وجها لوجـه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَجْـه رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلّ على أنه رسول الله وكَفى، وَجْـه رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنبـئ عن وَجْـه صَادِق
قال عبد الله بن سلام رضي الله عنه : لَمَّا قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انْجَفَل الناس إليه ، وقيل : قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت في الناس لأنظر إليه ، فلما اسْتَثْبَتُّ وَجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم عَرَفْت أن وَجْهه ليس بِوَجْه كَذّاب .. الحديث . رواه الإمام أحمد والترمذي .
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : سَمِعَ عبدُ الله بن سلام بِقُدُوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يَخْتَرِف ، فأتى النبيَ صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلاَّ نبي :
فما أول أشراط الساعة ؟
وما أول طعام أهل الجنة ؟
وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟
قال : أخبرني بهن جبريل آنفا .
قال : جبريل ؟!
قال : نعم .
قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة !
فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ )
ثم قال :
أما أولُ أشراط الساعة ، فَنَارٌ تحشرُ الناس من المشرق إلى المغرب .
وأما أولُ طعامِ أهل الجنة ، فزيادة كَبدِ حُوت .
وإذا سَبَق ماءُ الرجل ماء المرأة نَـزَع الولد ، وإذا سَبَق ماءُ المرأة نَزَعَت .
قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قومٌ بُهْت ، وإنـهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يَبْهَتُوني .
فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ رجل عبدُ الله فيكم ؟
قالوا : خَيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا .
قال : أرأيتم إن أسْلَم عبدُ الله بن سلام ؟
فقالوا : أعاذه الله من ذلك !
فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فقالوا : شرُّنا وابن شرِّنا وانْتَقَصُوه !
قال : فهذا الذي كُنت أخاف يا رسول الله .
وهذا جابر بن سليم رضي الله عنه يُحدّث فيقول : رأيت رَجُلاً يَصْدر الناس عن رأيه ، لا يقول شيئا إلاَّ صَدَروا عنه .
قلت : من هذا ؟
قالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : عليك السلام يا رسول الله – مرتين – !
قال : لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الميت ، قل : السلام عليك .
قال : قلت : أنت رسول الله ؟
قال : أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضُرّ فَدَعوته كَشَفه عنك ، وإن أصابك عامُ سَنَة فَدعوته أنْبَتَها لك ، وإذا كنت بأرض قَفْرَاء أو فَلاة فَضَلَّت راحلتك ، فَدَعوته رَدّها عليك .
قال : قلت : اعْهَد إليّ .
قال : لا تَسُبَّنّ أحَدًا .
قال : فما سَبَبْتُ بَعْده حُـرًّا ولا عَبْدًا ، ولا بعيرا ولا شاة .
قال : ولا تحقرن شيئا من المعروف ، تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْرُوفِ ، وارفع إزارك إلى نِصف الساق ، فإن أَبَيْت فإلى الكعبين ، وإياك وإسبال الإزار ، الْمَخِيلَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ ، وإن امْرؤ شَتمك وعَيَّرك بما يَعلم فيك ، فلا تُعَيِّره بما تعلم فيه ، فإنما وَبَال ذلك عليه . رواه أبو داود . وصححه الألباني .
أرأيت كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتميّز عن أصحابه حتى يُسأل عنه ؟
وكيف تَبَسّطه مع الناس ووصيّته بهم خيرا ؟
وكيف يُوصي رجل أسلم لِتَوِّه – كما في بعض الروايات – بِهَذه الوصايا الجامعة ؟
[ وفيه ردّ على من يقول : أهم شيء الإيمان ! ولا تتكلّم أوْ لا تنظر في المظاهِر والشكليّات ! ]
وذاك ضِمام بن ثعلبة رجُل مُبَارَك .. أفضل وافِد .. فما خَبَر ضِمام ؟
عن عبد الله بن عباس قال : بَعَثت بنو سعد بن بكر (ضِمام بن ثعلبة) وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عليه ، وأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عَقَله ، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، وكان ضِمام رجلا جَلْدًا أشْعر ذا غَدِيرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه
فقال : أيكم ابن عبد المطلب ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبد المطلب .
قال : محمد ؟
قال : نعم .
فقال بن عبد المطلب إنى سائلك ومُغْلِظ في المسألة ، فلا تجدنّ في نفسك .
قال : لا أجد في نفسي ، فَسَلْ عما بدا لك .
قال : أنشدك الله إلهك ، وإله مَن كان قبلك ، وإله مَن هو كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رَسولا ؟
فقال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك ، وإله مَن كان قبلك ، وإله مَن هو كائن بعدك ، آلله أمَرك أن تأمُرنا أن نَعبده وَحْده لا نُشرك به شيئا ، وأن نَخْلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يَعبدون معه ؟
قال : اللهم نعم .
قال : فأنشدك الله إلهك ، وإله مَن كان قبلك ، وإله مَن هو كائن بعدك ، آلله أمَرك أن نُصَلي هذه الصلوات الخمس ؟
قال : اللهم نعم .
قال : ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فَريضة فريضة : الزكاة ، والصيام ، والحج ، وشرائع الإسلام كلها ، يُنَاشِده عند كل فريضة كما يُنَاشِده في التي قبلها ، حتى إذا فَرَغ قال : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، وسأؤدِّي هذه الفرائض ، وأجْتنب ما نَهَيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص . قال : ثم انصرف رَاجِعًا إلى بعيره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولّى : إنْ يَصْدق ذو العَقِيصتين يَدخل الجنة .
قال : فأتى إلى بعيره ، فأطْلَق عِقَاله ، ثم خَرَج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تَكَلَّم به أن قال : بِئست اللات والعُزّى !
قالوا : مه يا ضمام ، اتق البَرَص والْجُذَام ! اتق الجنون !
قال : ويلكم ! إنهما والله لا يَضُرّان ولا يَنفعان ، إن الله عز وجل قد بَعَث رسولا ، وأنزل عليه كتابا استَنْقَذَكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ، ونهاكم عنه . قال : فو الله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضِرِه رجل ولا امرأة إلاَّ مُسْلِمًا .
قال ابن عباس : فما سمعنا بِوَافدِ قَوم كان أفضل مِن ضمام بن ثعلبة . رواه الإمام أحمد ، وأصله في صحيح البخاري .
وحدّث أبو أيوب رضي الله عنه أن أعرابيا عَرَض لِرَسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سَفر ، فأخذ بخطام ناقته أو بِزمامها ، ثم قال : يا رسول الله ، أو يا محمد ، أخبرني بما يُقَرِّبني من الجنة ، وما يُباعدني من النار . قال : فَكَفّ النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نظر في أصحابه ، ثم قال : لقد وُفّـق ، أو لقد هُدِي . قال : كيف قلت ؟ قال : فأعاد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتَصِل الرَّحم . دَع الناقة . رواه البخاري ومسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : دلّني على عَمل إذا عَمِلته دخلت الجنة . قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا . فلما ولّى قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَن سَرّه أن يَنظر إلى رجل مِن أهل الجنة ، فلينظر إلى هذا . رواه البخاري ومسلم.
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم