محاضرة قصيرة بعنوان … لماذا تتأخر إجابة الدعاء ؟
المحاضرة مرئية هنا :
الحمدُ لله حمدًا طيّبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه؛ كما يُحبّ ربُّنا ويرضى. وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدهُ ورسولهُ، اللّهمّ صلّ وسلّم على عَبدك ونبيّك مُحمّد، وعلى آلهِ وأصحابه الطّيّبين الطّاهرين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدّين.
الحمدُ لله الذي جَعل لعبادِه مِن كُلّ همٍّ فرجًا، ونوّع لهُم طُرُق الفَرَج.
فالصّدقةُ فيها تفريج كُرُباتٍ وفيها شِفاء، وفيها تداوي والإحسانُ فيه فرجٌ، و ((هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ)) [الرحمن: 60].
والدُّعاءُ مِن أعظَم أبوابِ الفرج؛ ولذلكَ سمّاهُ الله عزّ وجلّ عبادة. ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [الرحمن: 60]. والنّبيّ صلى اللهُ عليه وسلّم ففي مُسند الإمام أحمد؛ يقول النّبي عليه الصّلاة والسّلامُ: ” الدّعاء هو العبادةُ “([1]) -الدّعاء هو العبادةُ – ثُمّ قرأ النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ هذه الآية: ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) [الرحمن: 60]. وأخبر الله عزّ وجلّ عن نفسِه أنّهُ قريبٌ، قريبٌ مِن عِباده ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) [البقرة: 186]. في الآياتِ التي سُئلَ عنها النّبيّ عليه الصّلاة والسّلامُ (يسألونكَ)، تأتي الإجابةُ: قُل. أي قُل يا مُحمّد. إلاّ في هذه الآية كما يقولُ العُلماءُ: حتّى لا يُتوهّم أنّ فيه واسِطة بين الحقّ سُبحانه وتعالى وبين الخَلق. وحتّى يكونُ ذلك أدعى للإجابةِ وللقُرب. ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي)). مُباشرةً وعلى سَبيل التّأكيد ((فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ)). وهذه الآية فيها عُمومٌ، عُموم الإجابة.
ومِن فضلِ الله عزّ وجلّ، ومن كرمهِ أنّهُ يُجيبُ دُعاء أوليائه، ويُجيبُ دُعاء أعدائهِ! أمّا أولياؤهُ فيدعونهُ رَغبًا ورَهبًا، سرًّا وعلانيةً، تضرُّعًا وخُفيةً، يَدعونهُ في كُلّ حينٍ؛ ولذلكَ جاءَ في الحديثِ عند التّرمذيّ: ” من أحبّ أن يُستجاب لهُ عندَ الشّدائِد والكُرب – يعني في حالِ الشّدائِد، وبحاجةٍ إلى هذا التّفريجِ – ” من أحبّ أن ُستجاب لهُ عندَ الشّدائِد والكُرب؛ فليُكثر من الدُّعاء في الرّخاء “([2]) – فليُكثر من الدُّعاء في الرّخاء – ولذلك تجِد بعض النّاس سريع إذا صلّى! كأنّ ليس له حاجةً إلى الله عزّ وجلّ! لا يطمئنّ في سُجوده، لا يُطيلُ في هذا السُّجود! لا يسأل الله عزّ وجلّ! والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أمرَ بالدّعاء في السّجود – كما في صحيح مُسلم – ” وأمّا السّجود فأكثِروا فيهِ من الدُّعاء؛ فقمِنٌ – أي حريٌّ وقريبٌ – فقمِنٌ أن يُستجاب لكمُ” وفي حديث ابن مسعود – في الصّحيحين – لمّا علّمهم التّشهّد، والدُّعاء بعد التّشهّد، قال: ثمّ ليتخيّر من الدُّعاء بعدَ ما شاء – ما شاء مِن خَيري الدُّنيا والآخرة – هذه في حال دُعاء الأولياء، دُعاء المؤمنين، وأمّا أعداؤه فإنّ الله عزّ وجلّ يستجيبُ لهُم في الشّدائد، قد أخبرَنا الله عزّ وجلّ أنّهُم إذا ركبوا في الفُلك ((دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)) [العنكبوت: 65]. وأخبَر أنّهُ يستجيبُ لهُم، وأنّهُ يُنجّيهم من الكَرب، وأنّهُ يُنجّيهم من ظُلمات البرّ والبَحر. ثُمّ إذا أنجاهُم إذا هُم يُشركون. فالدُّعاء والتّوحيد كما يقولُ ابن القيّم رحمه الله مفزعٌ لأولياء الله، ومفزعٌ لأعداء الله. ولو لم يكُن في الدُّعاء إلاّ صِدق اللُّجوء إلى الله عزّ وجلّ، وتحقيق التّوحيد لكفى! ولو لم يكُن في الابتِلاءات والشّدائد والمحن والفِتن إلاّ تحقيقَ التّوحيد لكفى. انظُر مثلاً إلى حالِ المُشركين إذا ركِبوا في الفُلك: ((دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ))! هُنا لمّا تأتي الشّدائِدُ، وتأتي الكُرب؛ يكونُ هُناك إخلاصٌ لله عزّ وجل؛ لأنّ الجميع يعلمُ أنّهُ لا ينفَعُ إلاّ الله. لمّا جاء رجلٌ إلى النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وأسلَم، فسألهُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: كم تعبُد؟! قال: سَبعَة آلهة: ستّة في الأرض، وواحِد في السّماء! قال له: مَن لرغَبكَ ورَهبكَ؟! في حاجاتٍ تُريدُها ترغبها، وحاجاتٌ ترهَبُها، مطالِب تُريدُها، وأشياء تُريدُ أن تنجوَ منها؛ مَن لَها؟! قال: الذي في السّماء! يعلمُ في حقيقة الأمر، وفي قرارة نفسهِ أنّ هذه لا تنفعُ ولا تضُرُّ! وإنّما النّافعُ، وإنّما المالِكُ، وإنّما المانعُ، وإنّما المُعطي هُو اللهُ عزّ وجلّ.
كثيرٌ من النّاسِ يلجأ إلى الله عزّ وجلّ في الدُّعاء فيرى أنّه لا أثَر لهذا الدُّعاء، ولَم يُستجب لهُ! فربّما تركَ الدّعاء! والواجِب على المُسلم إذا فُتح لهُ بابُ الدّعاء أن يستمرّ في هذا الباب؛ سواءً كان لهُ حاجَة، أو لَم يكُن لهُ حاجةٌ. لأنّه أوّلاً يتعبّد لله عزّ وجلّ، يتذلّل له عزّ وجلّ، يتعبّد لله عزّ وجلّ بأسمائهِ الحُسنى، وصِفاته العُلا.
لمّا يسأل الله عزّ وجلّ التّوبة، والتّوبة مطلوبةٌ في كُلّ وقت، هُو بحاجةٍ إلى هذه النّعمة. يقولُ ابن القيّم رحمهُ الله: لا يُقدّر هذه النّعمة – نعمة التّوبة – حقّ قدرها إلاّ من تأمّل فيما أنزلهُ الله عزّ وجلّ على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بعدَ آخَر غَزوةٍ قضاها، أو بعدَ آخَر غَزوةٍ غَزاها. ((لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)) [التوبة: 117]. يقولُ: لا يعرف قدر التّوبة؛ إلاّ من تأمّل هذه الآية.
أنتَ في كُلّ وقتٍ، في كُلّ حينٍ مُحتاجٌ للثّباتِ. في كُلّ حين مُحتاجٌ إلى صلاحِ قلبِكَ، . في كُلّ حين مُحتاجٌ إلى الهداية؛ ولذلك نحنُ نقولُ في كُلّ ركعةٍ: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)) [الفاتحة: 6]. أنت بحاجة إلى أن ترى الحقّ حقًّا وتُرزَق تّباعهُ، وبحاجةٍ إلى أن ترى الباطِل باطِلاً وتُوفّق – تُوفّق – لاجتِنابهِ. ولذلك يقولُ ابن كثير رحمهُ الله في تفسيره: وفي الدّعاء المأثور اللّهمّ أرِنا الحقّ حقًّا وارزُقنا اتّباعهُ، وأرِنا الباطل باطِلاً ووفّقنا لاجتِنابه، ولا تجعلهُ مُلتبِسًا علينا فنضلّ، واجعَلنا للمُتّقين إمامًا. الرّجُل قد ينقلبُ في ساعةٍ! ينقلبُ عن دينه؛ كما جاءَ عن أبي الدّرداء رَضي الله عنهُ، يقول: مَن يأَمن البَلاء؟! – من يأَمن البَلاء؟! – فأنتَ أوّلاً إذا دعوتَ الله عزّ وجلّ فانظُر: هل عندكَ من مواِنع؟! هل أنت مُتلبّسٌ بشيءٍ مِن موانِع إجابةِ الدُّعاء؟! ولذلك في حديثِ أبي هُريرةَ أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ذكر الرجُل يُطيلُ السّفر – وهو من مظانّ إجابةِ الدّعاء – أشعَث أغبَر، يمُدّ يديهِ إلى السّماء كُلّ هذه من موجِباتِ إجابة الدّعاء، من الأسبابِ: أشعَث أغبَر، يمُدّ يديهِ إلى السّماء، يُطيلُ السّفر: يا ربّ يا ربّ يُلحّ على الله عزّ وجلّ. قال: ” ومَطعمهُ حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذي بالحرام؛ فأنّى يُستجابَ لذلكَ؟! “([3]). بعيدٌ أن يُستجابَ لهُ! فإذا دعوتَ الله عزّ وجلّ؛ فتّش نفسَكَ، فتّش عن هذه المَوانِع.
من الموانِع أن يسأل الإنسان أشياء لا يُمكنُ أن تتحقّق لهُ؛ تجدهُ أحيانًا في بعضِ الرّسائِل، في بعضِ الأدعيةِ: اللّهمّ إنّي أسألُك مُلك سُليمان، وجَمالَ يوسُف، ومِثل هذا الاعتِداء! هذا الاعتِداء في الدُّعاء من موانِع إجابَة الدُّعاء.
من موانِع إجابَة الدُّعاء الاستِعجالُ؛ يقولُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام – كما في الصّحيحينِ -: “ يُستجابُ لأحدكمُ ما لَم يَعجَل، يقولُ قد دَعوتُ فلم يُستجب لي؛ فيدَع الدُّعاء “. يدَع يترُك الدّعاء، دعا فترة، وهذه الفترة قد تكونُ فترة ابتلاء وامتِحان؛ هل يستمرّ أو يتراجَع؟! ولذلكَ جاءَ في – حديث – الحَديث في صَحيح مُسلم: ” لا يزالُ يُستجابُ للعبد ما لَم يدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ “ ([4]) الذي يدعو بإثم كان يدعو على غيره مثلاً بالفواحِش أو بالكُفرِ أو بغيرها، أو يدعو بقطيعة رحَم أنّ فُلانًا لا يصِلهُ أو أنّه لا يصل فُلانًا أو غير ذلك. ” ما لَم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحمٍ ما لَم يستعجِل ” قالوا: وما الاستعجالُ يا رسول الله؟! وما الاستِعجالُ؟! قال: ” يقولُ: قَد دعوتُ وقد دعوتُ فلم أرَ يستجيبُ لي” – يعني الله عزّ وجلّ – يقولُ: ما أراهُ استجاب لي! أنا دعوتُ ودعوتُ! فلَم أرَ يستجيبُ لي، قال: ” فيستَحسِر عندَ ذلك، ويدَعْ الدّعاء “ يترُك الدّعاء. وهو على كُلّ حالٍ في عبادةٍ، طالما أنّهُ يدعو الله عزّ وجلّ فهو في عبادةٍ، في تذلُّل لله عزّ وجلّ. وذلك جاء عند ابن أبي الدُّنيا أنّ مُحمّد بن عليّ الباقِر وهو من أئمّة الإسلام؛ وإن ادّعتهُ وانتَسبت إليه الرّافِضةُ – أنّ مُحمّد الباقِر – مُحمّد بن عليّ الباقِر مرّ بمُحمّد بن المُنكدر فرآه مغمومًا، رآهُ عليه أثر الحُزن؛ فقال: ما به؟! ما سَبب هذا الغمّ؟! فقال أبو حازِم: ذلك لدينٍ فدَحَهُ. مثل ما تقول: حادِث فادِح يعني شديدٌ. ذلك لدينٍ فدَحَهُ: دينٌ عظيمٌ. قال مُحمّد بن عليّ: أفُتِح لهُ في الدّعاء؟! – فُتِح لهُ في الدّعاء؟!، ألهِم الدّعاء؟! – قيلَ: نَعم! قالَ: لقد بورِكَ – يقولُ مُحمّد بن عليّ -: لقد بورِك لعبدٍ في حاجةٍ فُتِح لهُ بسببها الدُّعاء. كائنةً ما كانَت! يعني سواء كانت قليلةً أو كثيرةً، من حوائج الدُّنيا أو من حوائِج الآخِرة، هذي حاجةٌ مُباركةٌ. الحاجة التي جَعلت تقرع أبوابَ المَلك كما يقولُ أبو الدّرداء، وكما يقولُ ابن مسعود رضي الله عنهم: الحاجة التي جعلت تقرع أبواب الملك سُبحانه وتعالى حاجةٌ فيها بركةٌ، مُباركةٌ. الحاجةُ التي تُعيدُك إلى الله عزّ وجلّ حاجةٌ مُباركةٌ؛ بخلاف الحاجة التي تُبعدك مثل: متاع الدُّنيا، والطُّغيان، الصّحّة، والعافية تُلهيك ((كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ)) [العلق: 6-7]. هذي حاجةٌ تُبعدك عن الله عزّ وجلّ!
أنتَ بحاجةٍ إلى ما يُقرّبك إلى الله عزّ وجلّ. يقولُ شيخُ الإسلام ابن تيمية: قالَ بعضُ السّلف: لقد بورك لك يا ابن آدَم في حاجةٍ أكثَرت فيها من قرعِ بابِ سيّدكَ! وهو الله عزّ وجلّ. قال: يقولُ بعضُ السّلفِ: إنّها لتكونُ ليَ الحاجةُ فأسألُ الله عزّ وجلّ فيها؛ فيُفتح لي من لذيذِ معرفتهِ ومُناجاته، ومن فعل الخَير؛ ما لا أحبّ أن تنقضي معه هذه الحاجةُ! يعني حاجةٌ طرأت ففُتحت لهذا الإنسان أبوابُ الدُّعاء، وأصبحَ يتذلّلُ لله عزّ وجلّ، وأصبَح يُناجي الله عزّ وجلّ، ويتلذّذ بهذه المُناجاة! يقولُ: ما أحِبُّ أن تُقضى لأنّ النّفسَ لا تُريدُ إلاّ حظّها، فإذا قُضيَ انصَرفَت! – فإذا قُضيَ انصَرفَت – ولذلك من الأشياء المُباركَة التي تُعيدُك إلى الله عزّ وجلّ أن يكونَ لكَ حاجةٌ ولا تسألها من النّاس؛ بَل تسألها من الله عزّ وجلّ. ثُمّ تُلحّ على الله عزّ وجلّ، ثُمّ تسألُ فيُقال لكَ: بابُ التّوبةِ من الذُّنوبِ من أعظَم أسبابِ إجابةِ الدُّعاء؛ فتتخلّى عن الذُّنوب وتتوبُ. هذا بابُ خير فيه بركةٌ. ثُمّ تسألُ فيُقالُ لكَ: الصّدقةُ من أسبابِ إجابةِ الدُّعاء. فتُكثر الصّدقات، ثُمّ تسألُ فيُقال لك: كثرةُ الذكر والاستغفار. فتُكثِرُ من الذّكر والاستغفار. ثُمّ تسألُ فيُقالُ لكَ: جوفُ اللّيل. أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربّه، وأقربُ ما يكونُ الرّبُّ من عبدهِ في جوفِ اللّيل، والعَبدُ ساجدًا. فتُكثِر من قيام اللّيلِ. وتتابعُ عليكَ الخَيراتُ بسَببِ حاجةٍ واحدةٍ أنزلتها بالله عزّ وجلّ! فكَم من الطّاعاتِ جرّتكَ لها هذه الحاجةُ الواحدةُ؟! وأنتَ لا تشعُرُ! وفعلاً لو انقَضت هذه الحاجةُ رُبّما انصَرف الإنسانُ؛ كما نُقلَ عن بعضِ السّلفِ.
ويَنبغي أن يُعلمَ أنّ الإنسان إذا خَلا مِن الموانِع، ودَعا الله عزّ وجلّ مُخلصًا أنّه لا يَخلو مِن حالة من ثلاثٍ: جاء في الحَديث الصّحيح عند الإمام أحمد أنّهُ: “ما مِن عبدٍ يَدعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةَ رَحِم إلاّ أعطاهُ الله بها إحدى ثلاثٍ إمّا أن تُعجّل لهُ دعوتهُ – وهذا مُشاهدٌ يُعطى إيّاه مُباشرةً – وإمّا يُصرف عنهُ من السّوءِ مثلها – يصرفُ الله عنهُ من السّوء بمثل ما دَعا أو أكثَر وهو لا يشعُر بهِ! ربّما يشعُر بهِ إذ رأى رؤيا وفُسّرت لهُ بهذا؛ لكن الذي يُصرف عنهُ من الحَوادث والمصائِب والحرائق وغَير ذلك والخَسائِر – لا يُدركهُ، لا يُحيط بها ولا يُدركها – وإمّا – وهذي من أنفَسِها – وإمّا أن يدّخِرَها اللهُ لهُ في الآخِرةِ”([5]). يعني هذه الدّعواتُ التي رُفِعت ما ضاعَت. إمّا أن تُستجابَ مُباشرةً، وإمّا أن يُصرَف عنك من السّوء بمِثل ما دعوتَ، وإمّا أن تُدّخر لكَ في الآخِرة، وتجِد أجرَها وبرّها وذُخرها يوم لا ينفع مالٌ ولا بنونَ. فأنتَ مادُمت في دُعاء فأنت في عبادة، وما دُمتَ في صَلاة فأنتَ تقرعُ باب المَلك كما يقول ابنُ مسعود رضي الله عنهُ؛ فأكثر مِن هذ القَرع، وأكثِر من الدُّعاء، وتضرّع إلى الله عزّ وجلّ، والجأ إليهِ بصِدقٍ، وادعُ وأنتَ موقِنٌ بالإجابةِ؛ كما أمرَ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلامِ.
اللهمّ اشفِ مَرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، اللّهمّ فرّج هممّ المهمومينَ، ونفّس كربَ المكروبينَ، واقضِ الدّين عن المَدينين.
جزاكمُ اللهُ خيرَ الجَزاء، وأحسَن الله إليكُم. والله أعلمُ. وصلّى الله وسلّم على نبيّنا مُحمّد.
([1]) أبو داود 1479- الترمذي 2969 – وابن ماجة 3828