نفحات ولفحات
حينما تهب النفحات
وتتابع مواسم الخيرات
فإن المؤمن مأمور باستغلال تلك المواسم ، والتعرض لتلك النفحات ..
قال عليه الصلاة والسلام : اطلبوا الخير دَهْرَكم كُلّه ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحَات الله عز وجل ، فإن لله نَفَحَات مِن رحمته يُصيب بها من يشاء من عباده ، وسَلوه أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم . رواه الطبراني والبيهقي في شُعب الإيمان وابن عبد البر في التمهيد والاستذكار ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة . وقال الألباني : حَسَن .
إلاَّ أن طائفة مُوغِلة في الغِواية .. ومُتَرَدِّيَة في حَمْـأة الشهوات .. تأبى تلك الطائفة إلاَّ أن تُجَافِي تلك النفحات .. بينما تسير حافية القَدَمين في حَمَّارَة القيظ !
وتَبْرُز في هاجِرة الصيف تتعرض لـ ” لفحات ” تُسَوِّد الوجوه ، ويبقى أثرها على الوَجَنَات والْجِبَاه !
وتلك علامة الشقاء أن تُهْجَر الظلال الوارفة والثمار اليانعة – إلى لَفَحات السموم الحارة دون حاجة !
وإن تَعْجَب فاعْجَب لِحَال أُنَاس جاءتهم النفحات الرمضانية وهم لا زالوا في هاجرة المعاصي وحَرّ الذنوب .. لم تُغْسَل بَعْد بالماء والثلج والبَرَد !
لا زلت أتَذَكّر موقف بعض الواقفين في صحراء الذنوب القاحلة ، وهاجرة المعاصي الحارقة ، وقد اجتمع مجموعة من الشباب في محل تسجيلات أغاني يختارون من أسباب الشقاء وفُنونه ، وكان ذلك في ليلة السابع والعشرين من رمضان في عام مضى ..
ففتحت عليهم الباب وقلت لهم كلمة واحدة :
أتدرون أي ليلة هذه ؟!
هذا أنموذج ، والنماذج كثيرة
فَـتِّش في أجهزة الجوال ، أو في أجهزة الحاسب المحمولة ، أو في بعض الشُّـنَط !
وقبل أن تفتش حَاذِر مِن لَفحات الْهَاجِرَة !
وضَع يدك على أنفك ! فإن ثَمَّة عَفَن سَوف يعصف بأنْفِك !!
عَفَن صُور فاضِحة ، ومَقَاطِع مُخْزِية
صور فاضحة ربما استحيا إبليس أن ينظر إليها !
ألا إن تلك الصور الفاضحة والمقاطع الآثمة ما هي إلاّ عبارة عن جبال من السيئات .. ومجاري من القاذورات !
وهي داعية الفواحش وصَوت الإفساد .
وقد تكون تلك الصور لِمَا وَقع فيه الشخص في أوحال الرذيلة .. ولِمَا ولغ فيه مِن قاذورات الأخلاق !
هل سمعت بتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لتلك الجرائم ؟
قال عليه الصلاة والسلام : اجتنبوا هذه القاذورات التي نَهى الله عنها ، فمن ألَمَّ فليستتر بِسِتر الله ، ولْـيَـتُب إلى الله ، فإنه من يُبـْـدِ لنا صَفْحته نُقِم عليه كتاب الله عز وجل . رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ، ورواه غيره ، وصححه الألباني .
فكيف إذا انضاف إلى ذلك هَتك السِّتر الذي بين العبد وبين رَبِّـه ؟
فإذا ما عَرض عَارِض صُورًا إباحية أو مَقَاطع مُخْزِية لِقَاذورات تَلَطَّخ بها ، فإنما يجمع السوءات ، وذلك بِعَرْض الصور الفاضحة وفَضيحة نفسه ، وقد بَات يستره ربُّـه ..
وهذا المعنى سبقت الإشارة إلى هذا المعنى في مقال بعنوان :
كل أمة محمد بخير إلا أنت .. !
فإيّـاك إيّـاك .. أن تَـهُبّ عليك النفحات .. ثم لا يُرى عليك إلاّ آثار اللَفَحَات ..
فتأتي يوم القيامة وقد سوّدت وجهك .. كما سَوَّدْت صحائفك ..
(يَوْمَئِذ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) ..
كيف لو مُتّ وهذه الصور في حافظاتك ؟؟ أو في بيتك ؟؟ أو في جيوبك ؟؟
وكيف إذا وُقِفْت بين يدي الله .. ؟ هل يسرّك أن تكون تلك الصور في صحائف أعمالك ؟!
يا مُدْمن اللذَّات ناس غَدْرَها = اذْكُر تَهَجُّم هَادِم اللذاتِ
يا حسرة العاصين يوم معادهم = ولو أنهم سيقوا إلى الجناتِ
لو لم يكن إلا الحياء من الذي = سَتَر الذنوب لأكثروا الحسراتِ
ويُذكِّرك ابن الجوزي فيقول :
يا عظيم الجرأة يا كثير الانبساط .. ما تَخَاف عَواقب هذا الإفْراط ؟
للفائدة :
* في لسان العرب : حَمَّارَة القيظ : بتشديد الراء وحَمَارَته : شِدّة حَـرِّه .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
الرياض 9/9/1428 هـ ..