هل المجتمع يحرم أو يحلل ؟؟
سمعت هذه الكلمة
( حَـرّمَـه المجتمع وما هو بحرام )
فاستوقفتني هذه العبارة
هل هناك شيء محرم غير ما حُـرّم في الشريعـة ؟؟ أو بعبارة أخرى : هل هناك ما يجب اجتنابه ، وإن لم يكن مُحرّمـاً ؟؟
أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن الأعراف معتبرة شرعـاً .
ولذا نص علماء الأصول على أن :
المعروف عُـرفـاً كالمشروط شـرطـاً
كما نصُّـوا على أن :
العادة مُحَـكّمـة
ولذا فإنه يُرجع إلى العُرف في كثير من الأحيان ، وفي بعض المسائل الشرعية يُرجع في تقديرها إلى العُرف ، وإلى ما هو مُتعارَف عليه .
قال تعالى : ( وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ )
وقال سبحانه : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ )
وقال عليه الصلاة والسلام لهند بنت عتبة لما شكت إليه زوجها وأنه شحيح : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف . رواه البخاري ومسلم .
فالنفقة والكسوة ليس لها قدر مُحدد شرعا ، وإنما يُرجع فيها إلى المعروف ، وهو ما تعارف الناس عليه .
ولكل زمان أعرافه بل لكل زمان ومكان أعرافه المتعارف عليها .
ولذا قال الإمام الذهبي في ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعد أن ذَكَرَ أنه كان يخضب بالصفرة .
فقال الذهبي : كان ذلك لائقا في ذلك الزمان ، واليوم لو فعل لاستُهجِن . انتهى كلامه – رحمه الله – .
وهذا يؤكد أن ما تعارف الناس عليه كان مُـلـزِماً لهم في زمانهم ذلك دون غيره ، ما لم يُخالف شرع الله عز وجل .
هذا من ناحية العُرف ومراعاته وتحكيمه في الشريعة .
ثانياً : مراعاة مكارم الأخلاق
فمن أتى بما يُخالف ذلك فقد تُردّ شهادته ، وقديماً كانت تُردّ روايته
ويُطلق عليه عند العلماء : خوارم المروءة .
وعلى سبيل المثال :
فإن عورة الرجل من السُّرة إلى الركبة
غير أنه من المتفق عليه عند العقلاء بل حتى عند غير المسلمين بل حتى عند المجانين أن مَن خَرَجَ بلباس لا يستر سوى هذا الموضع ( ما بين السرة إلى الركبة ) أنه قد أتى بما يُلفت الأنظار ، ويجعله محطّـاً للنقد ، ومثاراً للسخرية .
بل خالف ما عليه العقلاء .
وتأمل هذا الأمر وتخيّل أنك رأيت إنسانا يمشي في الشارع بهذا اللباس ، فماذا يقوم في نفسك ، وماذا ينقدح في ذهنك تجاهه ؟؟
مع أنه لم يأت بأمر محرّم ، لكنه أتى بما يُخالف العادات ، وأتى بما يخرم مروءته .
ولذا ألحق بعض العلماء – بأهل المعاصي – من يتعاطى خوارم المروءة ، ككثرة المزاح ، واللهو ، وفُحش القول ، والجلوس في الأسواق لرؤية من يمر من النساء ، ونحو ذلك .
وهذه الأمور التي يُسمّيها الناس في زماننا ( العيب )
فيستعيبون الأمر مما يُخالف العادات والأعراف ، خاصة إذا حُـدّ بحدود الشريعة .
ومن هنا يُعلم خطأ بعض الناس إذا خرج عن المألوف وخالف المتعارف عليه عند الناس فإذا أُنكِر عليه قال : هـو حــرام ؟؟
وكأنه ليس إلا الحرام الذي يجب أن يبتعد عنه .
إذاً فلا بُـدّ من مراعاة العادات والأعراف ما لم تُخالف شرع الله عز وجل ، ولا بُـدّ من مراعاة مكارم الأخلاق .
والله تعالى أعلم .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم