ولو على ظَهْر قَـتَب
حينما تكون الحياة الزوجية روتينًا مُمِلاًّ ، فقُل على الحب السلام !
أما إذا كان كل طرف يلتمس رضا صاحبه ، فقد خيّم الحب وضرب أطنابه !
ومن هذا الباب جاء الحث على تلبية الرغبات الزوجية المتبادلة بين الطرفين ..
وإنّ مِـن حُـسن عِـشرة كل واحدٍ منهما لصاحبه أن يلبّـي رغباته الغريزية كما يُلَبِّي رغباته المادية والمعيشية ..
وأن يَفهم كل واحدٍ منهما رغبة الآخر وتَطَلّعه ، كما يلحْـظ رغباته الأخرى مِن مأكل ومشرب .
وربما كان التأخّر في تلبية أحد الطرفين رغبة صاحبه عدم الاحتساب ، أو الجهل بِمثل قوله عليه الصلاة والسلام : وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا . رواه مسلم .
قال النووي : وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات ، فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام ، أَوْ الْفِكْر فِيهِ ، أَوْ الْهَمّ بِهِ ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة . اهـ .
وفي قوله عليه الصلاة والسلام : ” وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ” ما يدلّ على الإنسان يُؤجر في مثل هذا ، وإن كان من أخصّ حظوظ النفس .
ويتعيّن على المرأة إمتاع زوجها بالحلال ولو كانت في أصعب الظروف ! ولو لم يكن لها رغبة .
لِمَا في ذلك من حفظ الفروج وغضّ الأبصَار ، والاكتفاء بالحلال عن الحرام .
وتحتسب الأجر في ذلك .. وطلب رِضا الزوج .. إذ هو باب إلى الجنة ..
وفي الحديث : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمَرتُ المرأة أن تسجد لزوجها ، ولا تُؤَدِّي المرأة حقّ الله عز وجل عليها كله حتى تؤدى حقّ زوجها عليها كله ، حتى لو سألها نفسها وهى على ظَهر قَتب لأعطته إياه . رواه الإمام أحمد .
قال ابن الأثير : القَتَب للجَمل كالإِكاف لغيره . ومعناه الحثُّ لهنّ على مُطاوعة أزواجِهن ، وأنه لا يَسعُهُنّ الامتناع في هذه الحال ، فكيف في غيرها ؟
وقيل : إن نسِاء العرب كُنَّ إذا أَردْن الولادة جلسْنَ على قَتَب ويقلن إنه أسْلسُ لخرُوج الولد ، فأُرِيدت تلك الحالة !
قال أبو عبيد : كُنَّا نرى أن المعنى : وهي تَسِير على ظَهْر البعير ، فجاء التفسير بغير ذلك . اهـ .
فإذا كانت لا تمتنع منه في حالٍ كهذه ، فكيف بِغيرها ؟
ومقتضى الأمر أن تُبادر إلى تلبية رغباته الشرعية ، سواء كان لها رغبة أم لم يكن لها رغبة في ذلك .
صحيح أن المعاشرة بين الزوجين تحتاج إلى تهيؤ النفس ، وإلى رغبة ومحبة ، وهذا أفضل ، إلاّ أنه في حال وُجود رغبة للزوج كان على الزوجة تلبية رغبته .
إن مِن النساء من تتشاغل عن زوجها بأعباء الحياة ، كَشُغل البيت ، أو بالأطفال ، أو بالهاتف وغيره ، في لحظة يرجو فيها الزوج أن يجد فيها علاقة حميمة ، وقُرْبًا وأُنْسًا ، وإمتاعًا ورغبة .. ولكنه قد يُفاجأ بالانشغال عنه ، أو بالتشاغل المقصود !
وفي صحيح السنة النبوية : إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور . رواه الترمذي والنسائي في الكبرى .
حتى وإن كانت في صناعة طعام ، ولو أدّى ذلك إلى احتراق بعض الطعام ، أو تأخير كل الأعمال ..
وأعجب من ذلك أن المرأة لا تتشاغل بِحَقّ ربِّها من نوافل الطاعات عن حقّ زوجها ، ولذلك جاء النهي عن أن تصوم المرأة وزوجها حاضر إلاّ بإذنه .
قال عليه الصلاة والسلام : لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية في الصحيحين : لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ .
وعبّر بالبعل للإشعار بِسيادة الرجل على المرأة ..
قال الراغب : قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) ولَمّا تُصور مِن الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها ، كما قال تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ )، سُمّي باسمه كل مُسْتَعْلٍ على غيره . اهـ .
حدثني أحد كبار السن أن رَجلاً من أهل المزارع رغب في معاشرة زوجته ، فأرادت الانصراف عنه ، لتقوم بأعمال البيت ! فلم يكن لها من حِيلة إلاّ أن قالت : كأني اسمع صوت فلان ، وهي تعني : التاجر الذي يُطالب زوجها بالدَّين ! وهي تُريد بذلك إخافته ! لأن صاحب الدّين ذليل !
فانصرف عنها وقام يستقبل التاجر ، فلم يجده ، فعلِم أنها حيلة !
فلما زاره التاجر بعد أيام تأكّد منه أنه لم يأتِ إليه مُطلقا ! فَحَكَى له القصة على سبيل الطرفة ، فقال التاجر : لو كنت أعرف هذا الرجل لأعنته على الزواج من امرأة ثانية ! فأخبره الفلاّح أنه هو صاحب القصة ، فأعانه بِمال أعانه على الزواج .
وهذه لا شكّ أنها إحدى نتائج تشاغل المرأة عن زوجها .. هذا إذا كان يُراقب الله ويخاف عقابه ، أما من لم يكن كذلك فإن عواقب ذلك وخيمة ، من الوقوع في الحرام ، وترك الحلال .
ومن هنا جاء الإسلام بهذه الحلول الشرعية ، والحثّ على إشباع كل طرف لرغبات صاحبه .
قال محمد بن معن الغفاري : أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وأنا أكره أن أشكوه ، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل . فقال لها : نِعْم الزوج زوجك ، فجعلت تُكرر عليه القول ، وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له كعب الأسدي : يا أمير المؤمنين هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه ! فقال عمر : كما فهمت كلامها فأقض بينهما ، فقال كعب : عَلَيّ بزوجها ، فأُتِي به فقال له : إن امرأتك هذه تشكوك . قال : أفي طعام أم شراب ؟ قال : لا ، فقالت المرأة :
يا أيها القاضي الحكيم رشده *** ألهى خليلي عن فراشي مسجده
زَهّده في مضجعي تعبده *** فأقضِ القضا كعب ولا تردده
نهاره وليله ما يرقده ** فلست في أمْـر النساء أحْمَـده
فقال زوجها :
زَهّدني في فرشها وفي الحجل *** إني امرؤ أذهلني ما قد نَـزل
في سورة النحل وفي السبع الطول *** وفي كتاب الله تخويف جلل
فقال كعب :
إن لها عليك حقا يا رجل *** نصيبها في أربع لمن عقل
فأعطها ذاك ودع عنك العلل .
ثم قال : إن الله عز وجل قد أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تَعبد فيهن ربك . فقال عمر : والله ما أدري من أي أمْرَيك أعجب ؛ أمِن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما . اذهب فقد وليتك قضاء البصرة .
وسبق سؤال : ما بال أم الدرداء مُتبذّلـة ؟
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم