محاضرة قصيرة بعنوان … ساعات ودروس الأُنس
المحاضرة مرئية هنا :
دَخلتُ أحدَ المساجدِ ، فرأيتُ عَجَبًا مِن أحوالِ الدّاخِلينَ إلى المسجدِ ، والمنتَظِرينَ للصلاةِ
فهذا يُقلِّبُ جَوّالَه ، وآخَرُ قدِ استندَ إلى عَمودٍ أو جِدَارٍ وقد استجْلَبَ هُمُومَه ، وثالثٌ استَلْقَى على الأرض ، ورابِع يَتحدّث مع صاحِبه ..
هذا الوقتُ شَرِيفٌ ، وهو وَقْتٌ نَفِيسٌ .
هُو وَقْتٌ تَزْكُو فيه النّفْسُ ، وهو وَقْتُ أُنْسٍ باللهِ ، ما بينَ صلاةٍ ودُعاءٍ ، وتِلاوةٍ للقُرآنِ ، وذِكْرٍ للهِ عزّ وجَلّ .
هو وَقْتُ طُمأنينةٍ ، ووقتُ انْشِرَاحِ صَدْرٍ ، وإزاحَةِ هَمّ ..
إذا كُنتَ تنقُلُ هُمُومَكَ للمَسجدِ ، فأين تُزِيحُها ؟
وإذا كُنتَ لا تَخلو بِربِّكَ في بَيتِه ، فمَتى تَخلُو به ؟
إن لم يكُنْ أُنْسُك بِه ، فبأيِّ شيءٍ تأنسُ ؟
عَجيبٌ أن نُمضيَ الساعاتِ الطوالَ في جلساتٍ ولقاءاتٍ ومُناسباتٍ ، ونَسْتَثْقِلَ الدقائقَ في المساجد !
كم نتمَلْمَلُ ونتلفّتُ إذا تأخّرَ الإمامُ ثلاثَ أو أربعَ دقائقٍ ، ولكننا نصبرُ لو كُنّا في انتظارِ إنجازِ مُعاملةٍ ! فضلا عمّن يُتابِعُ مُباراةً ، فعنده استعدادٌ لأنْ يتابِعَ لأكثرَ مِن تسعينَ دقيقةٍ !
تذكّرْ أنّ المسجدَ بيتُ الضيافةِ الربّانيةِ .. وليتأمّلْ الْمُسْتَعْجِلُ أنّ كلَّ ما يستعجلُ لأجلِهِ ، وأنَّ كلَّ ما يَطلُبُه هو بيديّ مولاه ، وهو في بَيْتِه وكَنَفِه
فَمَن توطّنَ المساجدَ وألِفَها ، فَرِحَ اللهُ به وأكْرَمَه في الدنيا والآخِرةِ
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ . رواه البخاري ومسلم .
قال ابنُ رَجَبٍ : معنى الحَدِيْثِ : أنَّ مَن خَرَجَ إلى المسجدِ للصلاةِ فإنهُ زائرُ اللهِ تعالى ، واللهُ يُعِدُّ لَهُ نُزلاً مِن الجَنّةِ كُلَّمَا انطلقَ إلى المسجدِ ، سواءً كَانَ فِي أولِّ النهارِ أو فِي آخِرِه .
والنُّزُلُ : هُوَ مَا يُعَدُّ للضّيفِ عِنْد نُزُولِهِ مِن الكَرَامَةِ والتّحْفَةِ . اهـ .
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ إِلاّ تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ ، كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِم . رواه الإمامُ أحمدُ وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه البُوصِيري والألباني .
قال ابنُ الأثيرِ : البَشُّ : فَرَحُ الصدِّيق بِالصَّدِيقِ ، واللطفُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالإِقْبَالُ عَلَيْه ، وَقَدْ بَشِشْتُ بِهِ أَبَشُّ . اهـ .
قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ : مَنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ فَإِنَّمَا يُجَالِسُ رَبَّهُ ، فَمَا حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إِلاّ خَيْرًا .
قال القرطبيُّ في تفسيرِه : وجَاءَ فِي الْخَبَرِ فِيمَا يُحْكَى عَنِ التَّوْرَاةِ : أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا مَشَى إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ : عَبْدِي زَارَنِي وَعَلَيَّ قِرَاهُ ، وَلَنْ أَرْضَى لَهُ قِرىً دُونَ الْجَنَّةِ . اهـ .
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَجِدُ راحةَ نَفْسِه في الصلاةِ ، فيقولُ : يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا . رواه أبو داود .
وكانتْ رَاحَةُ نفسِه صلى الله عليه وسلم وقُرّةُ عينِه ، وطُمأنينةُ نفسِه في الصلاةِ .
قال عليه الصلاةُ والسلامُ : وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ . رواه الإمام أحمد والنسائي .
وكان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ساعاتٌ يَخلُو فيها بِربِّه .
قال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما : وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الفَجْرُ ، وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا . رواه البخاري .
ورُبّما قامَ صلى الله عليه وسلم مِن الليلِ فصلّى في المسجدِ ، كما في حديثِ حُذيفةَ رضي الله عنه ، وهو في صحيحِ مسلمٍ ، وكما في حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه ، وهو في صحيحِ مسلمٍ أيضا .
ولَهُ صلى الله عليه وسلم ساعاتٌ يَنشغِلُ فيها بالذِّكْرِ فلا يُكلّمُ أحدا .
قَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ : قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ : أَكُنْتَ تُجَالِسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : نَعَمْ كَثِيرًا ، كَانَ لا يَقُومُ مِنْ مُصَلاّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ ، أَوِ الْغَدَاةَ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ . رواه مسلم .
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ : جُمْدَانُ، فَقَالَ : سِيرُوا ، هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ . قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ ؟ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ . رواه مسلم .
وكان الصالِحون يتنافَسُون في الخيراتِ ، ويَسْتَبِقُون إليها :
وفي الحديثِ : لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِّ ، ثم لم يَجِدوا إلاّ أن يَسْتَهِموا عليه لاسْتَهَمُوا ، ولو يعلمونَ ما في التهجيرِ لاسْتَبَقُوا إليه ، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبحِ ، لأتوهما ولو حَبْوا . رواه البخاري ومسلم .
فقولُه : ” ولو يعلمون ما في التهجيرِ لاسْتَبَقُوا إليه “
قال ابنُ بطّالٍ : والتهجيرُ: السيرُ في الهاجرةِ ، وهي شدّةُ الْحَرِّ ، ويدخلُ في معنى التهجيرِ : المسارعةُ إلى الصلواتِ كُلِّها قبلَ دخولِ أوقاتِها ؛ ليحصُلَ له فَضْلُ الانتظارِ قبل الصلاةِ . اهـ .
وقال القاضي ابنُ العربيِ المالِكيُّ : وأما قولُه : ” لاسْتَهَمُوا عَلَيْه “ فيُتصَوّرُ الاستهامُ في الصفِّ الأولِ عند ضِيقِه وإقبالِ الرِّجالِ إليه في حالةٍ واحدَةٍ … وأما تَصوّرُ الاستهامُ في الأذانِ فمُشكِلٌ ، وقد اختصمَ قومٌ بالقادسيةِ في الأذانِ فأقْرَعَ بينهم سَعدٌ . اهـ .
وفي حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابِهِ تأخُّرًا، فقال لهم : تقدموا فأتَمُّوا بي ، ولْيَأتَمَّ بِكم مَن بَعدَكم ، لا يَزالُ قومٌ يتأخّرُون حتى يُؤخِّرَهم الله . رواه مسلم .
وفي روايةٍ له : رأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قوما في مُؤخّرِ المسجدِ . فَذَكَرَ مثلَه .
استقطِعْ مِن وقتِكَ لِراحَةِ قلبِك
وَاجعَلْ عُمُرَكَ ثَلاثَ سَاعَاتٍ (يعني : ثلاثةُ أقسامٍ)
سَاعَةً للْعِلْمِ ، وَسَاعَةً للْعَمَلِ ، وَسَاعَةً لحقوقِ نَفسِك وَمَا يَلزَمُك
وفي حِكْمةِ آلِ داود : حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَغْفَلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ : سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ ، وَسَاعَةٍ يُفْضِي فِيهَا إِلَى إِخْوَانِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ ، وَيَصْدُقُونَهُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَسَاعَةٍ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ لَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ ؛ فَإِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ عَوْنٌ عَلَى هَذِهِ السَّاعَاتِ ، وَإِجْمَامٌ لِلْقُلُوبِ .
وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ زَمَانَهُ ، وَيَحْفَظَ لِسَانَهُ ، وَيُقْبِلَ عَلَى شَأْنِهِ .
وَحَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لا يَظْعَنَ إِلاَّ فِي إِحْدَى ثَلاثٍ : زَادٍ لِمِعَادِهِ ، وَمَرَّمَةٍ لِمَعَاشِهِ ، وَلَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ . (الزهدُ والرقائقُ لابنِ المبارك ، والزهدُ ، لِهنّاد ، والعقلُ وفَضْلُه ، لابنِ أبي الدنيا ، وتاريخُ بغداد ، للخطيبِ البغدادي)
أوقاتُ النهيِ ، وقولُ بعضِ الفضلاءِ ..
أتذكرُ كلمةً قالها أحدُ المشايخِ الفضلاءِ وهو يتكلم عن أوقات النهي ، قال : هل شعرتَ في هذا الوقت ، أي : وقت النهي ، أنه يُخاطَب به أناس عندهم حِرصٌ بالِغٌ على الصلاة ، حتى يقالَ لهم : لا تصلوا في هذه الأوقات .
هل تذكر أنك في يومٍ من الأيام اشتقتَ إلى الصلاة ، فقمتَ من غيرِ سببٍ ، وتوضأتَ وصليتَ ركعتين في غيرِ أوقاتِ النهيِ ؟
فالصحابة رضي الله عنهم كان عندهم هذا الشوقُ ، لدرجة أنه يُقالُ لهم لا تصلوا في هذه الأوقاتِ ، لأن عندهم شوقًا للصلاة .
ويدل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة كانوا يصلون في السفر وهُم على الدوابِّ ، فاجتمعت لهم مشقّةُ السَّفر وعلى دابّة ، ومع ذلك يصلون ويحبون الصلاة ويأنسون بها ويشتاقون إليها
فعند الترمذي أن بلالاً رضي الله عنه قال : ” مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ، وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ ، إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا ، وَرَأَيْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ ” صححه الشيخ الألباني في “صحيح سنن الترمذي”
هذا الشوق أوصله إلى الجنة ، فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام : ” يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ ، قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا ، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ ، مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ ” رواه البخاري ومسلم .
غذاءُ الرُّوحِ :
كَمْ نَحْرِصُ ونَعتَنِي بِغِذاءِ الأبدانِ ، ونُهمِلُ غذاءَ الأرواحِ
قال ابنُ القيمِ : وحضَرتُ شيخَ الاسلام ابنَ تيميةَ مرّةً صلى الفجرَ ثم جَلسَ يَذكُرُ اللهَ تعالى إلى قَريبٍ مِن انتصافِ النهارِ ، ثم الْتَفتَ إليَّ وقالَ : هذه غَدْوتي ، ولو لم أتَغدَّ الغداءَ سَقَطَتْ قُوّتي .
أو كلاماً قريباً مِن هذا .
وقال لي مرةً : لا أتْرُكُ الذِّكْرَ إلاّ بِنِيّةِ إجْمامِ نفسِي وإراحتِها لأستعدَّ بتلكَ الراحةِ لِذِكْرٍ آخرَ .
أو كلاما هذا معناه .
وكانت حَياة السَّلَف مَلِيئة بالطّاعات ، مُزدَانَة بِالقُرْب والقُرُبات
السلفُ وما قَبْل صلاة المغرب :
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : كُنّا بِالمدينة فإذا أذّن المؤذن لِصَلاة المغرب ابْتَدَرُوا السّوَارِي ، فيَرْكَعون رَكْعَتين رَكْعتين ، حتى إن الرّجُل الغَرِيب ليَدْخل المسجد فيَحْسب أن الصلاة قد صُلِّيت مِن كَثْرة مَن يُصَلّيهما . رواه مسلم .
وقال أنس رضي الله عنه : لقد رَأيتُ كِبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُون السّوارِي عند المغرب . وفي رواية : حتى يَخْرُج النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .
وقال أنس رضي الله عنه : كان إذا قام المؤذن فأذّن صلاة المغرب في المسجد بالمدينة ، قام مَن شاء فصَلّى حتى تُقَام الصلاة ، ومَن شاء رَكَع رَكعتين ثم قَعد ، وذلك بِعَين النبي صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد .
السلفُ وما بين العِشائين (ما بين المغرب إلى العشاء) :
كان بعض السَّلَف يُحيي ما بين المغرب والعشاء بالصلاة .
قَال عَبْد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه : نِعْمَ سَاعَةُ الْغَفْلَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، يَعْنِي : الصَّلاة . رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة .
وقَال عَبْد اللَّه بن عُمَر : صَلاةُ الأَوَّابِينَ : مَا بَيْنَ أَنْ يَلْتَفِتَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ يَثُوبَ إِلَى الْعِشَاءِ . رواه ابن أبي شيبة .
ورَوَى ثَابِت عَن أَنَس أَنَّهُ كَان يُصَلِّي مَا بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاء ، وَيَقُول : هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ . رواه ابن أبي شيبة .
وكذلك : كَان سَعِيد بن جُبَيْر يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيَقُول : هِيَ نَاشِئَةُ اللَّيْل . رواه ابن أبي شيبة .
ورَوَى الشَّعْبِيّ عَن شُرَيْحٍ أَنَّه كَان يُصَلِّي مَا بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء . رواه ابن أبي شيبة .
ومِن السَّلَف مَن كان يَرَى أن هذه الآية : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) في الصلاة ما بين المغرب والعشاء .
رَوَى قَتَادَة عَن أَنَس رضي الله عنه فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) قَال : كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ فِيمَا بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، فَيُصَلُّونَ . رواه ابن أبي شيبة .
ورَوى إِبْرَاهِيم بن مُهَاجِر عَنْ إِبْرَاهِيمَ النّخَعي ، قَال : كَانُوا يُشبهُون صَلاةَ الْعِشَاءِ ، وَمَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، بِصَلاةِ اللَّيْلِ . رواه ابن أبي شيبة .
ومِن السَّلَف مَن كان يُصلّي ما بين الظهر إلى العصر .
قَال الشَّعْبِيّ : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ [يعني : ابن مسعود رضي الله عنه] يُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْر . رواه ابن أبي شيبة .
وكَان ابن عُمَرَ يُحْيِي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ . رواه ابن أبي شيبة .
السلفُ وحال السَّفَر :
ما كان عند السَّلَف وَقْت ضائع ! ولذا كانوا يُصلّون على رواحلهم في السَّفَر ، كما تقدّم .
وكان عليه الصلاة والسلام يُصلي النافلة على رَاحِلته في السّفَر حيث تَوَجّهَت به . كما في الصحيحين .
وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : بَعَثَني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ، فجئت وهو يُصلّي على رَاحِلته نحو المشرق ، والسجود أخفض مِن الركوع . رواه الإمام أحمد . وأبو داود والترمذي ، وصححه الألباني والأرنؤوط ، وأصله في صحيح مسلم دون وصف الركوع والسجود .
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلّي على راحلته في التطوع حيثما توجّهَت به يُومِئ إيماءً ، ويجعل السجود أخفض مِن الركوع . رواه الإمام أحمد .
وفي صحيح مسلم مِن طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي وهو مُقبِل مِن مكة إلى المدينة على رَاحِلته حيث كان وَجْهه . قال : وفيه نَزَلَتْ : (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر على رَاحِلته . رواه مسلم .
وفي صحيح مسلم مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ .
السلفُ وعصْرُ يومِ الجمعةِ :
1 – كان طاووسُ بنُ كيسانَ إذا صَلّى العصرَ يومَ الْجُمعةِ ، استقبلَ القبلةَ ، ولم يُكلِّمْ أحدًا حتى تغربَ الشمسُ . (تاريخُ واسِط ، لِبَحْشَل)
2 – كان الْمُفَضَّلُ بنُ فَضَالَةَ إذا صلّى عصرَ يومِ الجمعةِ ، خَلا في ناحيةِ المسجدِ وَحدَه ، فلا يزالُ يدعو حتى تغربَ الشمسُ . (أخبار القضاة ، لِوَكيع)
3 – وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذا صَلَّى الْعَصْرَ لَم يُكَلِّم أَحَدًا حَتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ .
(زاد المعاد ، لابن القيم)
4 – قَال مُوسَى بن عَبْدِ اللَّه بن يَزِيدَ الأَنْصَارِيّ : رُبَّمَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ ، وَيَزِيدَ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْعَامِرِيَّ – وَكَانَ عِدَادُهُ فِي الأَنْصَارِ – يَجْلِسُ أَحَدَهُمَا إِلَى جَنْبِ صَاحِبِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَسْجِدِ ، ثَمَّ لَعَلَّهُمَا لا يَتَكَلَّمَانِ – أَوْ لا يُكَلِّمُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ – حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ . رواه ابن المبارك في ” الزّهد ” .
قال ابنُ القيمِ رحمه الله : وَهَذِهِ السَّاعَةُ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ، يُعَظِّمُهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْمِلَلِ . (زاد المعاد)
هل سمعتَ بِخُسُوفِ القلب ؟!
قال ابنُ القيمِ : ومتى رأيتَ القَلبَ قد تَرَحَّلَ عنه حُبُّ اللهِ والاستعدادُ للِقائه وحَلَّ فيه حُبُّ المخلوقِ والرضا بالحياةِ الدنيا والطمأنينةُ بها فاعلَمْ أنه قدْ خُسُفِ به .
ومتى أقْحَطَتِ العينُ مِن البكاءِ مِن خشيةِ اللهِ تعالى فاعلَمْ أنَّ قَحْطَها مِنْ قَسوةِ القلبِ ، وأبعدُ القلوبِ مِنَ اللهِ القلبُ القاسي .
ومتى رأيتَ نفسَك تَهْرُبُ مِن الأُنْسِ بِه إلى الأُنْسِ بِالْخَلْقِ ، ومِن الخلوةِ مع اللهِ إلى الخلوةِ مع الأغيارِ ؛ فاعلمْ أنك لا تَصلُحُ له .
(بدائع الفوائد)
ومِن الأُنْس بالله : الأُنْس بِكَلامِه
والناس اليوم يستطِيلُون قراءة الإمام ، وهي قصيرة ، والصحابة رضي الله عنهم يَرونها قصيرة رَغْم طُولِها !
في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه : فقَام بِنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ذهب نحو مِن ثُلث الليل ، ثم لم يَقُم بِنَا الليلة الرابعة ، وقام بِنَا الليلة التي تَلِيها حتى ذهب نحو مِن شَطْر الليل ، قال : فقُلْنا : يا رسول الله ، لو نَفّلْتَنَا بَقِيّة لَيْلَتِنا هذه ! قال : إن الرّجُل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له بَقِيّة لَيْلَته . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وقال عبد الرحمن بن هُرْمُز : كان القارئ يَقرأ سُورة البقرة في ثمانِ ركعات ، فإذا قام بها في اثنتي عشرة ركعة رَأى الناس أنه قد خَفَّف . رواه الإمام مالك، ومِن طريقِه : رواه عبد الرزاق في ” الْمُصَنَّف ” والبيهقي في ” شُعب الإيمان ” .
وسِرّ المسألة : في طَهَارة القَلْب ، ومَحَبّة القُرْب والقُرَب
قال عثمان بن عفّان رضي الله عنه : لو أن قُلُوبنا طَهُرت ما شَبِعنا مِن كلام رَبّنا ، وإني لأكْرَه أن يأتي علي يوم لا أنظُر في الْمُصْحَف . رواه البيهقي في ” شُعب الإيمان ” .
وقال سَهْل التستريّ : علامةُ حُبِّ اللَّهِ ، حُبُّ القرآنِ .
وقال أبو سعيدٍ الخرّاز : مَن أحبَّ اللَّهَ أحبَّ كلامَ اللهِ ، ولم يَشْبَع مِن تِلاوتِه .
الرياض – محرم – 1441 هـ