من هو الحاكم … ؟؟ أأبو جهل ؟؟!!
عندما تنتكس فِـطـر أقـوام .
وعندما تتعفـن عقول آخرين !!
فَـيَـرَون أنهم أَتوا بما لم تأت به الأوائل !
ويرون أنهم حازوا قصب السبق في كل ميدان !
وأنهم قد أُوتوا العلم بحذافيره ، وأنه انقاد لهم كالجمل الأنف !!
فيبغون في الأرض الفساد !
ويُريدون أن يُغِـيروا على تراث الأمة ؛ تراث تلقته الأمة بالقبول ، وأخذه السابق عن اللاحق ، وأجمعت عليه الأمّـة .
فيدّعون زوراً وبهتاناً أن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يُخالف المعقول .
وربما ادعوا غـداً أن في كتاب الله تناقضا ( أستغفر الله ) لكن هكذا داء الكَـلَـب يتجارى بصاحبه حتى يورده الموارد ، ويُصاب في مقاتله من حيث لا يشعر .
فهؤلاء ما أُعينوا بل تُرِكوا لأنفسهم
و
إذا لم يكن من الله للفتى عـونٌ *** فأول ما يجني عليه اجتهاده
يرون القبيح حسناً ، والحسن قبيحاً ، وصدق القائل :
يُقضى على المرء في أيام محنته *** حتى يرى حسنا ما ليس بالحَسَنِ
لست أدري أي عقل سيكون حاكما على عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟؟
وأي عقل سيكون حاكما على عقول علماء الأمـة ؟؟؟
وقد أدعى أدعياء العلم أن حديث الذباب يُخالف العقل والطب ، ثم أراد الله أن يظهر كذبهم كما أظهر كذب مسيلمة الكذاب ، فأثبت الطب ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولسنا بحاجة إلى أقوال الأطباء ، وهرطقة الفلاسفة لإثبات ديننا ، ولكن من الحق ما شهدت به الأعداء .
وحديث الذباب ” إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ، فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داء ، والآخر شفاء ” رواه البخاري وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
فعقول أهل السنة والإيمان تقبل ما جاء به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم .
بينما عقول أهل الهوى ترد ما خالف عقولها !!
فأي عقل سيكون الحاكم على السُّنّة ؟؟
———————–
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فإنّ مَن خَالَف الرّسُل عليهم الصلاة والسلام ليس معه لا عقل صريح ولا نقل صحيح ، وإنما غايته أن يَتمسّك بِشُبهات عقلية أو نَقْلِيّة ، كما يتمسّك المشركون والصابئون مِن الفلاسفة وغيرهم بِشُبهات عقلية فاسدة ، وكما يتمسك أهل الكتاب المُبَدّل المَنْسُوخ بِشُبهات نَقْلِيّة فاسدة … ولهذا كان مَن قَدّم العَقل على الشرع لَزِمه بُطلان العَقل والشّرْع ، ومَن قَدّم الشّرْع لم يَلزمه بُطلان الشّرْع بل سَلِم له الشّرْع . اهـ .
———————
وقال ابن رجب :
وقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث وابصة وأبي ثعلبة : ” وإن أفتاك المفتون ” يعني أن ما حاك في صَدر الإنسان فهو إثْم ، وإن أفتاه غيره بأنه ليس بإثم ، فهذه مرتبة ثانية وهو أن يكون الشيء مستنكرا عند فاعله دون غيره ، وقد جعله أيضا إثْمًا وهذا إنما يكون إذا كان صاحبه ممّن شُرح صدره للإيمان وكان المفتي يُفتي له بمجرد ظن أو ميل إلى هوى دون دليل شرعي ، فأما ما كان مع المُفتِي به دليل شرعي فالواجب على المُفْتَى الرجوع إليه وإن لم ينشرح له صدره ، وهذا كالرخصة الشرعية مثل الفطر في السفر والمرض وقصر الصلاة في السفر ونحو ذلك مما لا ينشرح به صدور كثير من الجهال ؛ فهذا لا عبرة به ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا يأمر أصحابه بما لا تنشرح به صدور بعضهم فيمتنعون من قوله فيغضب من ذلك ، كما أمرهم بِفَسخ الحج إلى العمرة فكرهه من كرهه منهم وكما أمرهم بنحر هديهم والتحلل من عمرة الحديبية فكرهوه وكرهوا مفاوضته لقريش على أن يرجع من عامه وعلى أن من أتاه منهم يرده إليهم ، وفي الجملة فما وَرَد النّصّ به فليس للمؤمن إلاّ طاعة الله ورسوله ، كما قال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) ، وينبغي أن يَتَلَقّى ذلك بانشراح الصدر والرضا ، فإن ما شرعه الله ورسوله يجب الإيمان والرضا به والتسليم له ، كما قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .
————-
وذَكَر الإمام الذهبي قول أبي قلابة : إذا حَدّثْتَ الرّجُل بِالسُّنّة فقال : دَعْنا مِن هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضالّ .
ثم علّق عليه بقوله :
قلت أنا (أي : الذهبي) : وإذا رأيت المُتكلّم المُبْتَدِع يَقول : دَعْنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل ، فاعلم أنه أبو جهل !!!!!
وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دَعْنا مِن النّقْل ومِن العَقْل وهات الذّوق والوّجد ؛ فاعلم أنه إبليس قد ظَهر بِصورة بَشَر أو قد حَلّ فيه ، فإن جَبُنْت منه فاهرب ، وإلاّ فاصْرَعه وابْرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه !!!! انتهى كلامه .
————
فما أحوجنا إلى هذا العلاج الذهبي مِن الإمام الذهبي مع كل مُتَطاول على سُنة النبي صلى الله عليه وسلم !!
———–
وما أحوجنا إلى علاج ( عمر ) رضي الله عنه يوم عالج صَبيغ بن عسل بِعَرَاجِين النخل .
وقصة صَبيغ بن عِسْل : رواها معمر بن راشد في الجامع ورواهـا الدارمي وغيرهم وحاصلها أن صَبِيغاً كان يسأل عن متشابه القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر ، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه قال :أين الرجل ؟ فقال : في الرَّحل قال عمر : أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة ، فأتاه به ، وقد أعد له عراجين النخيل ، فلما دخل عليه جلس قال من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ . قال عمر : وأنا عبد الله عمر ، وأومأ عليه ، فجعل يضربه بتلك العراجين ، فما زال يضربه حتى شجّـه ، وجعل الدم يسيل عن وجهه ، فَعَلَ به ذلك ثلاثة أيام حتى ذَهَبَ عنه ما يجد ، قال عندها صَبيغ : إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلا جميلا ، وإن كنت تريد أن تداويني فقـد والله بَرِئتُ ! ثم نَـفَـاه عمر رضي الله عنه إلى البصرة ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين ، حتى كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحِلَق ، فكلما جلس إلى حلقه قاموا وتركوه ، فإن جلس إلى قوم لا يعرفونه ناداهم أهل الحلقة الأخرى عزمة أمير المؤمنين ، فاشتد ذلك على الرجل ، فكتب أبو موسى إلى عمر أن قد حسنت توبته فكتب عمر : أن يأذن للناس بمجالسته . رواه معمر بن راشد في ” الجامِع ” والدارمي واللالكائي .
فيَا لَه مِن أدَب عُمَرِيّ !!
إيه أبا حفص . عالجت فأحسنت العلاج .
وداويت فنفع الله بالدواء ، ولكن :
أين الدِّرة ؟؟ دِرّة عمر ؟؟
وأين العراجين ؟؟ عراجين النخل ؟؟
وما أحوجنا إلى سيف الرشيد ونطعه !
حدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث ” احتج آدم وموسى ” فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّـنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .
أمَا إنه لا يُجدي مع المتطاولين على سُنّـة سيد المرسلين سوى هذه الأدوية الناجعة المُجرّبـة
ولكن أين درّة عمر ؟؟؟
وأين سيف الرشيد ونطعه ؟؟؟
..
وأقصد بـ (الحاكِم) مَن سيَحكُم على عقْل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عقول علماء أمّة الإسلام ، وسيُحكّم عقله في نصوص الوَحيين ..
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
1423 هـ