من السنن المهجورة : أمْر الناس بالصلاة في البيوت في الأذان عند نزول المطر
قال ابن عباس رضي الله عنهما لِمُؤذّنه في يوم مَطِير : إذا قلتَ أشهد أن محمدا رسول الله فلا تَقُل : حيّ على الصلاة ، قُل : صَلّوا في بيوتكم . فكأن الناس استنكروا ذاك ! فقال : فعله مَن هو خير مِنّي ، إن الجمعة عَزْمة ، وإني كرهت أن أُخرِجكم فتَمْشُون في الطين والدَّحْض . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : فقال : أتعجبون مِن ذا ؟ قد فعل ذا مَن هو خير مِنّي .
قال نافع : أذّن ابنُ عمر رضي الله عنهما في ليلة باردة بِضَجْنان ثم قال : صَلّوا في رِحَالِكم . فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُر مُؤذنا يُؤذن ثم يقول على إثره : ألاَ صَلّوا في الرِّحال ، في الليلة الباردة ، أو المطيرة في السفر . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري ، وفي رواية مسلم : فقال في آخر ندائه : ألا صَلّوا في رِحالكم ، ألا صَلّوا في الرِّحال . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن حجر : قوله : ” ثم يقول على إثره ” صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان . وقال القرطبي لَمّا ذَكر رواية مسلم بِلفظ : ” يقول في آخر ندائه ” يُحتمل أن يكون المراد في آخره قُبيل الفراغ منه ، جَمْعًا بينه وبين حديث ابن عباس انتهى .
وقد قدّمنا في باب الكلام في الأذان عن ابن خزيمة أنه حَمَل حديث ابن عباس على ظاهره ، وأن ذلك يُقال بَدلا مِن الْحَيْعَلة ، نظرا إلى المعنى ؛ لأن معنى ” حيّ على الصلاة ” هَلِمّوا إليها ، ومعنى ” الصلاة في الرحال ” تأخّروا عن الْمَجِيء ، ولا يُناسب إيراد اللفظين معًا ؛ لأن أحدهما نقيض الآخر اهـ .
ويمكن الجمع بينهما ، ولا يَلزم منه ما ذُكر بأن يكون معنى الصلاة في الرِّحال رُخصة لمن أراد أن يترخّص ، ومعنى هَلِمّوا إلى الصلاة نَدْب لِمَن أراد أن يَستكمل الفَضيلة ولو تَحَمّل الْمَشَقّة ، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال : خَرَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فَمُطِرنا ، فقال : لِيُصَلّ مَن شاء منكم في رَحْلِه . اهـ .
ويبدو أن ما في حديث ابن عباس ، وأمْره لِمُؤذّنه أن يقول : ” صَلّوا في بيوتكم ” ، بَدلاً عن ” حيّ على الصلاة ” أرجَح ؛ لأسباب :
أن في حديث ابن عباس : زيادة عِلم ، وتحديد أدق لِمَوضِع قول : ” صَلّوا في بُيوتكم ” ، وأنها تُقال مكان ” حيّ على الصلاة ” ، بينما حديث ابن عمر مُحْتَمَل ، كما قال القرطبي .
أن حديث ابن عباس في الحضر ، وحديث ابن عمر في السفر .
أن حديث ابن عباس في التّخلّف عن صلاة الجمعة ، وهي أوجَب مِن صلاة الجماعة .
أن حديث ابن عباس في صلاة النهار نَصًّا ، وحديث ابن عمر في الليلة الباردة ، أو المطيرة في السفر .
ويبقى الأمر على الاحتمال ، كما قال ابن حجر ، وكما جَمَع بين الحديثين .
وإذا جاز أمْر الناس أن يُصلّوا في بُيوتهم في حال الْمَطَر يوم الجمعة ، ويَترُكوا صلاة الجمعة لأجل العُذر ؛ فلأن يُقال ذلك في سائر الصلوات أوْلَى .
والله تعالى أعلم .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم