محاضرة قصيرة بعنوان … وكان بالمؤمنين رحيما
المحاضرة المرئية هنا :
لا أحدَ أرحَمُ مِن الله .
ومِن رَحمتِه تباركَ وتعالى : أنْ حَمَانا مِن أنفسِنا ، وهذا مِن أعجَبِ ما يَكونُ مِن الرحمةِ واللّطْفِ
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
فنَهَاهُم عمّا يضرُّهم في أموالِهم وفي أنفِسِهم
وفي الآيةِ أقوالٌ :
1 – يَعْنِي : إِخْوَانَكُمْ ، أَيْ : لا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا .
2 – أَرَادَ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ .
3 – لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ . (تفسيرُ البغوي)
قال البيهقي : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) أَيْ : أَنْ مَنَعَكُمْ أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ ، إِذَا كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ اسْتِبْقَاءَكُمْ وَاسْتِحْيَاءَكُمْ لِتَنْعَمُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَتَكْتِسُبُوا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ مَا يُؤَدِّيكُمْ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ . (شُعب الإيمان)
ومِن رَحمته تبارك وتعالى : أن حَرَّم على عِبادِه قَتْلَ أولادِهم ، فقال عزّ وجَلّ : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)
وسُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَال : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قيل : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَال : وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ … رواه البخاري ومسلم .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنْ حَرَّمَ على عِبادِه ما يضرُّهم في أبْدَانِهم وفي أدْيانِهم .
قال اللهُ تبارك وتعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ مَا ذَكَّيْتُمْ)
قال ابنُ كثيرٍ : يُخْبِرُ تَعَالَى عِبَادَهُ خَبَرًا مُتَضَمِّنًا النَّهْيَ عَنْ تَعَاطِي هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الْمِيتَةِ وَهِيَ : مَا مَاتَ مِنَ الْحَيَوَانِ حَتْفَ أَنْفِهِ ، مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَلا اصْطِيَادٍ ، وَمَا ذَاكَ إِلاّ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَضَرَّةِ ، لِمَا فِيهَا مِنَ الدَّمِ الْمُحْتَقِنِ ، فَهِيَ ضَارَّةٌ لِلدِّينِ وَلِلْبَدَنِ ، فَلِهَذَا حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُسْتَثْنَى مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ ، فَإِنَّهُ حَلالٌ سَوَاءٌ مَاتَ بِتَذْكِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا . اهـ .
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : الطَّيِّبَاتُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ مَا كَانَ نَافِعًا لآكِلِهِ فِي دِينِهِ ، وَالْخَبِيثُ مَا كَانَ ضَارًّا لَهُ فِي دِينِهِ .
وَأَصْلُ الدِّينِ : الْعَدْلُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ بِإِقَامَتِهِ ؛ فَمَا أَوْرَثَ الأَكْلَ بَغْيًا وَظُلْمًا حَرَّمَهُ ، كَمَا حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ؛ لأَنَّهَا بَاغِيَةٌ عَادِيَةٌ ، وَالْغَاذِي شَبِيهٌ بِالْمُغْتَذِي ، فَإِذَا تَوَلَّدَ اللَّحْمُ مِنْهَا صَارَ فِي الإِنْسَانِ خُلُقُ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ . اهـ .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه يَعذُرُ ويُحبُّ العُذْرَ ، ويَقبَلُ المعاِذيرَ
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمَعَاذِيرِ .
وفي خَبَرِ آخِرِ أهلِ الجنةِ دُخُولاً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لا ، يَا رَبِّ ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، هَذِهِ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ . رواه مسلم .
قال ابنُ الأثيرِ : ” مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ ” أَيْ : مَا يَقْطَعُ مسْأَلَتَك ويَمنَعُك مِنْ سُؤالي . اهـ .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أن أوْصَانا بِأوْلادِنا : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ)
قال ابنُ كثيرٍ : وَقَدِ اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الأَذْكِيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) أَنَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ بِخَلْقِهِ مِنَ الْوَالِدِ بِوَلَدِهِ ، حَيْثُ أَوْصَى الْوَالِدَيْنِ بِأَوْلادِهِمْ ، فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْهُمْ ، كَمَا جَاءَ في الحديثِ الصحيحِ ، وَقَدْ رَأَى امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ تَدُورُ عَلَى وَلَدِهَا ، فَلَمَّا وَجَدَتْهُ أَخَذَتْهُ فألْصَقَتْه بصَدْرها وَأَرْضَعَتْهُ . فَقَال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : أتُروْن هذهِ طارحةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : لا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قال : فَوَاللهِ للَّهُ أًرْحَمُ بعبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا . اهـ .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنْ هيّأَ لِعبادِه سُبلَ التّنقّلِ والأسفارِ وحَمْلَ الأشياءِ الثقيلةِ ، وجَعَل الأرض مُذلّلَـة للسّيْر فيها وطَلب الرّزق .
قال اللهُ تبارك وتعالى : (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
قال القرطبيُّ : وَهَذِهِ الآيَةُ تَوْقِيفٌ عَلَى آلاءِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ عِنْدَ عِبَادِهِ ، أَيْ : رَبُّكُمُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِكَذَا وَكَذَا فَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . اهـ .
وقال ابنُ كثيرٍ : يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ فِي تَسْخِيرِهِ لِعِبَادِهِ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ، وَتَسْهِيلِهَا لِمَصَالِحِ عِبَادِهِ لابْتِغَائِهِمْ مِنْ فَضْلِهِ فِي التِّجَارَةِ مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ ؛ وَلِهَذَا قال: (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) أَيْ: إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بِكُم مِن فَضلِه عليكُم، ورَحْمَتِه بِكُم . اهـ .
ولذلك قالَ اللهُ عزَّ وجَلَّ مُمْتَنًّا على عِبادِه : (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
وقال عزّ وجَلّ : (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .
وقال تبارك وتعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه يَبْتَلِي عِبادَه ويُمحّصهم بالمصائب ؛ ليُكفِّر عنهم مِن ذُنوبِهم ، ويُزيل ما في أنفسهم مِن الكِبْر والعلوّ والْجَبَرُوت .
قال ابن القيم : وَمَن تَدَبّر حِكْمته سُبْحَانَه ولُطْفه وبِرّه بِعِباده وأحبَابِه وأهل طَاعَته في كَسْرِه لَهُم ثُم جَبْره بَعد الانكسار ، كَمَا يَكسِر العَبْد بِالذّنْب ويُذلّه بِهِ ثمَّ يَجْبره بِتَوبَته عَليه ومَغْفِرته لَهُ ، وكما يَكْسِره بِأنواع المصائب والْمِحَن ثم يَجْبره بِالعَافية والنّعمة = انْفَتح لَهُ بَاب عَظِيم مِن أَبْوَاب مَعْرفَته ومَحَبّته ، وَعَلِم أنه أرْحَم بِعِباده مِن الوَالِدة بِوَلَدِهَا ، وأن ذَلِك الْكسر هُوَ نَفْس رَحمته بِهِ وبِرّه ولُطْفه ، وَهُوَ أعلم بِمَصْلَحَة عَبْده مِنْه ، وَلَكِن العَبْد لِضَعف بَصِيرته ومَعرِفته بِأسْمَاء رَبّه وَصِفَاته لا يكَاد يشْعر بذلك ، وَلا يُنَال رِضَا الْمَحْبوب وقُرْبه والابتهاج والفرح بالدنو مِنْهُ والزّلْفَى لَدَيْهِ إلاّ على جَسْر مِن الذّلة والْمَسْكَنَة . (مفتاح دار السعادة) .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه يَغفِرُ الذّنوبَ جَمِيعا لِمَن تابَ وأنابَ ، بل ويُبدِلُ السيئاتِ حَسَناتٍ
قال اللهُ جلّ جلاله : (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وقالَ تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)
وفي حديثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولا الْجَنَّةَ ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا : رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُقَالُ : اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا ، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ ، فَيُقَالُ : عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا ، وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : نَعَم ، لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ ، فَيُقَالُ لَهُ : فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً ، فَيَقُولُ : رَبِّ ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لا أَرَاهَا هَا هُنَا . فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ ، فَيَقُولُ : أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ أَيْ رَبِّ ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ ، قَال : سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ . رواه البخاري ومسلم .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه تباركَ وتعالى ما أنْزَلَ مِن داءٍ إلاّ أنْزَلَ له دواءً .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلاّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ . رواه الإمامُ أحمدُ والنسائيُّ في الكبرى وابنُ ماجه ، وَصحّحَه الألبانيُّ والأرنؤوطُ .
وفي الحديث الآخَر : إِنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنَ اللَّه عَلَى قَدْرِ الْمُؤْنَةِ ، وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلاءِ . رواه الحسن بن سفيان والبَزّار ، وصححه الألباني .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه تباركَ وتعالى ما حَرَّمَ شيئًا إلاّ أباحَ أضْعافَ ما حَرَّمَ .
قال اللهُ عزّ وجَلّ : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) .
فكم هي البُيُوعُ الْمُباحَةُ في مُقابِلِ ما حُرِّمَ ؟
كم هي الأشرِبَةُ الْمُحرَّمةُ في مُقابِلِ الأشرِبَةِ الْمُباحَةِ ؟
كم هي الأطعمَةُ الْمُحرَّمةُ في مُقابِلِ الأطعمَةِ الْمُباحَةِ ؟
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى : أنه جَعَل الفُصول مُتعاقِبَة مُختَلفة مُتفاوتة ، وجَعَل الليل والنهار يَعقُب أحدهما الآخر ؛ لِتَتِمَّ مَصَالِح الْخَلْق .
قال عزّ وجَلّ : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
ولو دام الصيف لَمّل الناس ، وكذلك لو دام النهار ، أو دام الليل .
قال الله عزّ وجَلّ مُبتدئا بالثناء على نفسه : (وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) .
هذا مِن رَحمَتِه تبارك وتعالى بالمؤمنين عُموما ، وأمّا رحمتُه بهذه الأمّةِ ، فهي أعظَمُ ، ومِنّتُه عليهم أكبرُ.
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّة : أنه تباركَ وتعالى يُصلّي عليهم ليُخرِجَهم مِن الظّلماتِ إلى النّورِ
قال اللهُ جلّ جلاله : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)
قال ابنُ عَطِيّةَ : عَدَّدَ تعالى على عبادِه نعمتَه في الصلاةِ عليهم ، وصلاةُ اللهِ تعالى على العبدِ هي رحمتُه له وبَرَكَتُه لَدَيْه ونَشْرُه عليه الثناءَ الجميلَ ، وصلاةُ الملائكةِ هي دعاؤهم للمؤمنينَ . اهـ .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أنْ أنعمَ عليهم بِعظِيمِ النِّعمِ ، وجَزِيلِ المِنَنِ ؛ حيث أنْزَلَ عليهم خيرَ كُتُبِه ، وأرسلَ إليْهِم أفضلَ رُسُلِه ، وشَرَعَ لهم أفضلَ شَرائِعِ دِينِه ، وجَعَلَهم خَيْر أُمّةٍ أُخْرِجَتْ للناس .
ومِن فضلِه ورَحمَتِه على هذه الأُمّةِ : أن أرْسلَ إليهم رسُولاً مِن أنفُسِهم بِهِم رؤوفٌ رَحِيم
فالله وصَف رسوله صلى الله عليه وسلم ببعض ما وَصَف به نفسه ، فقال تبارك وتعالى عن نفسه : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) .
وقال عن رسوله صلى الله عليه وسلم : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ – وَرَبُّكَ أَعْلَمُ – فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ – وَهُوَ أَعْلَمُ- فَقَالَ اللهُ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءُكَ . رواه مسلم .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أن عَفَا لهذه الأمّةِ ما لم تَعَملْ ولم تتكلّمْ به .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ . رواه البخاري ومسلم .
وِقال عليه الصلاةُ والسلامُ : إنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عن أُمَّتِي الخطأَ والنسيانَ ، وما اسْتُكْرِهُوا عليه . رواه ابنُ حبانَ والحاكمُ وقالَ : صحيحٌ على شرطِ الشيخين .
والخطأُ مَعْفُوٌّ عنه ؛ لِقولِه تعالى : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) .
فإذا أخطأَ الإنسانُ في العِبادَةِ أو في الْمُعامَلَةِ ؛ فهو مَعفوٌّ عنه .
قال ابنُ قدامةَ : المشهورُ في الْمَذْهَبِ أن المتطيّبَ أو اللابِسَ ناسِيا أو جاهِلا ؛ لا فِديةَ عليه …
وقال : إذَا غَطَّى الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ ثُمَّ ذَكَرَ ، أَلْقَاهُ عَنْ رَأْسِهِ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، أَوْ لَبِسَ خُفًّا ، نَزَعَهُ ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ … وَلَنَا، عُمُومُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام : عُفِيَ لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ . اهـ .
ومِن رَحمَتِه تبارك وتعالى : أنْ عفَا لهذه الأمّةِ ما لم تَتعمّدْه قُلوبُهم ، كما قالَ عزّ وجَلّ : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أنْ عُفِيَ لهم ما أكْرِهُوا عليه ، كما تقدّمَ في الحديثِ : وما اسْتُكْرِهُوا عليه .
فإذا أُكْرِهَ أحدٌ على الكُفرِ ، ونَطَقَ بِه بِلِسانِه ، وقلبُه مُطمئنٌ بِالإيمانِ ؛ فلا شيءَ عليه .
قالَ اللهُ تباركَ وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .
وفي التفسيرِ : أنّ الْمُشْرِكُينَ أَخَذَوا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَعَذَّبُوهُ حَتَّى بَارَاهُمْ فِي بَعْضِ مَا أَرَادُوا ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ قَال : مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ . قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فإنْ عَادُوا فَعُدْ . رواه عبد الرزاق في ” تفسيره ” وابن جرير في ” تفسيره ” .
وقال ابنُ حَجَرٍ : وَهُوَ مُرْسَلٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ … وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ تَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ . اهـ .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أنْ جَعَلَ بابَ التوبةِ مفتُوحا لهم ما لم تبلغِ الرّوحُ الحلقومَ .
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا . رواه مسلم .
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَالدَّجَّالُ ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ . رواه مسلم .
ومِن رَحمتِه تعالى بهذه الأمّةِ : أن جَعَلَ التوبةَ بين العبدِ وبين ربِّه ، واكتَفى مِنهم بالندمِ والاعترافِ
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . رواه البخاري ومسلم .
وقال عليه الصلاة والسلام: الندمُ توبةٌ . رواه الإمامُ أحمدُ وابنُ ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط.
وقال سفيانُ بنُ عيينةَ : التَّوبَةُ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ أنْعَمَ اللهُ بِهَا على هذه الأُمَّةِ دُونَ غَيرِها مِنَ الأُممِ ، وكانَتْ تَوْبَةَ بَني إسْرائيلَ القَتْلَ .
تأمّل كيف خاطَبَ اللهُ الْمُسرِفِين بالذّنوب والمعاصي ؟
قال الله عزّ وجَلّ : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) خاطَبَهم بِوَصْف العُبودِيّة ، وأمَرَهُم أن لا يَقْنَطُوا مِن رَحمَتِه تبارك وتعالى ، وذَكَر المغفرةَ مَرّتَيْن ، والرحمَةَ مَرّتَيْن .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ: أنْ وَضَعَ عنهم الآصارَ والأغلالَ التي كانتْ على مَن كان قَبْلَهم
قال اللهُ تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وفي آخِرِ آيةٍ مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ اللهُ : قَدْ فَعَلْتُ .
(رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ اللهُ : قَدْ فَعَلْتُ .
(رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا) قَالَ اللهُ : قَدْ فَعَلْتُ . رواه مسلم .
ومِن رَحمتِه تباركَ وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أن رَضِيَ مِنهم باليسيرِ مِن العَمَلِ .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا . رواه مسلمٌ.
قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ : إِنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِهِ ، وَكَلَّفَهُمُ الشُّكْرَ عَلَى قَدْرِهِمْ حَتَّى رَضِيَ مِنْهُمْ مِنَ الشُّكْرِ بِالاعْتِرَافِ بِقُلُوبِهِمْ بِنِعَمِهِ ، وَبِالْحَمْدِ بِأَلْسِنَتِهِمْ عَلَيْهَا . (جامِعُ العلومِ والْحِكَمِ ، لابنِ رجَبٍ)
ومِن رَحمتِه تباركَ وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أنْ جَعَلَ الأعمالَ على قَدْرِ ما يُطِيقُون .
ففي الصلاةِ : صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ . رواه البخاري .
وفي الزّكاةِ : لا تَجِبُ في كلِّ مالٍ إلاّ بشروطٍ .
وفي الصومِ : (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)
وفي الحجِّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا)
وفي الذِّكْرِ : سَيِّدُ الاستغفارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاّ أَنْتَ . قَال : وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا ، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ . رواه البخاري .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ . رواه البخاري ومسلم .
وجَعَلَ لهم الرُّخَصَ التي لم تكُنْ في الأُممِ الماضيةِ .
قال اللهُ جلَّ جلالَه : (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا)
ورَخّصَ لهم في حالِ الاضطرارِ ما لم يُرخّصْ لهم في حالِ السَّعَةِ .
رَخّصَ لهم في الإفطارِ في السفرِ والمرضِ .
رَخّصَ لهم في قَصْرِ الصلاةِ في السفرِ ، والْجَمْعِ في حالِ العُذرِ .
رَخّصَ لهم في التيممِ إذا عُدِمَ الماءُ أو خِيفَ مِن استعمالِه .
رَخّصَ لهم في أكْلِ الميتةِ حالَ الاضطرارِ .
في رُخَص كثيرة ، لم تكن لأحدٍ سوى هذه الأمة .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّةِ : أنْ خَصّها وأعطَاها ما لَم يُعطِ أحدا قبلَها .
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي : نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ ، وَأُحِلَّتْ لِي المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً . رواه البخاري ومسلم .
أمّا الأُمَمُ السابقةُ فقد كانوا يَجْمَعُونَ الغنائمَ ثم تأتي نارٌ مِن السماءِ فتُحْرِقُها
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ : لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا ، وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا ، فَغَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ ، فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا ، فَلَمْ تَطْعَمْهَا فَقَال : إِنَّ فِيكُمْ غُلُولا ، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ ، فَقَال : فِيكُمُ الغُلُولُ ، فَلْتُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ ، فَقَال : فِيكُمُ الغُلُولُ ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، فَوَضَعُوهَا ، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا ، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ : رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا ؛ فَأَحَلَّهَا لَنَا . رواه البخاري ومسلم .
ومِن رَحمتِه تبارك وتعالى بِهذهِ الأمّة : أنَّ الأجْرَ يَثبُتُ لِمَن عَزَمَ على الفِعلِ ومَنْ هَمَّ به .
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ : قَالَ : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً ، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً. رواه البخاري ومسلم .
والرحمة باب الاستغاثة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ رضي الله عنها : ما يَمْنعكِ أن تَسمَعِي ما أُوصيكِ به ، أن تَقُولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ : يا حيُّ يا قيومُ بِرَحْمَتِكَ أستغيثُ أصلحْ لي شأني كُلَّه ولا تَكِلْنِي إلى نَفْسِي طَرْفةَ عَيْن . رواه النسائي في الكبرى . وقال الهيثمي : رواه البَزّار ورِجاله رجال الصحيح غير عثمان بن مُوهب ، وهو ثقة . وقال الألباني : سَنَدُه حَسَن .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ : اللهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو ، فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ . رواه الإمام أحمد والبخاري في ” الأدب المفْرَد ” وأبو داود والنسائي في ” الكُبرَى ” ، وحسّنه الألباني والأرنؤوط .
وفي دُعاء قضاء الدَّيْن : اللهم مالك الملك تُؤتي الملك مَن تشاء ، وتَنْزِع الملك مِمّن تشاء ، وتُعِزّ مَن تَشاء ، وتُذِلّ من تشاء ، بِيدِك الخير إنك على كل شيء قدير . رَحْمَن الدنيا والآخرة ورَحِيمهما ، تُعطيهما مَن تشاء ، وتَمْنَع مِنهما مَن تَشاء ، ارحَمْني رَحْمَة تُغِنينِي بها عن رَحمة مَن سِوَاك .
قال المنذري : رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد ، وقال الألباني : حَسَن .
فكيف لا تُحِبُّ القلوب مَن هذا وَصْفُ بعضِ رَحمتِه ؟
قال ابن القيم :
كيف لا تُحِبُّ القلوبُ مَن لا يأتي بالحسناتِ إلاّ هو ؟ ولا يَذهبُ بِالسيئاتِ إلاّ هو ؟ ولا يُجيبُ الدعواتِ ، ويُقِيلُ العَثراتِ ، ويَغفرُ الخطيئاتِ ، ويَسترُ العَوراتِ ، ويَكشفُ الكُرُباتِ ، ويُغيثُ اللهَفاتِ ، ويُنِيل الطَّلَبَاتِ سِواه ؟
فهو أحقُّ مَن ذُكِرَ ، وأحَقُّ مَن شُكِرَ ، وأحقُّ مَن حُمِدَ ، وأحَقُّ مَن عُبِدَ ، وَأنْصَرُ مَن ابْتُغِي ، وأرْأفُ مَن مَلَكَ ، وأجْودُ مَن سُئلَ ، وأوسعُ مَن أعْطَى ، وأرْحَمُ مَن اُسْتُرْحِمَ ، وأكْرَمُ مَن قُصِدَ ، وأعَزُّ مَن الْتُجِئ إليه ، وأكْفَى مَن تُوكِّلَ عليه .
أرْحَمُ بِعَبْدِه مِن الوالِدَةِ بِوَلَدِها ، وأشَدُّ فَرَحًا بِتَوبةِ عِبادِه التائبِين مِن الفَاقِدِ لِرَاحِلتِه التي عليها طعامُه وشَرَابُه في الأرضِ الْمُهْلِكةِ إذا يَئسَ مِن الحياةِ فَوَجَدها .
وهو الْمَلِكُ فلا شَريكَ له ، والفَرْدُ فلا نِدَّ لَه .
كُلُّ شيءٍ هالِكٌ إلاَّ وَجْهه ، لن يُطاعَ إلاَّ بِإذنِهِ ، ولن يُعْصَى إلاَّ بِعِلْمه ؛ يُطَاعُ فَيَشْكُرُ – وبِتَوفِيقِه ونِعْمَتِه أُطِيعَ – ويُعْصَى فَيَغْفِر ويَعْفُ ، وحَقّه أُضِيع .
فهو أقربُ شَهيد ، وأدْنَى حَفيظ ، وأوْفَى وَفِيّ بِالْعَهْد ، وأعْدَلُ قائم بِالقِسْط .
حالَ دونَ النفوسِ ، وأخَذَ بالنواصي ، وكَتَبَ الآثارَ ، ونَسَخَ الآجالَ .
فالقُلُوبُ له مُفْضِية ، والسِّرُّ عِندَه علانية ، والعَلانيةُ والغَيْبُ لديه مَكْشُوف ، وكُلّ أحدٍ إليه مَلْهُوف .
وعَنَتِ الوُجُوهُ لِنُورِ وَجْهه ، وعجِزتِ القلوبُ عن إدراكِ كُنْهِهِ ، ودَلَّتِ الفِطْرةُ والأدِلّةُ كُلّها على امْتِنَاعِ مِثلِه وشِبهِه .
أشْرَقَتْ لِنُور وَجْهه الظلماتُ، واسْتَنَارَت له الأرضُ والسماواتُ ، وصَلَحتْ عليه جميعُ المخلوقاتِ ، لا يَنامُ ولا يَنبغي له أن يَنامَ ، يَخفض القِسْطَ ويَرفعه … حِجَابُه النور لو كَشَفَه لأحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِه ما انتهى إليه بَصَرُه مِن خَلْقِه .
(الجواب الكافي)
اللهم ارحَمْنا رَحْمَة تُغِنينِا بها عن رَحمة مَن سِوَاك يا أرحم الراحمين .
والله تعالى أعلم .
الرياض – جمادى الأولى – 1441 هـ