات يُورِد الآيات بالمعنى ، وهذا لا يجوز ، وهو خلاف التأدّب مع الله .
وأبسط رَدّ على هذا السؤال الذي أورده :
أن الله أثبت الإيمان للقاتِل والمقتول ، فقال : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) فأثبَت الإيمان للطائفتين .
وأبته النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : يضحك الله إلى رَجُلَين يَقْتُل أحدهما الآخر يَدْخُلان الجنة ، يَقاتِل هذا في سَبيل الله فيُقْتَل ، ثم يَتوب الله على القَاتِل ، فيُسْلِم فيُقاتِل في سبيل الله عز وجل ، فيُستشهد . رواه البخاري ومسلم
وأما آية النساء : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) فهي على سبيل التهديد والزّجر ، ألا ترى أنه إذا جاءك شخص يُريد أن يَقتُل آخرا أنك تزجره وتُهدِّده ، وتقول له : إن الله تَوعّد القاتِل بالنار والغضب واللعنة .
وفي آية النساء ذِكر الجزاء ، وليس من شرط الجزاء أن يَقع ، ولا من شرط العقوبة الإيقاع .
فإن الله يغفر لمن يشاء ما دون الشِّرك ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) .
ونحن نعتقد أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم اجتهدوا في هذا الأمر ، فَمَن أصاب فَلَه أجران ، ومَن أخطأ فَلَه أجر ، ومَن وَقع في أعراضهم فَعَليه وِزر .
كما أننا لا نعتقد العصمة في الصحابة ولا في العلماء كما تدّعيه الرافضة في الأئمة ، بل يَزعمون أن الأئمة يعلمون الغيب ، وأنهم يَعلمون متى يموتون !
ففي الكافي ( 1/ 258 ) بَابُ أَنَّ الأَئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ ، وَأَنَّهُمْ لا يَمُوتُونَ إِلا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ
ثم روى الكليني بإسناده عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) : أَيُّ إِمَامٍ لا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَ إِلَى مَا يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ !
ثم عقد الكليني باباً في كتابه الكافي ( 1 / 260 ) الذي هو أصح كتب الرافضة فقال :
بَابُ أَنَّ الأئِمَّةَ ( عليهم السلام ) يَعْلَمُونَ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ وَ أَنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيْهِمُ الشَّيْءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ !
إذا كان هذا في حق الأئمة في اعتقاد الرافضة ، فماذا بقي في عِلم الله ؟!
وأي غيب أثبت الله أنه لا يَعلمه إلا هو ؟
أليس الله هو القائل عن نفسه : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) ؟
وهو القائل : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) .
فهل الغيب الذي لا يَعْلَمه إلاّ الله ، والذي اختصّ بِعِلمه سبحانه وتعالى ، هو الذي يَعلمه الأئمة ؟
وهل الغيب الذي لا يُظهر عليه أحدا إلاّ مَن ارتضى مِن الرُّسُل ، فعلّمهم ما يَحتاج إليه الناس ، ليس محجوبا عن الأئمة ؟!
إن الأئمة لم يَدّعوا ذلك لأنفسهم ، وإنما ادّعاه من انتسب إليهم – زورا وبهتانا – .
والله المستعان .
قال الرافضي :
السؤال الثاني عشر :
من بين ال 124000 نبي المرسلين من الله لهداية البشر .. هل هناك أي دليل يثبت أن ما تركه هؤلاء الأنبياء ذهب صدقة ؟
ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟
وإذا كانت نساء النبي من أهل البيت كما يقول السنة فالصدقة عليهم حرام !
الـردّ :
أولاً : هذا العدد ما مَصدره ؟ وما صحة القول به ؟!
ثانياً : هل هناك دليل على أن ما تَرَكه هؤلاء الأنبياء أُعطِيَ لورثتهم ؟
فعلى سبيل المثال : سليمان عليه الصلاة والسلام له أكثر من مائة زوجة .. فأين هو الدليل على أن ما تَرَكه سليمان عليه الصلاة والسلام قُسِم على وَرَثته ومِن بينهم زَوجاته ؟
وقول الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) فإن سليمان وَرِث العِلم والحِكمة والنبوّة .
فإن قلتَ : وَرِثَ كل شيء .
قلنا لك : أين الدليل على ذلك ؟
ثم إن كان كما قلت : فأين بقية ورَثة داود عليه الصلاة والسلام ؟
وفي ” الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين ” للسيد عبد الله شُبّر ( مُفَسِّر رافضي ) أن أبناء داود تِسعة عشر .
وهذا التفسير مِن التفاسير المعتمدة لدى الرافضة .
فهل يُمكن أن يرِث سليمان دُون بَقية أبناء دَاود ؟
فإن قُلتم : لا .
قلنا : هذا هو الحق ، وهو مُتّفق عليه ، من أن الأنبياء لا يُورَثُون .
وإن قُلتم : نَعم .
فأنتم محجوجون باحتجاجكم !
فأنتم تزعمون أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ورِثنه دون ابنته !
أما نحن فنعتقد أن ما تركه الأنبياء لا يُورَث لقوله عليه الصلاة والسلام : لا نُورَث ما تَرَكْنَا فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن كثير : قال الله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) ، أي : وَرِثَه في النبوة والملك ، وليس المراد وَرِثَه في المال ، لأنه قد كان له بَنون غيره ، فما كان لِيُخَصّ بالْمَال دُونهم ، ولأنه قد ثبت في الصحاح مِن غير وجه عن جماعة مِن الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نُورَث ، ما تَركنا فهو صَدقة . وفي لفظ : نحن معاشر الأنبياء لا نُورَث . فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تُورَث أموالهم عنهم كما يُورَث غيرهم ، بل يكون أموالهم صدقة مِن بعدهم على الفقراء والمحاويج ، لا يَخُصُّون بها أقرباؤهم ؛ لأن الدنيا كانت أهون عليهم وأحقر عندهم مِن ذلك ، كما هي عند الذي أرْسَلَهم واصطفاهم وفَضّلَهم . اهـ .
فأتوا بخبر واحد يُفيد أن نَبِيًّا مِن الأنبياء وَرِثه ورثتُه كما يَتوارث الناس .
وقول الرافضي : (ولماذا استأثر بعض نساء النبي بإرث النبي كالبيت مثلا ؟ )
فالجواب عنه :
أن عائشة رضي الله عنها لم تَستأثر بِشيء مِن إرثه صلى الله عليه وسلم .
فإن الرافضة يقولون : لِمَاذا بَقِيت عائشة في بيتها ؟ فهم يَزعمون بذلك أنها ورثته !
وهذا ليس بصحيح من وجهين :
الوجه الأول : أن عائشة ما كانت تَتَصَرّف في حُجرتها ، وما كان لها ذلك ، وقد دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهل يُمكن أن تتصرفّ في حُجرة دُفِن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وهل يُمكن أن تُوهَب تلك الحجرة ؟
هذا ليس بِمُتَصَوّر عَقْلاً .
الوجه الثاني : أن بقاء عائشة رضي الله عنها في حُجرتها لا يعني أنها مَلكتها ولا أنها وَرِثتها ، وإنما أُقِرّتْ عليها وعلى البقاء فيها إلى أجل ، ثم خَرَجَت منها لَمّا دُفِن فيها عمر رضي الله عنه .
وهذا يؤكِّد على قوله عليه الصلاة والسلام : ما تَرَكْنَا فهو صدقة .
فعائشة رضي الله عنها كسائر الناس في ذلك ، بل هي أولى الناس أن يُقَرّ في تلك الحجرة .
ولذا فإن عمر رضي الله عنه استأذن عائشة رضي الله عنها أن يُدفَن في تلك الحجرة ، لا لأنها تملكها ، وإنما تأدُّبًا مع أم المؤمنين رضي الله عنها .
ثم هي حجرة صغيرة ، كانت إذا نامَت فيها لم يَبْق للنبي صلى الله عليه وسلم مُتّسَعا للسجود .
فلو كانت عائشة رضي الله عنها أُعطِيتْ نَصيبها مِن ميراث النبي صلى الله عليه وسلم هل كانت تُعْطَى حُجرة دُفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بل لو كان ميراث النبي صلى الله عليه وسلم قُسِم على زوجاته – كما يزعم الرافضي – لَمَا رضيَتْ بتلك الحجرة الصغيرة ، ومما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم أرض فَدَك .
فهل صح عند أهل السنة أو عند الرافضة أن أبا بكر أو عمر قَسَمَا فَدَك بين زوجاته صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب : لا
والدليل على ذلك ما رواه البخاري من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَدْن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن ، فقالت عائشة : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا نورث ما تركنا صدقـة ؟
وإنما يتشبّث الرافضة بالقشّـة !
وهي زعمهم أن عائشة أُقِرّت في حُجرتها فهذا يعني أنها وَرِثتها !
وهذا خلاف الحقيقة .
ولا يَجوز أن تُوَرَّث عائشة ولا غيرها حُجرة دُفِن فيها النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم يُورِدون استئذان عُمر أن يُدفَن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع صاحبه ، وهذا هو الآخر ليس فيه مُسْتَمْسَك ، فإن عمر رضي الله عنه تأدّب مع أمِّـه فاستأذنها .
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال : لا يَقْتَسِم وَرَثَتي دِينارًا ، ما تَرَكْتُ بعد نَفَقة نِسائي ومئونة عامِلي ، فهو صدقة . رواه البخاري ومسلم .
فهذا صريح في استثناء نفقة نسائه ومئونة عامله ، وهو ليس من الميراث الذي يُقْسم قِسمة الميراث ، بل هو صَدقة مِن الصدقات .
وقول الرافضي : (وإذا كانت نساء النبي من أهل البيت كما يقول السنة فالصدقة عليهم حرام )
فالجواب عنه :
أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم مِن آل بيته ، ومِن أهله بنصّ القرآن .
فإن الله قال عن نوح : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) .
وقال في شأن زوجة إبراهيم : ( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ) .
وقال عن لوط : ( إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) .
وقال في شأن زوجات نبيِّنا صلى الله عليه وسلم : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) .
فالخِطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن .
ونحن نُصَلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وعلى زوجاته .
روى البخاري ومسلم من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
فإن ذُكِر آل البيت وحدهم دَخَل فيهم زوجاته صلى الله عليه وسلم .
والصيغة المشهورة :
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد . رواه البخاري ومسلم .
وأما حديث الكِساء فقد رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مُرْط مُرَحّل مِن شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء عليّ فأدخله ، ثم قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) .
فهذا الحديث ليس فيه حصر آل البيت في هؤلاء ، فإن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ، وهن من أهل بيته ، والآيات السابقة صريحة في ذلك .
والصلاة الإبراهيمية صريحة أيضا ، كما تقدّم في الرواية .
ثم إن آية ألأحزاب تَرُدّ ذلك الفَهْم المقتضي حَصْر آل البيت بِمن دَخَل تحت الكساء ، فإن الله عَزّ وَجلّ قال : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ثم قال بعد ذلك مباشرة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) ثم أعقبه بقوله : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) .
فالحديث قبل وبعد عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن .
فهذا يَرُدّ مفهوم حصْر آل البيت بِحديث الكساء .
وأما الصدقة فإنها تَحرم على بني هاشم وبني المطّلب فحسب – على الصحيح – .
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى بني هاشم وبني المطّلب ، ومَنَع بني عبد شمس وبني نوفل .
روى البخاري من طريق جبير بن مطعم قال : مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ، ونحن وهم منك بِمَنْزِلة واحدة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد .
فهؤلاء هم الذين تَحرم عليهم الصدقة .
وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف .
وعثمان بن عفان بن أبي العاص بن عبد شمس بن عبد مناف .
فأولاد عبد مناف بن قصي أربعة :
هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل .
فهؤلاء الأربعة يلتقون في عبد مناف ، ومع ذلك لا تَحرم الصدقة إلا على بني هاشم وبني عبد المطّلب .
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
الصحيح أن المراد بذي القربى في الآية بنو هاشم وبنو المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل .
ووجهه أن بني عبد شمس وبني نوفل عادوا الهاشميين وظاهروا عليهم قريشا فَصَارُوا كالأبَاعِد منهم للعداوة وعدم النصرة . اهـ .
فتحريم الصدقة شيء ، وكَون زوجاته مِن أهل بَيته شيء آخر .
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم مَنَع بني عبد شمس وبني نوفل من سهم ذوي القُربى ؟ مع كونهم أبناء رَجُل واحِد .
وأما مسألة مِيراثه صلى الله عليه وسلم التي يُدندن حولها الرافضة ، وما يتعلّق بأرض فَدَك ، وقوله عليه الصلاة والسلام : لا نُورَث ما تَرَكْنَا فهو صدقة .
فالجواب عنها من وجوه :
الوجه الأول : أن الأنبياء لا يُورَثون ، ومَن قال بِخلاف ذلك فعليه الدليل ، ولا دليل .
الوجه الثاني : أن آل البيت شهِدوا بصحة حديث : لا نُورَث ، ما تَركنا صدقة .
بل شهد به عليّ بن أبي طالب نفسه .
روى الإمام البخاري في صحيحه أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفَدَك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نُورَث . ما تَركنا فهو صدقة . إنما يأكل آل محمد مِن هذا المال – يعني مال الله – ليس لهم أن يَزيدوا على المأكل . وإني والله لا أغير شيئا مِن صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأعمَلَنّ فيها بما عَمِل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتشهد عليّ رضي الله عنه ثم قال : إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذَكَرَ قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم . فتكلم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إلي أن أصِلَ من قرابتي .
فأين هذا ممن زعم الظلم لبنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
أكان عليّ رضي الله عنه قال ذلك تقيّـة ؟
أو كان عليّ رضي الله عنه ضعيفاً لا يأخذ حقّـه ؟
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن عمر رضي الله عنه كان في مجلسه فاستأذن عليه عباس وعليّ رضي الله عنهما ، فأذن لهما فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين ، فاقض بينهم وأرِحهم .
فقال عمر : اتئِدا . أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم .
ثم أقبل على العباس وعليّ فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ؟
قالا : نعم .
فقال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره . قال : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) .
وفي رواية للبخاري أن عُمر قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، فَتَوَفَّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : أنا وَلِيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها فَعَمِلَ بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تَوفى الله أبا بكر ، فقلت : أنا ولي وليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلِمتكما واحدة وأمركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها . فقلتُ : إن شئتما دفعتها إليكما بذلك . فتلتمسان مني قضاء غير ذلك ؟ فو الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عَجِزتما فادْفَعاها إليّ فأنا أكْفِيكُمَاها .
فهذا عُمر رضي الله عنه يقول للعباس وعليّ رضي الله عنهما : إن شئتما دَفَعتها إليكما .
فلماذا لم يَقبضاها ؟ ثم يَقْسِمَانها على وَرَثة النبي صلى الله عليه وسلم كما تَزعم الرافضة ؟!
بل جاء في رواية لمسلم صريحة في أن عمر رضي الله عنه دَفَع بعض ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عليّ والعباس رضي الله عنهما .
ففي صحيح البخاري ومسلم : فأما صدقته بالمدينة فَدَفَعَها عمر إلى عليّ وعباس ، فغلبه عليها عليّ ، وأما خيبر وفَدَك فأمْسَكَهما عمر .
فهذه الرواية الصحيحة تُثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دَفَع صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت بالمدينة إلى عليّ والعباس .
فأين هو الدليل أن علياً رضي الله عنه أعطى فاطمة نصيبها من ميراث أبيها ؟
فمن طَعَن في أبي بكر وعُمر بشأن ميراث فاطمة فيَلزمه أن يَطعن في عليّ لأنه عمِل كَمَا عَمِلا !
ومن طريف ما يُروى في هذا المقام ، وإلزام الرافضة بمثل هذا اللزوم ، ما رواه ثعلب عن ابن الأعرابي قال : أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها العباسية ، فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قام رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال : أذكّرك الله الذي ذَكَرْتَه ألا أنصفتني من خصمي ، وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف .
فقال له : ومَن ظَلَمَك ؟
قال : أبو بكر الذي مَنَعَ فاطمة فَدَكاً .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : مَنْ ؟
قال : عمر .
قال : فأقام على ظلمكم ؟
قال : نعم .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : مَنْ ؟
قال : عثمان .
قال : وأقام على ظلمكم ؟
قال : نعم .
قال : وهل كان بعده أحد ؟
قال : نعم .
قال : ومَنْ هو ؟
قال : عليّ .
قال : وأقام على ظلمكم ؟
قال : فأسكت الرجل ! وجَعَل يلتفت إلى ورائه .
فأثْبِتُوا لنا أن عَلِيًّا رضي الله عنه قَسَم ميراث النبي صلى الله عليه وسلم سواء فيما تولاّه زَمن عمر ، أو في زمان خلافته هو رضي الله عنه .
وأين إثبات ذلك ؟
فهل أعطى ورثة فاطمة حقّهم من فَدَك وسهم النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر ؟
فإن لم تأتوا به – وهو الحق – فلا أقل مِن مُعاملة أبي بكر وعمر كَمُعَامَلة عليّ رضي الله عنهم أجمعين .
ثم إن الرافضة تزعم أن أبا بكر وعمر ظَلَمَا فاطمة ميراثها .
وها هو العباس رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وها هو عليّ رضي الله عنه زوج ابنته يُقرّان بقول النبي صلى الله عليه وسلم ويتذكّرانه يوم ذكّرهما به عُمر رضي الله عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم :
” لا نورث ما تركناه صدقة ” .
فيلزم من تكذيبنا لهذا الخبر لانفراد أبي بكر به – كما يَزعم بعضهم – أن نُكذّب العباس وعليّ رضي الله عنهما ، لأنهما وافقا أبا بكر عليه ، وشهدا بِصحّة قول عمر .
وهما يشهدان عليه شهادة بعد أن نشدهما عمر رضي الله عنه فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتَعْلَمَان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نُورَث ما تركناه صدقة ؟
فهل شهدا على كذب وزور ؟؟ سبحانك هذا بهتان عظيم .
وعند أبي داود أن العباس وعلي دخلا على عمر وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد وهما يختصمان فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد : ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل مال النبي صلى الله عليه وسلم صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم إنا لا نورث ؟ قالوا : بلى .
يعني كل هؤلاء شهدوا على صدق عمر رضي الله عنه وعلى صدق أبي بكر رضي الله عنه ثم تأتي الرافضة لتّكّذّب الأخيار الأبرار !!!
والحديث لم ينفرد به أبو بكر رضي الله عنه بل رواه عمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين .
الوجه الثالث : أن الله خصّ نبيّه بشيء لم يخصّ به غيره ، وهو الفـيء ، وهو الغنائم التي أُخِذت من غير قِتال .
وخصّ بني هاشم وبني المطّلب بسهم ذوي القربى ، فلا تحلّ لهم الصدقة – كما تقدّم – .
الوجه الرابع : هل ردّ عليّ رضي الله عنه هذا الميراث لورثته حينما تولّى الخلافة ؟!
الجواب : لا .
إذا يُقال في حق عليّ رضي الله عنه ما يُقال في حق أبي بكر وعُمر إذ لم يُعطيا فاطمة حقها من ميراث أبيها.
قد يقول قائل : فاطمة قد ماتت آنذاك .
والجواب : أن فاطمة رضي الله عنها وإن ماتت ، إلا أنه إذا كان لها حق في ميراث أبيها ، فهو لورثتها من بعدها .
فلماذا لم يَقسمه عليّ رضي الله عنه حينما تولّى الخلافة وصار الأمر له ؟!
بل لماذا لم يَقسِمه وقد وُكِل إليه ؟
وقد تقدم هذا .
الوجه الخامس : إذا كان رسول الله يُؤيِّد بالوحي – وهو كذلك – فلماذا لم يَقسِم أرض فدَك وسهمه في خيبر على ورثته ؟
فإن قيل : النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ما يكون بعده .
فيُقال : فالله يعلم ما كان وما يكون ، ولم يأمر نبيّـه صلى الله عليه وسلم بأن يَقسم ميراثه قبل موته لئلا تُظلَم ابنته .
وهل يُتصوّر أن الله أقرّ نبيّه على ظلم ابنته ؟!
أما في ظل عقيدة ( البداء ) التي يَعتقدها الرافضة والمستمدّة من عقائد اليهود التي تَنْسِب الجهل إلى الله فقد يجوز مثل هذا !
هذا إذا قلنا إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَعلم ما يكون بعده على معتقد أهل السنة والجماعة ، أما على اعتقاد الرافضة من الأئمة يعلمون الغيب – كما تقدّم – فيلزم على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يَعلم الغيب عند الرافضة ! ويلزم من هذا أن يكون علِم ما سيكون بعده في شأن ابنته ، ولم يُنصِفها .
أقول هذا من باب إلزام الرافضة ، وإلا فإن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يَعلم الغيب إلا الله
وليُعلم أن أهل السنة هم أعفّ الناس ألسنة ، وهم أكثر الناس تأدّبا مع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا ينسبونه إلى الخطأ ، ولا إلى الجهل ، ولا إلى الظلم ، كما هو لازم دِين الرافضة وعقيدتهم وأقوالهم !
الوجه السادس : أن فاطمة رضي الله عنها ليست كَبَقِيّة النساء .
كيف ؟
سألني مرّة بعض الرافضة : لماذا كل بنت تَرِث مِن أبيها إلاّ فاطمة ؟
فأجبت : لأن كل بنت تَرِث مِن أبيها ليست بنت نبي غير فاطمة !
ولأن فاطمة هي بنت سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، فليست مثل سائر النساء ، ولا كَبقيّة البنات
وثمّة شُبهة يتمسّك بها الرافضة ، وهي قولهم : إن أبا بكر أنفذ وَعْد النبي صلى الله عليه وسلم لِجابر رضي الله عنه ، ولم يُورّث فاطمة مِن ميراث أبيها .
والجواب عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم وَعَد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، فقال : لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا ، فلم يجئ مال البحرين حتى قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مُنادياً فنادى : من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتنا . قال جابر : فأتيته فقلت : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا ، فحثى لي حثية فعددتها فإذا هي خمسمائة ، فقال : خُذ مثليها . رواه البخاري ومسلم .
فهذا من وفاء أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يُنفذ مُجرّد الوعد ، وهذا من حسنات أبي بكر ، والرافضة تَعُدّه مِن مَساوئه !
والرافضة تقول : لماذا صدّق أبو بكر جابر فيما قال ، ولم يُصدق فاطمة رضي الله عنها ؟
والجواب :
أن جابر بن عبد الله يُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَعَدَه ، ومن وفاء أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنفذ وعده لجابر رضي الله عنه .
وأما فاطمة فإنها لم تقل وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل تُطالب بحقها من ميراث أبيها حيث فهمت أن لها الحق في ميراث أبيها ، فهي رضي الله عنها ما قالت : وعدني أبي صلى الله عليه وسلم .
فأبو بكر رضي الله عنه لم يُكذّب الزهراء رضي الله عنها ، وإنما أفهمها أن ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم صَدَقـة بنصّ قولِه عليه الصلاة والسلام .
ويدل عليه ما رواه الترمذي عن فاطمة أنها جاءت إلى أبي بكر فقالت : من يرثك ؟ قال : أهلي وولدي . قالت : فما لي لا أرث أبي ؟ فقال أبو بكر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نُورَث . ولكني أَعُول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله ، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفِق عليه .
وثمّـة شُبهة يتشبّث بها الرافضة في هذا السياق ، وهي :
أن النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بَضْعَة مني فمن أغضبها أغضبني . رواه البخاري .
تقول الرافضة : إن أبا بكر أغضب فاطمة رضي الله عنها ، فهو داخل في هذا الحديث .
وليس الأمر كما زعموا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه عمِل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما سيأتي ، وعمِل بما اتفق عليه الخلفاء من بعده ووافقوه عليه بما في ذلك عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فهل يُقال : إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة بهذا ؟
والجواب عن ذلك من وُجوه :
الأول : سبب وُورد الحديث ، وهو خِطبة عليّ رضي الله عنه ابنة أبي جهل .
وذلك أن ن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : إن قومك يتحدثون إنك لا تغضب لبناتك ! وهذا عليّ ناكحا ابنة أبي جهل . قال المسور : فقام النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد ثم قال : أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني فصدقني ، وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني ، وإنما أكره أن يفتنوها ، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا . قال : فَتَرَكَ عليّ الخطبة . رواه البخاري ومسلم .
الثاني : أن أبا بكر عمِل بما عمِل به الخلفاء من بعدِه ، وهذا يعني أنه على الحق ، فالغضب الذي يُغضب فاطمة والذي يَغضب له النبي صلى الله عليه وسلم ما كان في حقّ ، أي ما كانت فيه مُحقّـة .
ونحن لا ندّعي العِصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفاطمة سيدة نساء العالمين ، وهي من بنات آدم تغضب كما يَغضبون .
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك عن نفسه ، فقال : اللهم إنما أنا بشر ، فأيّ المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا . رواه مسلم .
الثالث : أن عليا رضي الله عنه أغضَب فاطمة مرّة ، فهل يُمكن أن يُقال إن علياً رضي الله عنه أغضب فاطمة فغضبت عليه ، أو غاضبها ثم خَرَج من عندها ، أنه بفعله ذلك أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت ، فقال : أين ابن عمك ؟ قالت : كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني ، فخرج فلم يَقل عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان : انظر أين هو . فجاء فقال : يا رسول الله هو في المسجد راقد . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُضْطَجِع قد سَقَط رِدَاؤه عن شِقِّه وأصابه تُراب ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول : قُم أبا تراب ، قَم أبا تراب .
فلو كان هذا الإغضاب من عليّ سبب في غضب النبي ما مسح عنه التراب ، ولا مازحه بقوله هذا .
الرابع : أن أبا بكر رضي الله عنه عَرَف لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقّهم ، وما كان يَسُرّه أن تَموت فاطمة وهي غَضْبى عليه . فقد طَلَب رضاها قُبيل مَوتها .
فقد حدّث الشعبي قال : لَمّا مَرِضت فاطمة أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال عليٌّ : يا فاطمة هذا أبو بَكر يستأذن عليك ، فقالت : أتُحِبّ أن آذن له ؟ قال : نعم . فأذِنَتْ له ، فدخل عليها يَتَرَضّاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلاّ ابتغاء مَرضاة الله ورسوله ومَرْضَاتِكم أهل البيت . قال : ثم تَرَضَّاها حتى رَضِيَتْ . رواه البيهقي في الكبرى وفي ” الاعتقاد ” .
قال الذهبي في سيرة سيدة نساء العالمين رضي الله عنها :
ولَمّا تُوفي أبوها تَعَلّقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدّثها أنه سمع من النبي يقول : لا نُورَث ما تركنا صدقة ، فَوَجَدَتْ عليه ، ثم تَعَلّلَتْ . اهـ .
ومما يدلّ على رضاها عنه أنها رضي الله عنها أوصَتْ أن تُغسِّلها أسماء بنت عُميس امرأة أبي بكر رضي الله عنها وعنه .
قال ابن كثير : ولَمّا حَضَرتها الوفاة أوْصَتْ إلى أسماء بنت عميس امرأة الصديق أن تُغَسّلها ، فَغَسّلتها هي وعلي بن أبي طالب وسلمى أم رافع ، قيل : والعباس بن عبد المطلب . وما رُوي من أنها اغتسلت قبل وفاتها وأوصت أن لا تُغَسّل بعد ذلك فضعيف لا يُعوّل عليه ، والله أعلم .
فلو كانت تَجِد في نفسها على الصدِّيق رضي الله عنه لَمَا أوصَتْ أن تُغسِّلها امرأته ، ولكانت بمنأى عن أهل بيت أغضبوها وغصبوها حقّها – كما تزعم الرافضة – .
قال الرافضي :
السؤال الثالث عشر :
أن الله سبحانه وتعالى أرسل 124000 نبي لهداية البشر .. فهل نقل عن أي نبي من هؤلاء أن صحابته لم يحضروا مأتمه ؟ وأنهم تنازعوا المنصب بعده ؟
الـردّ :
يُقال في هذا العدد ما قيل فيه سابقا .
ثم يُقال : وهل نُقِل عن نبي من الأنبياء أنه عُمِل له مَأتم ؟ كما هو دِين الرافضة !
الذي لا يكاد يخلو شَهر مِن الشهور مِن مأتم !
وهذا يدل على أن المآتِم ليست مِن دِين الأنبياء ، وإنما هي مِن دِين الرافضة الذين اتّخذوا الأئمة آلهة !
ولم يتنازَع الصحابة رضي الله عنهم المنصب بَعده .
ومَن تَعنيه بالانشغال بالمنصب هو مَن كان حَضَر دَفنه ، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يَدروا أين يَقْبُرون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال أبو بكر رضي الله عنه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لن يُقْبر نَبِي إلاّ حيث يموت . فأخّرُوا فِراشه وحَفَروا له تحت فِراشه . رواه الإمام أحمد .
وحدّث ابن عباس رضي الله عنهما قال : لَمّا أرادوا أن يَحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوا إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يَضْرَح كَضَريح أهل مكة ، وبعثوا إلى أبي طلحة وكان هو الذي يحفر لأهل المدينة وكان يَلْحَد ، فبعثوا إليهما رسولين فقالوا : اللهم خِر لِرسولك ، فوجدوا أبا طلحة فجيء به ولم يُوجد أبو عبيدة ، فَلَحَد لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فلما فَرَغوا مِن جهازه يوم الثلاثاء وُضِع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يُصلّون عليه حتى إذا فرغوا أَدْخَلوا النساء حتى إذا فرغوا أدْخَلوا الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد . لقد اختلف المسلمون في المكان الذي يُحفَر له ، فقال قائلون : يُدفَن في مسجده ، وقال قائلون : يُدفن مع أصحابه ، فقال أبو بكر : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما قُبِض نَبِيّ إلاّ دُفن حيث يُقبض . قال : فَرَفَعوا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه ، فَحَفَرُوا له ثم دُفِن صلى الله عليه وسلم وسط الليل مِن ليلة الأربعاء ، ونَزَل في حفرته علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقُثَم أخوه وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه ابن ماجه .
فهل الذين دَخَلوا عليه أرْسَالاً يُصلّون عليه كانوا يتنازعون المنصب آنذاك ؟!
ثم إن الأمم الماضية كانت تسوسها الأنبياء ، فليس ثم منصب خلافة .
قال عليه الصلاة والسلام : كانت بنو إسرائيل تَسُوسُهم الأنبياء كلما هَلك نَبِيّ خَلَفَه نَبِيّ . رواه البخاري ومسلم .
والأمة قد افترقت رغم حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على وِحدة الصف واجتماع الكلمة ، فكيف لو ضُيِّع هذا المنصب ؟
قال الرافضي :
السؤال الرابع عشر:
إذا كان عمر ابن الخطاب مُصيبا عندما رفض طلب النبي للدواة والقلم ليكتب كتابا لن يضل به أحد بعده … فما هي العبرة المستفادة من لا وعي النبي يومها كسنة لنطبقها لأن فعل النبي سنة ؟
وما هو مصير من يتعرض للنبي بهذه الطريقة ؟
الـردّ :
وما مصير مَن يَسُبّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ويُسيء الأدب مع أصهاره صلى الله عليه وسلم ؟!
فعُمر رضي الله عنه هو والِد حفصة أم المؤمنين ، وهو زوج أم كلثوم بنت عليّ .
وعثمان رضي الله عنه هو زوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يُعرف عن أحد أنه جَمَع ابنتي نبيّ ، أي تزوّج بهما الواحدة بعد الأخرى ، سوى عثمان رضي الله عنه ، ومع ذلك لم يَسْلَم من أذى الرافضة وسبِّهم وشتمهم ولعنهم !
ومَن آذى أصهار النبي صلى الله عليه وسلم فقد آذى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس مَن آذى عَمِّي فقد آذاني .
ونحن نقول : ومَن آذى أصهاره فقد آذاه صلى الله عليه وسلم .
وأما قول الرافضي إن عمر رَفض طلب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا لا يَصِحّ ، وإنما قال عُمر رضي الله عنه ذلك مِن باب التأدّب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولعدم رَفْع الصوت عنده صلى الله عليه وسلم ، ولكراهته لِلّغط عنده صلى الله عليه وسلم .
ثم إن ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَكتبه قاله ونُقِل إلينا .
فإنه عليه الصلاة والسلام لما قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا . فتنازعوا – ولا ينبغي عند نبي تنازع – ثم قال : دَعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه . وأوصى عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجِيزوا الوفد بنحو ما كنت أُجيزهم . قال الراوي : ونسيت الثالثة . رواه البخاري ومسلم .
وسَبَق أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها وهو في مرضه : ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أَكْتُب كِتَابًا ، فإني أخاف أن يَتَمَنّى مُتَمَنٍّ ويقول قائل : أنا أَوْلَى . ويَأبى الله والمؤمنون إلاّ أبا بكر . رواه مسلم .
فهذا مما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَقَولَه ويَكْتُبه .
وعُمر رضي الله عنه كان ينهى عن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده في حياته وبعد موته .
روى البخاري من طريق السائب بن يزيد قال : كنت قائما في المسجد فَحَصَبَنِي رَجل ، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين ، فجئته بهما . قال : من أنتما ؟ أو من أين أنتما ؟ قالا : من أهل الطائف . قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ! ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأنكر عمر رضي الله عنه رَفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته ، وأنكر رفع الصوت في مسجده صلى الله عليه وسلم بعد مماته .
وهذا الرافضي يعتبر ذلك مَنْقَصة في حق عُمر !
قال الرافضي :
السؤال الخامس عشر :
إذا كان الشيعة هم من خذل الحسين وقتله كما يجعجع بعض الجهلة ؟ فلماذا لم ينصره السنة ؟
وفي أي موقف كانوا يومها ؟
في أي معسكر ؟
هل كانوا جانيا فخذلوه أم كانوا في معسكر يزيد ؟
أم لم يكونوا موجودين أصلا ؟
أم كانوا في رحلة في جزر المالديف..؟
الـردّ :
لن أرد عليك بحقائق التاريخ الساطعة الناصعة ، وإنما سوف أرد عليك في جواب هذا السؤال بما أثبته أئمة الشيعة الرافضة مِن أن الذين زَعَمُوا مَحبة الحسين هم مَن خَذَله !
وقال الإمام الحسين رضي الله عنه في دعائه على شِيعته :
اللهم إن مَتّعتهم إلى حين ففرقهم فرقا، واجعلهم طرائق قِددا ، ولا تُرْض الولاة عنهم أبدا ، فإنـهم دعونا لينصرونا ثم عَدَوا علينا فَقَتلونا . (الإرشاد للمُفيد 241).
ودعا عليهم مرة أخرى ، فقال :
لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدّبا ، وتـهافتم كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها سفها ، وبُعْدًا وسُحْقا لطواغيت هذه الأمة وبَقية الأحزاب ونَبَذة الكتاب ، ثم انتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا ، ألا لعنة الله على الظالمين . (الاحتجاج للطبرسي 2/24) .
وقال السيد محسن الأمين :
بَايَع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا ، غَدروا به وخَرَجُوا عليه ، وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه. (أعيان الشيعة/القسم الأول 34) .
وقال الإمام زين العابدين لأهل الكوفة :
هل تعلمون أنكم كَتبتم إلى أَبِي وخَدعتموه ، وأعطيتموه مِن أنفسكم العهد والميثاق ثم قَاتلتموه وخذلتموه ؟ بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لكم : قاتَلتم عِترتي وانتهكتم حرمتي ، فلستم مِن أمتي . (الاحتجاج 2/32).
وقال أيضا :
إن هؤلاء يبكون علينا ، فَمن قَتَلَنا غيرهم ؟! (الاحتجاج 2/29).
وقالت فاطمة الصغرى في خطبة لها في أهل الكوفة :
يا أهل الكوفة ، يا أهل الغَدْر والْمَكْر والخيلاء ، إنا أهل البيت ابتلانا الله بكم ، وابتلاكم بِنا فجعل بلاءنا حسنا . فَكفرتمونا وكذّبتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نـهبا . كما قتلتم جدّنا بالأمس ، وسيوفكم تَقْطُر مِن دمائنا أهل البيت . تَـبًّا لكم ! فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حلّ بكم … ألا لعنة الله على الظالمين . تَـبًّا لكم يا أهل الكوفة ، كم قرأت لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم ، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب وجدي ، وبنيه وعترته الطيبين .
فَرَدّ علينا أحد أهل الكوفة [ ممن يدّعون محبة آل البيت ] فقال :
نحن قتلنا علياً وبني علي *** بسيوف هندية ورماحِ
وسبينا نساءهم سبي تركٍ *** ونطحناهمُ فأيُّ نطاحِ (الاحتجاج 2/28) .
وقالت زينب بنت أمير المؤمنين لأهل الكوفة :
أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر والخذل . إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، هل فيكم إلاّ الصَّلَف والعجب والشنف والكذب ؟ أتبكون أخي ؟ أجل والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلاً فقد ابتليتم بِعارِها . وأنى ترخصون قتل سَليل خاتم النبوة . (الاحتجاج 2/29-30).
هذا ما أثبتته مصادر الرافضة قبل غيرهم !
وقد علِم الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه بأن الذين يدّعون محبة الحسين إنما هم كَذّبَـة .
فقد قال لأخيه الحسين رضي الله عنه :
يا أخي إن أبَانَا رحمه الله تعالى لَمّا قُبِض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورَجَا أن يكون صاحبه ، فَصَرَفه الله عنه ، ووليها أبو بكر ، فلما حَضَرت أبا بكر الوفاة تشوّف لها أيضا فَصُرِفت عنه إلى عُمر ، فلمّا احْتُضِر عُمر جعلها شورى بَيْن سِتة هو أحدهم ، فلم يَشُكّ أنها لا تَعْدُوه فَصُرِفت عنه إلى عثمان ، فلما هَلك عثمان بُويِع ثم نُوزِع حتى جَرّد السيف وطَلبها ، فَما صَفَـا لَه شيء منها ، وإني والله ما أرى أن يَجْمَع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا أعرفن ما استخفّك سفهاء أهل الكوفه فأخرجوك .
وأما أهل السنة فما أخرجوه مِن داره ولا وَعدوه بالنُّصرة ، ولا زعموا أن الكوفة بل العراق كلها تحت أمْره ..
ما كان أهل السنة أهل ثَورة وفِتنة !
وإنما كان ذلك في أهل الرفض ، فهم الذين يَزعمون أنهم أهل ثورة !
ويَنسبُون ذلك إلى بعض الصحابة ، كعمّار بن ياسر والحسين بن علي رضي الله عنهم .
فهل عَلِمْتَ الآن مَن قَتَل الحسين ؟ ومن الذي أخرجه ثم خذَله ؟
شهِد بهذه الحقيقة علماء الرافضة قبل غيرهم .
قال الرافضي :
السؤال السادس عشر:
إذا كان لا وجود لأي خلاف بين علي والخلفاء الثلاثة ممن سبقه ، فلماذا لم يحمل علي سيفه على عاتقه ويشارك في المعارك التي خاضها هؤلاء الخلفاء ضد الكفار خصوصا وأن الجهاد واجب عيني يومها في كثير من المعارك … بينما نجده حينما استلم الخلافة وهو في سن متأخرة حمل سيفه على عاتقه في حربه في صفين والجمل ؟
الـردّ :
ها أنت تُسيء إلى أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه المرّة تِلو الأخرى !
هل كان عليّ جبانا بحيث يَقْبَع في بيته ، ولا يُشارك في الجهاد ؟ ولا يأخذ بِحقّه المغصوب – بزعمكم – ؟
أحد أمرين :
إما أنه يَرى بيعة أبي بكر – وهذا ما تقدّم تقريره بقوله وفِعله – وإقراره أحكام أبي بكر .
وإما أنه لا يَراها . فلماذا انزوى وسَكَت – كما تدّعون – ؟!
إما أن يكون شُجاعا يقوم على رؤوس الناس ويُحرّضهم على أخذ حقّه
وإما أن يَنْزَوي ويكون جبانا .
فأيهما تختار ؟ طالما أنك تدّعي وُجود خلاف !
أما مَن أخذ بالقول الصحيح وهو أن عليّ بن أبي طالب كان يرى صحّة البيعة لأبي بكر ، فإنه لا يَلزمه شيء من ذلك !
نعم .. كان هناك خلاف يسير في أول الأمر ثم بايَع عليّ أبا بكر وانتهى الخلاف .
روى البخاري ومسلم عن عائشة حديثا طويلاً – وفيه – :
وكان لعلي من الناس وجْـه حياة فاطمة ، فلما تُوفِّيَت استنكر عليٌّ وُجُوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومُبَايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك … فدخل عليهم أبو بكر فتشهد عليٌّ فقال : إنا قد عَرَفْنا فَضْلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نَرى لِقَرَابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نَصِيبا ، حتى فَاضَت عينا أبي بكر ، فلما تَكَلّم أبو بكر قال : والذي نفسي بِيده لَقَرَابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ إليّ أن أصِل مِن قرابتي ، وأما الذي شَجَرَ بيني وبينكم مِن هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمْرًا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيها إلاّ صنعته . فقال عليٌّ لأبي بكر : موعدك العشيّة للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر رَقي على المنبر فَتَشَهّد وذَكَر شأن عليّ وتَخَلّفه عن البيعة وعُذْره بالذي اعتذر إليه ، ثم استغفر وتشهد عليٌّ فَعَظّم حق أبي بكر وحَدّث أنه لم يَحْمِله على الذي صنع نفاسَة على أبي بكر ولا إنكارًا للذي فَضّله الله به ، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نَصيبا فاستبدّ علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فَسُرّ بذلك المسلمون ، وقالوا : أَصَبْتَ . وكان المسلمون إلى عليّ قريبا حين راجع الأمر المعروف .
فهذا عليّ رضي الله عنه قد شَهِد بِفضل أبي بكر وبإمامته ، بل وبَايعه بعد أشهر .
فهل يبقى بعد ذلك مَجَالاً لقائل أن يقول : إن عليا كان يرى أن أبا بكر غصبه حقّه ؟!
فلو كان كذلك لَمَا بايَعه ، ولَمَا اعترف بِفضله .
وأمّا أنه لم يَحمِل سيفه فقد كان الخلفاء يستشيرونه ، ويَعرفون له فَضْله ، ولهذا كان يبقى في المدينة .
وهذا ثابت في كُتب السنة والشيعة ( الرافضة ) .
فإن مما يُروى في كُتب الرافضة قول عُمر : أعوذ بالله مِن مُعْضِلة ولا أبو حَسن لها .
وهو مُثبت في كُتب أهل السنة .
قال ابن كثير : وكان عمر يقول : أعوذ بالله مِن مُعْضِلة ولا أبو حَسَن لها .
وذَكَر ابن حزم الظاهري أن هذا القول جاء عن معاوية رضي الله عنه .
وكذلك ذَكَره ابن الأثير في النهاية .
وكان عُمر رضي الله عنه يستشير عليّ بن أبي طالب وعمّه العباس .
قال ابن كثير في ذِكر نهاوند :
فصعد عُمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال : إن هذا يوما له ما بَعده من الأيام ، ألاَ وإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجِزوا ، ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب رِيحكم . إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل مَنْزِلا وسَطا بين هذين الْمِصْرَين فأسْتَنْفِر الناس ، ثم أكون لهم ردءا حتى يفتح الله عليهم ، فقام عثمان وعليّ وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي ، فَتَكَلّم كل منهم بانفراده فأحْسَن وأجاد ، واتفق رأيهم على أن لا يَسير مِن المدينة ولكن يبعث البعوث ويحضرهم برأيه ودعائه ، وكان مِن كلام عليّ رضي الله عنه أن قال : يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر لم يكن نَصْره ولا خُذلانه بِكثرة ولا قِلة ، هو دِينه الذي أظهر ، وجُنده الذي أعزّه ، وأمدّه بالملائكة حتى بَلَغ ما بَلغ ، فنحن على موعود مِن الله ، والله مُنْجِز وعْدَه ، وناصِر جنده ، ومكانَك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام مِن الْخَرز يَجْمَعه ويُمْسِكه ، فإذا انْحِلّ تفرّق ما فيه وذهب ، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا ، والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثير عزيز بالإسلام ، فأقِم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة فهم أعلام العرب ورؤساؤهم فليذهب منهم الثلثان ويُقيم الثلث ، واكتب إلى أهل البصرة يُمِدّونهم أيضا . وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يُمدّهم في جيوش مِن أهل اليمن والشام ، ووافق عُمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة فَرَدّ عليّ على عثمان في موافقته على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة ، كما تقدم ، وَرَدّ رأي عثمان فيم أشارّ بِهِ من استمداد أهل الشام خوفا على بلادهم إذا قلّ جيوشها مِن الروم ، ومِن أهل اليمن خوفا على بلادهم مِن الحبشة ، فأعجب عُمَر قول عليٍّ وسُـرّ به ، وكان عمر إذا استشار أحدا لا يُبْرِم أمْرًا حتى يُشَاوِر العباس . اهـ .
واستشار عُمر رضي الله عنه عليًّا رضي الله عنه في فتح بيت المقدس ، وفي فتح المدائن .
وكان عمر رضي الله عنه يستخلفه على المدينة إذا خَرج عُمر رضي الله عنه لِحجّ أو عمرة أو فتوحات .
وكانت علاقة عليّ رضي الله عنه بِعُمر علاقة الأخ بأخِيه .
أخرج ابن أبي شيبة من طريق أبي السفر قال : رُئي على عليّ بُرْد كان يُكْثر لُبسه . قال فقيل له : إنك لتكثر لُبس هذا البرد . فقال : إنه كسانيه خليلي وصَفِيّي وصَديقي وخَاصّي عُمر . إن عُمر ناصَح الله فَنَصَحَه الله ، ثم بكى .
وأقطَع عمر علًّيا يَنبع .
وروى جعفر بن محمد ( الصادق ) عن أبيه أن عُمر جَعَل للحسين مثل عطاء عليّ ، خمسة آلاف
وهذا يدلّ أيضا على شرعية خلافة عمر رضي الله عنه ، وإقرار عليّ بذلك ، بل وإقرار أولاده مِن بعده .
فإن عُمر رضي الله عنه أعطى للحسين بن عليّ ابنةَ يزدجرد ، وهي مِن سَبي الفُرس ، فولدتْ له زين العابدين ، ومن هذا النسل تتابع الأئمة الذين اتّخذهم الرافضة أئمة مِن الأئمة الاثنا عشر .
فعِماد دين الرافضة قائم على هِبة وأُعْطِية أعطاها عُمر رضي الله عنه للحُسين بن علي رضي الله عنهما .
كما أن عليًّا رضي الله عنه كان يحضر مجلس الخلافة في زمن عثمان رضي الله عنه ، وكان عثمان يستشيره .
ولم يقتصر الحضور على عليّ رضي الله عنه بل إن الحسن كان يحضر مجلس عثمان رضي الله عنه
روى الإمام مسلم في صحيحه من طريق حُضَين بن المنذر أبو ساسان قال : شهدت عثمان بن عفان وأُتِيَ بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ، ثم قال : أزيدكم فشهد عليه رجلان – أحدهما حمران – أنه شرب الخمر ، وشَهِد آخر أنه رآه يتقيأ ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأ حتى شربها ، فقال : يا علي قُم فاجلده ، فقال عليّ : قُم يا حَسَن فاجلده ، فقال الحسن : وَلِّ حارها من تولى قارّها ، فكأنه وَجَدَ عليه ، فقال عليّ : يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده ، فجلده وعليّ يَعُدّ حتى بلغ أربعين ، فقال : أمسِك ، ثم قال : جَلَدَ النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ، وَجَلَدَ أبو بكر أربعين ، وعمر ثمانين ، وكلّ سُـنَّـة ، وهذا أحب إليّ .
فهذا الحديث فيه ردود وليس ردًّا على الرافضة !
ففيه أن عليّا رضي الله عنه كان يحضر مجلس عثمان
وأنه كان يُقرّ عثمان على إقامة الحدود ، ولو كانت ولاية عثمان غير شرعية ، فهل كان يُقرّ أو يأمُر مَن يُقيم الْحَدّ ، والآمِر به عثمان رضي الله عنه ؟
وفيه إقرار عليّ عُمرَ على فعله في تحديد الجلد بـ 80 ، وقد تقدّم هذا في أول الإجابات .
إلى غير ذلك مما يجهله الرافضة ! أو تتجاهله !!
وكان في زمان الخلفاء من يُقاتِل ويَقود الجيوش ، أما في زمان عليّ رضي الله عنه فقد هَلَك كثير من القادة .
فسيف الله خالد بن الوليد مات قبل خلافة عليّ ، والنعمان بن مُقرّن استُشهد في نهاوند في خلافة عمر ، وغيرهم كثير ، مما جَعَل علي بن أبي طالب يحمل سيفه ويقود الجيوش بنفسه .
مع ما ناء به من أعباء الخلافة ، حيث كان يرى أن المسؤولية أُلقيَت على عاتقه .
فهذه من أسباب عدم كثرة خروجه للقتال في زمن الخلفاء الثلاثة قبله ، وخروجه للقتال في زمنه
قال الرافضي :
السؤال السابع عشر:
إن كتب أهل السنة مليئة بالأحاديث عن رسول الله(ص) والتي يرويها عمر وعائشة وابن عمر وأبو هريرة بينما لا نجدها تحوي إلا القليل القليل من الأحاديث التي يرويها علي وفاطمة والحسن والحسين الذين تربوا في أحضان النبي ورأوه أكثر مما رآه غيرهم ؟
ما السبب … هل عدم وجود طريق صحيح إليهم ؟
طيب نسال لماذا لم يوجد هذا الطريق الصحيح … هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غير الثقاة … ولماذا لم يرو ثقاتهم عن أئمة أهل البيت اللاحقين الذين عاصروا البخاري ومسلم إلا القليل … هل كانت روايات أهل البيت لا تعجب حفاظ السنة!
الـردّ :
بل أهل السنة يَروون عن أئمة آل البيت .
والمسألة تحتاج إلى تفصيل :
أولاً :
ليس المقياس هو القُرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو البُعد ، ولا تقدّم الإسلام أو تأخّره ، وإنما المقياس التفرّغ لهذا الشأن ، والتحديث بما سَمِع .
فعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما كان يَكتب الأحاديث ، وله صحيفة معروفة بالصحيفة الصادقة ، وشهِد له أبو هريرة بكثرة الأحاديث ، فقال أبو هريرة رضي الله عنه : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فإنه كان يكتب ولا أكتب . رواه البخاري .
وجاء عن عبد الله بن عمرو أنه تفرّغ للعبادة وانقطع لها ، ولهذا لم يُكثر التحديث .
وخبره في الصحيحين .
وجاء عن غير واحد ممن كَتَبوا أنهم أحرقوا تلك الصُّحُف ، وأمَروا الناس أن يعتمِدوا على حِفظهم ..
إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل الراوي أكثر أو أقل من غيره في الرواية .
وعلى سبيل المثال :
أحاديث أبي بكر رضي الله عنه قليلة ، وذلك لاشتغاله بأعباء الخلافة ، وبحروب الردّة .
وخالد بن الوليد قليل الحديث جداً ، وذلك لاشتغاله بالجهاد والمرابَطة .
وعُمر أيضا ليس من المكثرين .
ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ! ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا ، ثم يَتلو : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) إلى قوله ( الرَّحِيمُ ) إن إخواننا من المهاجرين كان يَشغلهم الصّفق بالأسواق ، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم ، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بِشبع بطنه ، ويَحْضُر ما لا يحضرون ، ويَحفظ ما لا يَحفظون . رواه البخاري ومسلم .
ثانياً :
الحسن رضي الله عنه وُلِد في السنة الثالثة والحسين رضي الله عنه في السنة الرابعة من الهجرة ، فعلى هذا تكون أعمارهم دون العاشرة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقريبا قُرابة سَبع وست سنوات ، وهم يُعدّون من صغار الصحابة .
ولذلك لما قال أبو الحوراء السعدي للحسن بن علي : ما تَذْكُر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أذكر أني أخذت تَمْرَة مِن تَمْر الصدقة فألقيتها في فمي ، فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر . رواه الإمام أحمد .
ثالثاً : بالنسبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فإن الحقيقة أن مَروياته عند أهل السنة أكثر مِن مَروياته عند الرافضة !
قَلِّب الكافي مثلا تجد أن الرواية عن جعفر الصادق – مثلا – أكثر من الرواية عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
وقلّب الكافي فلا تكاد تجد رواية عن الحسن بن عليّ رضي الله عنه إلاّ نادرا .
وأما كتب أهل السنة ففي مسند الإمام أحمد فقط لِعليّ رضي الله عنه (819) حديثا بالمكرر .
ولعليّ رضي الله عنه في مسند بَقيّ بن مخلد (586) حديثا .
وله رضي الله عنه في الكُتُب الستة (322) حديثا .
واتفق البخاري ومسلم على (20) حديثا ، وانفرد البخاري بـ (9) ومسلم بـ (15) حديثا .
يقول الدكتور علي الصِّلابي : ويُعتبر أمير المؤمنين عليّ أكثر الخلفاء الراشدين رواية لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا راجع إلى تأخّر وفاته عن بقية الخلفاء ، وكثرة الرواة عنه . اهـ .
وأما سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء رضي الله عنها فلم تُعمّر طويلا بل توفّيت بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بستة أشهر ، عاشَتْ أربعا أو خمساً وعشرين سنة .
ولذلك قَلَّتْ مروياتها ، وأحسب أن مروياتها عند أهل السنة أكثر منها عد الرافضة !
ولكي تعرف أن أهل السنة لا يتحيّزون ضد آل البيت ، بل هم محل تقدير ، أن في مسند الإمام أحمد – وهو يُعتبر من أضخم الموسوعات الحديثية – المجلد الأول منه لأحاديث الخلفاء الثلاثة (أبي بكر وعمر وعثمان ) والمجلّد الثاني كاملا لأحاديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه .
فبلغت أحاديث الخلفاء الثلاثة (561) حديثا ، في حين بلغت أحاديث علي بن أبي طالب (819) حديثا .
فهل بعد هذا يُـتّهم أهل السنة أنهم لا يَروون عن آل البيت ؟!
وهم يَروون لعليّ رضي الله عنه أكثر من ثلاثة من الخلفـاء !!
رابعاً : آل البيت ليسوا محصورين بِعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كما أن ذرية الحسين ليست محصورة في الباقر – كما تقدّم – .
ويكاد يكون عُمدة أهل السنة في التفسير حبر الأمة وتُرجمان القرآن ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعني ابن عباس رضي الله عنهما .
وهو لا يُعتبر عُمدة في التفسير عند الرافضة ، بل العُمدة في الأئمة المعصومين – زعموا – !
وانظر إلى مرويات ابن عباس رضي الله عنهما في كُتب السنة أو في كُتب التفسير تجد أنها ليست بالقليلة بل هي كثيرة جدا .
ومسند ابن عباس ( 1660) حديثا ، وله في الصحيحين (75) وانفرد البخاري له بـ (120) ومسلم بـ (9) .
ولابن عباس في تفسير ابن جرير الطبري (5809) روايات .
خامساً :
قول الرافضي : (هل كان كل من يصاحب أهل البيت من غير الثقاة) ؟
فالجواب في كُتُب الرافضة ، مِن أن بعض مَن صَحِب أئمة آل البيت كانوا كذلك .
وإليك بعض ما جاء فيها :
جابر بن يزيد الجعفي :
روى الكشّي في معرفة أخبار الرجال عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أحاديث جابر ، فقال : ما رأيته عند أبي قطّ إلاّ مرة واحدة ، وما دَخَل عليّ قطّ .
وجابر الجعفي هذا رافضي يُقال في كُتب الرافضة أنه روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !!
مفضّل بن عمر :
روى الكشي عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول للمفضل بن عمر : يا كافر ! يا مشرك ! مالك ولابني ؟ يعني إسماعيل بن جعفر .
وقد نبّـه الكشي على أن المفضل بن عمر كان يكذب على جعفر الصادق يستأكل الناس .
أبو بصير الليث المرادي :
روى الكشي عن أبي يعفور قال : خرجنا من السواد نطلب دراهم لنحجّ ، ونحن جماعة ، وفينا أبو بصير المرادي قال : قلت له : يا أبا بصير اتق الله وحجّ بِمالِك ، فإنك ذو مال كثير . فقال : اسكت ! فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك لاشتَمَل عليها بِكسائه !
وكان يقول عن جعفر الصادق : أظنّ صاحبنا ما تكامل عقله !
زرارة بن أعين :
في رجال الكشي عن الإمام الصادق أنه قال في حقّ زرارة : زرارة شرّ من اليهود والنصارى !
وفي المصدر المذكور عن أبي عبد الله عليه السلام : لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة ، لعن الله زرارة .
وفي كتاب الرجال للكشي وتنقيح المقال للمامقاني في عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات ، فلما خرجت قلت : إن لقيته لأسألنه غدا ، فسألته من الغد عن التشهد ، فقال كمثل ذلك قلت : التحيات والصلوات ؟ قال : التحيات والصلوات . فلمّا خَرَجْتُ ضَرَطْتُ في لحيته ، وقلت : لا يُفْلِح أبدا .
وزرارة هذا من أكثر الرواة في كُتب الرافضة !
فقد ذكر الخوئي أن مرويات زرارة تبلغ 2490 موردا ، كما في كتاب رجال الشيعة للزرعي .
بريد بن معاوية العجلي :
روى الكشي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : لعن الله بريدا وزرارة .
فهذه نماذج ممن كانوا يَلْتَفّون حول بعض الأئمة من آل البيت ، فهذا سبب واضح من أسباب قلّة الرواية عنهم .
وهؤلاء ممن كَذَب على الأئمة خاصة على جعفر الصادق ، ويكفي أن جابر الجُعفي روى سبعين ألف حديث عن الأئمة !
ومع ذلك يقول عنه أبو عبد الله : ما دَخَل عَلَيَّ قـطّ .
وأما عند أهل السنة فإن هؤلاء الأئمة محلّ تقدير وإجلال ، وقد رووا عنهم بخلاف ما يُوهمه كلام هذا الرافضي !
قال الرافضي :
السؤال الثامن عشر :
إذا كان أبو بكر هو الأفضل بعد النبي لقربه من النبي فلماذا لم يختاره النبي يوم آخى بين المسلمين في الوقت الذي نراه آخى نفسه مع علي !؟
الـردّ :
تقدّم قوله عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر رضي الله عنه : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخي وصاحبي .
ومعلوم أن القول أبلغ مِن الفعل .
ومع ذلك فإننا نُثبت فضل عليّ وفضل أبي بكر ، ولا يمتنع عقلا ولا شرعا أن يكون هذا له فضائل وهذا له فضائل .
بل قد يقول قائل : أيهما أفضل مَن زَوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم بنتا واحدة مِن بناته أوْ مَن زَوَّجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتين مِن بناته ، زَوَّجه الأولى فلمَّا ماتت زوّجه الثانية ؟
والجواب : من زوّجه ابنتيه أفضل ممن زوّجه بنتا واحدة . وهو كذلك عند أهل السنة .
ونحن لا نُفضِّل بين الصحابة ولا بين الأنبياء على وجه يُنتقَص فيه آخر ، وإنما نذكر فضل هذا وفضل هذا .
ولا نغمط أحـدًا حقّـه .
قال الرافضي :
السؤال التاسع عشر :
أن السيدة فاطمة بنت النبي ماتت بعد النبي بستة أشهر ، بينما مات أبو بكر بعد النبي بسنتين ونصف وعمر في وقت لاحق بعده ولكن بالرغم من تأخر موتهما عن موت فاطمة إلا أننا نجدهما دفنا إلى جانب النبي في الوقت الذي لم تنل فاطمة ابنه النبي التي غضبها من غضب النبي هذا المكان كقبر لها ؟
فهل هي التي أوصت أن تدفن بعيدا عن أبيها ؟
إذا كان الجواب لا ، فهل هناك من منع دفنها بجانب أبيها ؟
وما السر في دفنها ليلا وعدم حضور أبو بكر وعمر لدفنها .. مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازة أي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟
لقد ماتت ابنة سيد البشر فمن حضر جنازتها ؟
الـردّ :
هذا القول فيه حق وباطل .
أما الحق فإن فاطمة رضي الله عنها ماتت بعد أبيها بستة أشهر .
وأما الباطل فهو الإيحاء بمنع دفن فاطمة إلى جوار أبيها .
ومثله ما ترويه الرافضة مِن مَنْع دَفْن الحسن إلى جوار جدّه صلى الله عليه وسلم .
وهنا يُقال للرافضي : وهل أوصت فاطمة رضي الله عنها أن تُدفَن إلى جوار أبيها ورُفِضتْ هذه الوصية ؟
وهل كانت هناك عداوة – كالتي يَحْمِلها الرافضة – بين آل أبي بكر وآل البيت ؟
الجواب : لا
ثم إن أبا بكر اسْتَرْضَى فاطمة في آخر حياتها ، فرضيَت عنه ، وقد تقدّم هذا .
فـ فاطمة رضي الله عنها رضِيَتْ عن أبي بكر والرافضة رَفَضتْ أن تَتَرَضّى عن أبي بكر !
صاحبة الشأن رَضِيَتْ ، ومَن ليس له شأن يَسُبّ ويَلْعَن !
هذا والله مِن العَجب العُجاب !
وتقدّم فيما سبق بيان القول الفصل في غضب فاطمة رضي الله عنها ، الذي هو مِن غضب أبيها صلى الله عليه وسلم .
وفي الوقت الذي نَرى الرافضة يستعظمون غَضَب فاطمة رضي الله عنها ، لأن غضبها مِن غَضَب أبيها صلى الله عليه وسلم ، نَجِدْهم يَسْتَهِينُون بِغَضَبِه صلى الله عليه وسلم ، إذ يَسُبُّون زَوج ابنتيه رقية وزينت ، وهُنّ أخوات فاطمة الزهراء رضي الله عنهن جميعا . بل يَسُبّون زوجاته وصحابته .
فلماذا يُتحاشى غَضَب الرسول صلى الله عليه وسلم هنا ولا يُتحاشى هناك ؟! هذا على افتراض أن غَضَب فاطمة كان بِحَقّ ، وعلى افتراض استمراره .
فالذي يسب ويلعن عثمان رضي الله عنه هو سابّ للنبي صلى الله عليه وسلم ومُؤذٍ له ، فالنبي صلى الله عليه وسلم زوّجه بنتا بعد أخرى .
أكان يَخْفَى على رسول الله صلى الله عليه وسلم حال عثمان ؟
فهبوا أنه خَفي عليه ، فهل يَخفى على مَن لا تخفى عنه خافية سبحانه وتعالى ، العَالِم بِحَال عثمان ومآله بعد ذلك ؟
فهل وَجَدتْ الرافضة في مصاحفها أن الله غضَب على عثمان بعد أن رضي عنه ؟!
وهل وَجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم زوّج ابنتيه لِمَلْعُون ؟
حاشَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُصَاهِر من لا يُرضى دينه وخُلُقه ، وحاشا عثمان رضي الله عنه أن لا يكون كذلك .
وفي الصحيحين أن فاطمة رضي الله عنها لَمّا توفيت دفنها زوجها عليّ ليلا ، ولم يُؤذِن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لِعلي مِن الناس وَجْه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر عليّ وُجوه الناس فالْتَمَس مُصَالَحَة أبي بكر ومُبايعته . كما تقدّم .
فهذا يدل على أن عليًّا رضي الله عنه هو الذي دَفَنها ليلاً ، ولم تُوصِ هي رضي الله عنها بشيء ، لا مِن جِهة دَفنها إلى جوار أبيها ، ولا مِن جِهة دَفنها ليلاً .
وقد تكون وفاتها في آخر النهار أو في الليل فَكَرِه عليٌّ أن يؤذِن أبا بكر ، كما كَرِه الصحابة أن يُؤذِنوا النبي صلى الله عليه وسلم في مَوت الذي كان يَقُمّ المسجد .
وقد يكون ذلك لَمَا وقع أول الأمر مِن خلاف حول ما تَرَكه النبي صلى الله عليه وسلم ، إلاّ أن هذه الرواية تدل على رُجوع عليّ رضي الله عنه ومُبايعته لأبي بكر بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها
ونحن لا ندّعي العصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلٌّ يؤخذ مِن قوله ويُتْرَك .
ومما يَردّ على هذا الرافضي من أن فاطمة لم تُقبَر إلى جِوار أبيها صلى الله عليه وسلم ، أن أبا بكر لم يَعلَم أصْلاً بِوَفَاتهِا ، وأن عليًّا دَفَنها بِلَيل .
فلو كان عَرَض على عائشة أن يَدفنها إلى جوار أبيها صلى الله عليه وسلم ، هل كان هذا يخفى على أبي بكر رضي الله عنه ؟
ثم إن فاطمة رضي الله عنها كانت مَحَلّ تقدير عند عائشة رضي الله عنها .
روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت أحدًا كان أصدق لَهْجَة مِن فَاطمة ، إلاّ أن يكون الذي وَلدها .
فلا يُتصوّر بعد هذا أن تكون عائشة تمنع فاطمة مِن أن تُقبَر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم .
أما دَفن أبي بكر وعُمر إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قد أجاب عنه إمام مِن أئمة آل البيت ، وهو زين العابدين رضي الله عنه ، وقد سُئل : كيف كانت مَنْزِلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بِيدِه إلى القبر ثم قال : لمنْزِلَتهما مِنه الساعة .
وأشار إليه الإمام عليّ رضي الله عنه فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : وُضِعَ عُمر على سَريره فَتَكَنَّفَه الناس يَدعون ويُصلون قَبْل أن يُرفع ، وأنا فيهم ، فلم يَرعني إلاَّ رَجُل آخِذ مِنكبي ، فإذا علي بن أبي طالب ، فَتَرَحَّم على عُمر وقال : ما خَلَّفْتُ أحداً أحبّ إليّ أن ألقى الله بِمِثل عَمَله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يَجْعلك الله مع صاحبيك ، وحَسِبت إني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذَهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودَخَلْت أنا وأبو بكر وعُمر ، وخَرَجْت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري ومسلم .
أما قوله : ( مع أن الإسلام ينتدب الخليفة والمسلمين لحضور جنازة أي شخص يموت حتى ولو كانت جارية مملوكة ؟ ) .
فهذا ليس بصحيح ، فالخليفة الذي ينوء بأعباء الخلافة لا يُكلّف بِحُضُور جنَازة كل مسلم .
وفاطمة رضي الله عنها دُفِنت ليلاً .
ومما رأيته يُروى في كُتب الرافضة زعمهم أن الحسن أوصى أن يُدفَن إلى جوار جدّه ، ويزعمون أن عائشة رضي الله عنها رَفَضَتْ ذلك .
وهذا غير صحيح لا مِن حيث الرواية ولا مِن حيث الدراية .
فهذه الرواية التي رواها الكليني في الكافي رواية مُنقطِعة وفيها مجاهيل ، فهو يَروي – كعادته – بإسناده عن ( عِدّة من أصحابنا ) وهذا يُعتبر مِن رِواية المجاهيل . فمن هم هؤلاء الأصحاب عنده ؟
وفي الإسناد :
علي بن إبراهيم ، وهو القُمِّي ، وهو شيخ الكليني ، والرافضة مختلفون في توثيق القُمِّي .
هارون بن الجهم يُخالف في حديثه .
ثم إنه من رواية أبي جعفر ، وأبو جعفر يَروي عن الحسن مُرْسَلاً ، أي لم يَلْقَ الحسن .
فالحسن رضي الله عنه توفِّي سنة 49 أو 50 أو 51 هـ على أقوال في وفاته .
وأبو جعفر الباقر وُلِد ولد سنة ست وخمسين (56) وتوفِّي سنة 114 هـ .
فعلى هذا يكون الباقر لم يَرَ الحسن أصلاً .
فالحسن على أكثر الأقوال توفي سنة 51 هـ ، والباقر وُلِد سنة 56 هـ
أي أن بين وفاة الحسن وبين ولادة الباقر خمس سنوات .
فالرواية على هذا لا تَصِحّ مِن عدّة وُجوه .
هذا لو سلمنا بِقَبُول الكافي أصلاً !
أما إذا لم نُسَلِّم به ، فالرواية أصلا لا تُناقش هذه المناقَشة .
وإنما قرّرت هذا التقرير من باب التنـزّل مع الخصم .
فالكافي يحتاج إلى إثبات عدالة الكليني أوّلاً .
ثم عدالة رُوَاة الرافضة .
وتقدّم الكلام على أشهر رواة الرافضة في الكافي وغيره .
قال الرافضي :
السؤال العشرين :
إن التاريخ يخبرنا بأن قريش طردت بني هاشم والمؤمنين بالنبي في أوائل الدعوة من مكة إلى شعاب أبي طالب حيث بقوا لثلاث سنين هناك يعانون الصعوبات .. أين كان أبو بكر وعمر خلال تلك الفترة إذا ما فرضنا أنهم من أوائل المسلمين كما يدعي مخالفي مذهب أهل البيت ؟
لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة !
إذا كانوا في مكة فلما لم يقدما للنبي المساعدة يومها ؟
وإذا كانا لا يستطيعان الوصول إلى شعب أبي طالب فهل هناك أي دليل تاريخي يثبت أنهما قدما شيئا للمسلمين بطريقه أو بأخرى في تلك الأيام وخصوصا أن قريش منعت التعامل والتزاوج مع النبي وبني هاشم .
الـردّ :
أولاً : أهل السنة لا يُعتَبرون مِن مُخالِفي آل البيت ، بل هم مِن مُوافقيهم .
وتقدّم قبل قليل أن مُسْنَد الإمام عليّ رضي الله عنه أكثر مِن مُسند ثلاثة من الخلفاء قبله ، في أشهر المسانيد لدى أهل السنة ، وهو مُسنَد الإمام أحمد بن حنبل .
ثانياً : كان هذا الحصار الآثم الظالِم ضد بني هاشِم وبني المطّلب .
قال الإمام البيهقي : وحين بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة آذاه قَومه وهَمُّوا به ، فقامت بنو هاشم وبنو المطلب مُسْلِمهم وكافِرهم دونه ، وأبَوا أن يُسْلِموه ، فلما عَرَفت قريش أن لا سبيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم معهم اجتمعوا على أن يَكْتُبُوا فيما بينهم على بني هاشم وبني المطلب : أن لا يُنْكِحُوهم ولا يَنْكِحُوا إليهم ، ولا يُبَايعوهم ولا يَبْتَاعُوا منهم ، وعَمِد أبو طالب فأدخلهم الشعب ، شعب أبي طالب في ناحية من مكة ، وأقامت قريش على ذلك مِن أمرهم في بني هاشم وبني المطلب سنتين أو ثلاثا .
وهذا الحصار كان بعد قوّة الإسلام وفُشُوّه وانتشاره .
وكان ذلك بعد إسلام حمزة رضي الله عنه وبعد إسلام عُمر رضي الله عنه .
قال الإمام ابن كثير : وقال ابن هشام عن زياد عن محمد بن إسحاق : فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نَزَلُوا بَلَدًا أصَابُوا مِنه أمْنًا وقَرَارًا ، وأن النجاشي قد مَنَعَ مَن لجأ إليه منهم ، وأن عُمَر قد أسلم فكان هو وحمزة مع رسول الله وأصحابه ، وجعل الإسلام يَفْشُو في القبائل ، فاجتمعوا وائتمروا على أن يَكتبوا كتابا يَتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم ، ولا يَبيعوهم شيئا ولا يَبتاعوا منهم . اهـ .
وهذا يدل على تَقدّم إسلام عُمر رضي الله عنه .
بل كان عُمر رضي الله عنه من أسباب قوّة المسلمين .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما زلنا أعِـزّة منذ أسلم عمر . رواه البخاري .
وأما إسلام أبي بكر فلا يشك عاقل مُنصِف أنه أوّل مَن أسْلَم مِن الرِّجال .
وكان أبو بكر رضي الله عنه يَدفَع عن النبي صلى الله عليه وسلم ويُدافِع عنه ما استطاع .
روى البخاري من طريق عروة بن الزبير قال : سألت عبد الله بن عمرو عن أشدّ ما صَنَعَ المشركون بِرَسُول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي فَوَضَع رِدَاءه في عُنُقه فَخَنَقَه به خَنْقًا شَديدا ، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات مِن ربكم ؟
ثالثاً : أبو بكر رضي الله عنه عانَى كما عانى غيره في تلك الفترة ، بل لعله عانّى أشدّ مُعاناة .
ويدل على ذلك أنه لَمّا ابْتُلِي المسلمون في مكة واشتدّ البلاء خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجِرا قِبَل الحبشة حتى إذا بَلَغ بَرْك الغِماد لقيه ابن الدّغِنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر : أخرجني قومي فأنا أريد أن أسِيح في الأرض فأعْبُد ربي . قال ابن الدغنة : إن مثلك لا يَخْرُج ولا يُخْرَج ، فإنك تَكسِب المعدوم ، وتَصِل الرَّحِم ، وتَحْمِل الكَلّ ، وتَقْرِي الضيف ، وتُعِين على نوائب الحق ، فأنا لك جار . فارْجِع فاعْبُد ربك ببلادك ، فارْتَحَل ابن الدغنة ، فَرَجع مع أبي بكر ، فطاف في أشراف كفار قريش ، فقال لهم : إن أبا بكر لا يَخْرُج مثله ولا يُخْرَج . أتُخْرِجُون رَجُلاً يَكْسِب المعدوم ، ويَصِل الرحم ، ويَحْمِل الكَلّ ، ويَقْرِي الضيف ، ويُعين على نوائب الحق ؟! فأنْفَذَتْ قريش جِوار ابن الدغنة ، وآمنوا أبا بكر ، وقالوا لابن الدغنة : مُـرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره ، فَلْيُصَلّ ، وليقرأ ما شاء ، ولا يُؤذينا بذلك ، ولا يَسْتَعْلِن به . فإنا قد خَشينا أن يَفْتِنَ أبناءنا ونساءنا . قال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر فَطَفِق أبو بكر يعبد ربه في داره ولا يَسْتَعْلِن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بِفِناء داره وبَرز ، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن ، فيتَقَصّف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يُعجبون وينظرون إليه ، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً لا يملك دَمْعه حين يقرأ القرآن ، فأفْزَع ذلك أشراف قريش من المشركين ، فأرْسَلُوا إلى ابن الدغنة ، فَقَدِم عليهم فقالوا له : إنا كنا أجَرْنا أبا بكر على أن يَعْبد ربه في داره ، وإنه جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بِفِناء داره ، وأعلن الصلاة والقراءة ، وقد خشينا أن يَفْتِن أبناءنا ونساءنا ، فأتِه فإن أحب أن يَقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أَبَى إلاّ أن يُعْلِن ذلك فَسَلْهُ أن يردَّ إليك ذمتك فإنّـا كرهنا أن نُخْفِرَكَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأبي بكرٍ الاستعلان . قالت عائشة : فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال : قد عَلِمْت الذي عَقَدْت لك عليه ، فإما أن تَقْتَصِر على ذلك ، وإما أن تَرُدّ إلِيّ ذمتي ، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أُخفِرت في رَجل عَقَدْت له . قال أبو بكر : إني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله . رواه البخاري .
وَتعرّض أبو بكر رضي الله عنه لأشدّ أنواع التعذيب حتى شارَف على الهلاك .
قال ابن كثير : وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله جالس ، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضُرِبوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ، ووُطِئ أبو بكر وضُرِب ضَرْبًا شَديدا ، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فَجَعَل يَضْرِبه بِنَعْلَين مَخْصُوفَتين ويحرفهما لوجهه ، ونَـزَا على بطن أبي بكر حتى ما يُعرف وَجهه مِن أنفه ، وجاء بنو تَيم يتعادون فأجْلَت المشركين عن أبي بكر ، وحملت بنو تَيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه مَنْزِله ولا يَشُكُّون في مَوته ، ثم رجعت بنو تَيم فدخلوا المسجد ، وقالوا : والله لئن مات أبو بكر لَنَقْتُلَنّ عُتبة بن ربيعة ، فرجعوا إلى أبي بكر فَجعل أبو قحافة وبنو تَيم يُكَلِّمُون أبا بكر حتى أجاب فتكلم آخر النهار ، فقال : ما فَعل رسول الله ؟ فمسُّوا منه بألسنتهم وعَذَلُوه ، ثم قاموا ، وقالوا لأُمِّـه أم الخير : انظري أن تُطْعِميه شيئا ، أو تَسْقيه إياه . فلما خَلَتْ به ألَحَّتْ عليه ، وجعل يقول : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : والله مالي علم بصاحبك . فقال : اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه . فَخَرَجَتْ حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله . فقالت : ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله ، وإن كنت تُحبِّين أن أذهب معك إلى ابنك ؟ قالت : نعم . فَمَضَت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دَنِفَـا ، فَدَنَتْ أم جميل وأعْلَنَت بالصِّياح ، وقالت : والله إن قومًا نَالُوا هذا منك لأهل فِسْق وكُفر ، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم . قال : فما فعل رسول الله ؟ قالت : هذه أمك تسمع . قال : فلا شيء عليك منها . قالت : سالِم صَالِح . قال : أين هو ؟ قالت : في دار ابن الأرقم . قال : فإن لله عَليَّ أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله . فامْهَلَتَا حتى إذا هَدأت الرِّجْل وسَكن الناس ، خَرَجَتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأكبّ عليه رسول الله فَقَبَّلَـه ، وأكَبّ عليه المسلمون ورَقَّ له رسول الله رِقَّةً شديدة ، فقال أبو بكر : بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلاَّ ما نال الفاسِق مِن وَجهي ، وهذه أمي بَرَّة بِوَلَدها ، وأنت مبارك فادْعها إلى الله ، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار . قال : فدعا لها رسول الله ودعاها إلى الله ، فأسْلَمَتْ ، وأقاموا مع رسول الله في الدار شهرا ، وهم تسعة وثلاثون رجلا ، وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضُرِب أبو بكر ، ودعا رسول الله لعمر بن الخطاب أوْ لأبي جهل بن هشام ، فأصبح عمر ، وكانت الدعوة يوم الأربعاء فأسْلَمَ عُمر يوم الخميس ، فَكَبَّر رسول الله وأهل البيت تكبيرة سُمِعَتْ بأعلى مكة .
فقول الرافضي : ( لِمَ لم يطردوا مع من طرد وخصوصا إذا عرفنا أن أبا بكر وعمر من قبيلتي تيم وعدي الصغيرتين اللتان لا وزن لهما أمام قبيلة بني هاشم المطرودة ! )
فالجواب عنه أن المقاطعة كانت لبني هاشم وبني المطّلب ، كما تقدّم .
كما أن قبيلة تيم ( قبيلة أبي بكر ) ليست كما وَصَف الرافضي ( لا وَزن لها ) بل لها وَزن حتى أنها هَدّدتْ عند تعذيب أبي بكر رضي الله عنه بِقَتْل عُتبة بن ربيعة ، ومَن هو عُتبة ؟
إلاَّ أن قوّة قريش وجبروتها وسطوتها ومكانتها عند العَرَب بالإضافة إلى قرابتها ببني هاشم وبني المطّلب جَعَلت الناس يُحجِمون عن مـدّ يد المساعدة لبني هاشم وبني عبد المطّلب حينما حُصِروا .
وقد عَلِمتَ أن أبا بكر رضي الله عنه تعرّض للتعذيب من قِبَل بعض صناديد قريش ، وتعرّض للمضايقة حتى هَمّ بالخروج من مكة حتى ردّه ابن الدّغنة .
يقول الدكتور مهدي رزق الله : ونَالَ أبا بكر رضي الله عنه نَصيبه مِن الأذى ، حتى فكّر في الهجرة إلى الحبشة فِرَارًا بِدِينِـه . اهـ .
كما أن تلك المقاطَعة ليس فيها تفاصيل دقيقة إذ لم تكن العَرَب تُعنى بالتوثيق والكتابة والتقييد للأحداث .
يقول الدكتور مهدي رزق الله : لم يَرِد ذِكر هذه المقاطَعة بِتَفْصِيل في الصِّحاح . اهـ .
وأنت لو تأمّلت في كتاب الله فَضْلاً عن السنة لوجدّتَ كثيرا مِن الأحداث لا يَرد لها تفاصيل دقيقة .
فَعَلى سبيل المثال قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ، وقد لبِث في السجن بِضع سنين ، ومع ذلك لم يَرِد تفاصيل ماذا عَمِل في تلك السنوات .
بل في قصة نوح عليه الصلاة والسلام وقد لبِثَ في قومه ألف سنة إلاَّ خمسين عاما ، لم يَرد ذِكر تفاصيل ماذا عَمِل في تلك السنين ، والفائدة حاصلة في الإشارة ، والعِبْرَة مُتحقّقة بسياق هذا القَدْر من قصّته .
فالذي يَطلب تفاصيل دقيقة لِمَا حَدَث في سنوات تلك المقاطَعة لن يَجِد تلك التفاصيل الدقيقة ، بحيث تتناول ماذا عمِل فلان ، وماذا قال فلان .
وبقي أن نُذكِّر القارئ الكريم المنصف بشيء من فضائل أبي بكر رضي الله عنه .
فإنه قدَّم نفسه وماله في سبيل الله ، وفي سبيل نُصرة رسول الله وحمايته .
ولذا حفِظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصَّنِيع .
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عَاصِبًا رأسه بِخِرْقَـة ، فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه ليس من الناس أحد أمَنَّ عليَّ في نفسه وماله مِن أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت مُتَّخِذًا مِن الناس خليلا لاتَّخَذْت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سُدُّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر .
وهذا فيه إشارة في آخر حياته صلى الله عليه وسلم إلى فضل أبي بكر مع ما تقدّم من صريح العبارة في رضاه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر ، وأمره له أن يَؤمّ الناس .
ولَمّا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة أتى إلى أبي بكر رضي الله عنه ظُهرا ، ولم يأتِ إلى غيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أشعرت أنه قد أُذِن لي في الخروج ؟ قال أبو بكر : الصحبة يا رسول الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصحبة . قال : يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج ، فَخُذ إحداهما . قال : قد أخذتها بالثمن . رواه البخاري .
وتقدّم أن أبا بكر لَمّا خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة احتمل أبو بكر مَالَه كله معه ، خمسة آلاف ، أو ستة آلاف درهم ، فانطلق بها معه .
ولَمّا حَثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة وأمر بها ، جاء أبو بكر رضي الله عنه بمالِه كلّه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبْقَيت لأهلك ؟ قال : أبْقَيتُ لهم الله ورسوله . رواه أبو داود والترمذي .
ولَمّا قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَن أنفق زوجين في سبيل الله نُودي من أبواب الجنة : يا عبدَ الله هذا خَير ، فمن كان مَن أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ، ومَن كان مِن أهل الجهاد دُعي مِن باب الجهاد ، ومَن كان مِن أهل الصيام دُعي مِن باب الريان ، ومَن كان مِن أهل الصدقة دُعي مِن باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله ما على مَن دُعي مِن تلك الأبواب مِن ضرورة ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ قال : نعم ، وأرجو أن تكون منهم . رواه البخاري ومسلم .
ولَمّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن تَبِع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . قال : فمن عاد منكم اليوم مريضا . قال أبو بكر رضي الله عنه : أنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعن في امرئ إلاَّ دَخَل الجنة . رواه مسلم .
قال ابن حجر في الإصابة : وأخرج أبو داود في الزهد بِسَنَدٍ صحيح عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال : أسْلَم أبو بكر وله أربعون ألف درهم . قال عروة : وأخبرتني عائشة أنه مات وما تَرَك دِينارا ولا دِرهما .
وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا هشام عن أبيه : أسْلَم أبو بكر وله أربعون ألفا ، فأنفقها في سبيل الله ، وأعْتَق سَبعة كُلّهم يُعَذَّب في الله ؛ أعتق بلالا وعامر بن فهيرة وزنّيرة والنهدية وابنتها وجارية بني المؤمل وأم عُبيس .
وقال الحافظ ابن حجر في ” الإصابة ” :
ومناقب أبي بكر رضي الله عنه كثيرة جدا ، وقد أفرده جماعة بالتصنيف ، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قَدْر مُجَلّدة . ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى : ( إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فإن المراد بِصَاحِبه أبو بكر بلا نِزَاع ، إذ لا يعترض لأنه لم يتعين ، لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة عامر بن فهيرة وعبد الله بن أبي بكر وعبد الله بن أريقط الدليل ، لأنا نقول : لم يصحبه في الغار سوى أبي بكر ، لأن عبد الله بن أبي بكر استمر بمكة وكذا عامر بن فهيرة ، وإن كان ترددهم إليهما مدة لبثهما في الغار استمرت لعبد الله من أجل الإخبار بما وقع بعدهما ، وعامِر بِسبب ما يقوم بغذائهما مِن الشِّياه ، والدليلُ لم يَصحبهما إلاّ مِن الغار ، وكان على دِين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر ، وقد قيل إنه أسْلَم بعد ذلك . وثبت في الصحيحين مِن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهما في الغار : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ والأحاديث في كَونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ، ولم يَشْركه في هذه المنقبة غيره . اهـ .
وروى الإمام أحمد والحاكم – وصححه – عن عليّ رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر : مع أحدكما جِبريل ، ومع الآخر ميكائيل ، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ويكون في الصفّ .
وروى البخاري ومسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل . قال : فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : فقلت : مِن الرجال ؟ فقال : أبوها . قلت : ثم مَن ؟ قال : عمر بن الخطاب . فَعَدَّ رِجَالاً .
وهذه إشارات لفضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقد أطال ابن عساكر في تاريخ دمشق في ذِكر فضائله رضي الله عنه .
والله تعالى أعلم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
صفر 1426 هـ
وتمت الإضافة والتصحيح في صفر 1431 هـ