مَن سَقَى كأس الظُّلم سُقي بها..!
هي سنة ربانية ووعد نبوي أن البغي عقوبته مُعجّلة
لذا من سقى كأس الظُّلم سُقي بها .
ومن أعان ظالما سلّطه الله عليه .
هذه سنن لا تتبدّل ولا تتحوّل
حينما رأيت صور الرئيس العراقي صدّام حسين ، ورأيت الذّلّ يعلو محيّاه ، فهو الآن ذليلا مهانا .
فتفكّرت :
كم بين كونه الرئيس المهيب الركن ، وبين كونه الأسير الذليل المهان ؟
وكم بين الصورتين من بون شاسع ، وفرق واضح
بين صورته تعلوه الرُّتب ، وبين صورته تعلوه وهو يجثو على الرُّكب ؟
تلك نهاية الظُّلم ، ونتيجة تنكّب الصراط المستقيم ..
( وتلك الأيام نداولها بين الناس )
وتلكم آثار نزع الملك ، وسرّ التعبير بالنّزع في أخذ الملك .
(تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ)
والنّزع إنما يكون بقوّة ويجد صاحبه معه الألم
ولذا قال الله عز وجل : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ)
لما في النّزع من الألم كما أن نزع الروح يُصاحبه أعظم ألم ..
لما رأيت تلك الصور تذكرت صورا مُشابهة في نفس البلد
تلكم هي صورة يحيى البرمكي مكبلا بالقيود في بغداد ، مطروحا في السجن
فيُسأله ابنه :
يا أبتِ بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال ؟!
فردّ الأب وقال بنظرة ثاقبة تخطّت حدود القيد والسجن :
يا بنى دعوة مظلوم سَرَتْ بليل ونحن عنها غافلون ، ولم يغفل الله عنها .
ثم أنشأ يقول :
رب قوم قد غَدَوا في نعمة *** زمناً والدهرُ ريانُ غَدَق
سَكَتَ الدهرُ زمانا عنهمُ *** ثم أبكاهم دما حين نَطَق
وروي أن بعض الملوك رَقَمَ على بساطه :
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا *** فالظلم عقباه تُفضي إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه *** يدعوا عليك وعين الله لم تَنمِ
فالظُّلم عُقباه تُفضي إلى الندم
إن الأمة لن تأسى على ظالم إذا ما ذهب ، بل ربما سُرّ الناس بذهابه كما يُسرّون بذهاب حجر عثرة كان في الطريق !
فليكن فيه عِبرة وعِظة .
وليعلم كل من قدر على الظُّلم أن عاقبة الظلم ندم وخسارة وبوار في الدنيا والآخرة .
قال الإمام الشافعي :
إذا ظالمٌ أبدى من الظلم مذهبا *** وَلَجّ عتوا في قبيح اكتسابه
فَكِِلْه إلى ريب الزمان فإنها *** ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متجبرا *** يرى النجم تِيهاً تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بظلمه *** أناخَتْ صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مالٌ ولا جاه يُرتجى *** ولا حسناتٌ تُلتقى في كتابه
وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي *** وصَبّ عليهِ الله سوط عذابه
فنعوذ بالله من تحوّل عافيته ، ومن فجأة نقمته ، ومن جميع سخطِه .
إن الظّلم هو الظّلم ولو كُسي أجمل الثياب ، وأبهى الحُلل ، وأزهى الألوان !
كم أُخفيت مظالم بشعة ارتكبها الرئيس العراقي السابق ؟
وكم تُخفى جرائم ومظالم لا تقل عنها بشاعة يرتكبها الرئيس العراقي الحالي ؟!
لم يذهب الظّلم وإنما ذهب وجه صدّام
لم يزل شعب العراق تحت نَيْرِ الظّلم
ولم يزل تحت وطأة العذاب
ولم يزل تحت مطرقة النار والحديد
ولم تزل دماؤه تجري في سكك بغداد وطُرقاتها
ولم تفتأ وسائل الإعلام تنقل لنا صورة بعد أخرى ، لطفل أو لأم أو لمسلمة يسومها العلج سوء العذاب
وفي التاريخ عبرة
وفي أمتي جذوة ..
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم