دِّمَـة
الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
فإن شريعة الإسلام لما كانت خاتمة الشرائع اشتملت على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، كما تضمّنت من الآداب والأدب ما تُحْفظ به الحقوق ، وتُردع به النفوس المريضة ، وتُكفّ به النـزّعات الجامحة ، وتنتهي النفوس الضعيفة عما تَروم .
كما أن شريعة الإسلام جاءت بِحِفْظِ الكليات والضرورات الخمس .
قال الشاطبي :
الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بِحِفْظِها خمسة : وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ([1]) .
وقال : تكاليف الشريعة تَرجع إلى حِفظ مقاصدها في الْخَلْق ([2]) .
ومن أجل ذلك شُرِعت الحدود والعقوبات .
والعقوبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة :
1 – عقوبات متعلقة بالبدن ، وهي العقوبات البدنية ، كالتعزير دون الحدود ([3]) .
2 – عقوبات متعلقة بالمال ، وهي العقوبات المالية ، وهي مَناط البحث .
3 – عقوبات مالية وبدنية ، كإلزام من جَامَع قبل التحلل الأول بإتمام حَجِّهِ وإعادته مِن قابِل ([4]) ، وهذا من باب العقوبات .
ولأهمية هذه المسائل فقد أحببت بحث مسألة العقوبات المالية حيث جَرى فيها الخلاف بين الفقهاء ، ولأني لم أرَ من بحثها بحثا مُستقلاً .
وعلاقة هذا البحث بآيات الأحكام أن هناك مَن تناول هذه المسالة في تفسير قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية [الأنفال: 41] ([5]) .
وهناك مَن تناوله في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل:126] .
وقد جَعَلتُ البحث في مقدمة وخاتمة ومبحثين .
فالمبحث الأول في تحرير محل النِّـزاع .
والمبحث الثاني في حُكم العقوبات المالية .
وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت تصحيحه وتضعيفه مما وقفتُ عليه من كلام أهل العلم قديما وحديثاً .
وإن كان الحديث في غير الصحيحين خرّجته من مسند الإمام أحمد والسُّنن الأربع المشهورة ، ولا أخرج عنها إلا لزيادة فائدة .
وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يُلهمنا رُشدنا ، وأن يُجنِّبنا الزلل .
وهذا أوان الشروع في المقصود ، فأقول مُستعيناً بالله :
تابع البحث على ملف وورد 6.doc ـ 6.zip
————————-
[1] الموافقات (3/47) .
[2] الموافقات (2/8) .
[3] ستأتي الإشارة إلى الفرق .
[4] نَقَل النووي في المجموع (7/333 وما بعدها) الأقوال في هذه المسألة . ويُنظر : الاستذكار ، لابن عبد البر (4/257) .
[5] تناوله الشنقيطي في مسألة تحريق رَحْل الغالّ ، وسيأتي النقل عنه في موضعه .