محاضرة قصيرة بعنوان … منهج الأخيارِ في تلقي الأخبارِ
المحاضرة مرئية هنا :
الحمدُ لله والصّلاةُ والسّلامُ على رسولِ الله، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. أمّا بعُد؛ فقد رسّم الُقرآن منهجًا لتلقّي الأخبار، وللتّعامُل معها؛ فجاء الأمرُ بالتّثبُّت والتّبيّن في ثلاثةِ مَواضِع: في آيةِ النّساء في قوله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)). [ سورة النّساء: 94].
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا )) هذا الموضِعُ الأوّل.
والموضع الثّاني: ((كذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ …)). وقُرئت في المَوضعينِ: ((فتَثبّتوا)). نقل القُرطُبيّ عن أبي عُبيد وأبي حاِتِم أنّهُما قالا:” مِن أمِرَ بالتّبيُّن؛ فقَد أمِرَ بالتّثبُّتِ “؛ يعني المَعنى واحِدٌ.
وكَلك في آيةِ الحُجُراتِ: (( … إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ..)) [الحُجرات: 6]. وقُرئت أيضًا: ((فتثبّتوا)). والعلّةُ: حتّى لا تُصيبوا قومًا ((بجَهالَةٍ)). فتبيّنوا أن تُصيبوا قومًا أي حتّى لا تُصيبوا قومًا أو كي لا تُصيبوا قومًا بجهالةٍ. والنّتيجةُ ((فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)).
و الموضِع الرّابِع في التّعامُل مَع الأخبار في قولهِ تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ … )). [النّساء: 83]. تكلّموا بهِ. ونشروهُ وطيّروهُ؛ دونَ تثبُّت، ودونَ تبيُّنٍ.
(( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ … )). (( .. لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ …)) .. ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) قال القُرطُبيّ – رحمهُ الله -: ” هُمُ العُلماءُ “. الذينَ يعلمونَ ما يجِب أن يُقال وما يجِب أن يُسكَت عنهُ.
والقاعدةُ أنّهُ ليسَ كُلّ ما يُعلم يُقالُ، ولا كُلّ ما يُقال يصلُح أن يُقال في كُلّ زَمانٍ ومَكانٍ كما سيأتي.
والنّبيّ صلى الله عليهِ وسلّمَ جعلَ لذلكَ منهجًا أيضًا – لتلقّي الأخبار – يقول النبيّ عليهِ الصّلاة والسّلامُ: ” بِئسَ مطيّةُ الرّجُلِ زَعَموا “. (1). قال الخطّابيّ: ” الإنسان إذا أرادَ بلَدًا – إذا أرادَ أن يَذهَبَ إلى بلَدٍ – امتَطى المَطيّة وذهَب “. وكذلكَ صاحِب الكَلام والأخبار وإطلاق الكلام يَركَب زَعَموا؛ ليس عندهُ تثبّت، وليس عندهُ تبيُّن، وليس عندهُ رَصيدٌ مِن الحَقائِق؛ وإنّما ” زَعَموا ” مِثل: ” قالوا “! وفي الصّحيحين قولهُ عليه الصّلاة والسّلام: ” إنّ الله كرِهَ لكمُ ثلاثًا: قيلَ وقالَ “ (2)، ” .. قيلَ وقالَ، وإضاعَةَ المالِ، وكَثرةَ السّؤالِ”. قالَ الإمامُ مالك في تفسير قولهِ: ” قيلَ وقالَ “؛ قال: ” هُو هذه الأخبارُ والأراجيف “؛ التي ينقُلُها بعضُ النّاسِ ويُطيّرونها، ولا يتثبّتونَ مِنها. هذهِ داخِلة في نَهيِ النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلامِ عن قيل وقال. وقالَ ابنُ عبدالبرّ: ” المَعنى – في النّهي عن قيل وقال – المعنى الخوضُ في أحاديث النّاس التي لا فائدة فيها؛ وإنّما جُلُّها الغَلَطُ”. أغلبُها هُو الغلطُ. “وإنّما جُلُّها الغلط، وحشوٌ وغيبةٌ، وما لا يُكتبُ فيها حسنةٌ، و لا سلِم القائِلُ والمُستمعُ من سيّئة”؛ هذا هُو المَنهيّ عنهُ، وهذا هُو تفسيرُ قول النّبيّ عليه الصلاةُ والسّلامُ، ومعنى قول النّبيّ عليه الصلاةُ والسّلامُ، أو معنى النّهيّ عن قيل وقال. وجاءَ في مُقدّمة صحيحِ مُسلم: ” سيكونُ في أمّتي أناسٌ يُحدّثونكمُ ما لَم تَسمعوا أنتُم ولا آباؤُكمُ “ (3). ما لَم تَسمعوا أنتُم ولا آباؤُكمُ فاحذَروهُم ، والحديث رواهُ الإمامُ أحمَد، وهُو حديث ٌحسنٌ. هذا ما يتعلّقُ بالمنَهج فيما يتعلق بتلقّي الأخبار،.
وأمّا الآثارُ المُترتّبةُ على ذلك فالتّخذيلُ والإرجافُ .. التّخذيلُ والإرجافُ! وهذه من صفاتِ المُنافقينَ ((لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ … )). [الأحزاب: 60]. ولِذلكَ نصّ العُلماء على أنّ المُرجِف والمُخذّل لا يَصحَبُ الجيشِ؛ لأنّهُ يُخذّل ويُرجِف ويأتي بالأراجيفِ، ويأتي بالأقوال، وهذا وَصفُ المُنافِق ((يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ)). [المُنافقون: 4]. (( يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ)). هذا هُو حالُ المُنافِق.
ومِن هذا الباب ما أرجَفَ بهِ الشّيطان على المُسلمينَ في يوم أُحُد. قال أنسُ ابن النّضُر – رضي الله عنهُ – “أتيتُ إلى رجالٍ من أصحابِ النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قَد قَعَدوا يوم أحُد فقُلت: ما أقعَدَكُم؟! قالوا: قُتِل رسولُ الله!” وهذهِ من الأراجيفِ التي بثّها الشّيطانِ لإضعافِ المؤمنينَ، والفتّ في العَضُد، ولإدخالِ الهَزيمَة. هؤلاء مُجرّد ما سمِعوا هذه الإشاعةَ قَعَدوا.
“فقالَ أنسُ ابنُ النّضر رضي الله عنهُ: قوموا فموتوا على ما ماتَ عليهِ رسولُ صلّى الله عليه وسلّم”. إن كانَ ماتَ حقًّا؛ قوموا موتوا على ما ماتَ عليهِ. ومِن هذا الباب أيضًا ما ذكرهُ النّبي عليهِ الصّلاة والسّلامُ – وهُو في صَحيح مُسلم – في ذكرِ القِتال في آخر الزّمانِ قبلَ خُروج الدّجّال؛ قال: ” فبينَما هُم يقتسمونَ الغَنائِم قَد علّقوا أسلحتهمُ بالزّيتون إذ صاحَ فيهمُ الشّيطانُ “ (4) .. ” إذ صاحَ فيهمُ الشّيطانُ “ .. هذا من الأراجيفِ، من الإشاعات ” إذ صاحَ فيهمُ الشّيطانُ إنّ الدّجّالَ قَد خَلفكُم في أهليكُم “، قال: ” فيَخرُجونَ فإذا هُو باطِل “. هذا الصّياحُ مِن الشّيطانِ باطِل لكنّهُ إرجافٌ للمؤمنين وإدخالُ الهزيمةِ عليهمُ.
مِن آثارِ الإشاعاتِ وترويجِ الإشاعاتِ، مِن آثارِها عَلى المُجتمع شقُ الصّفَ والتّفرُّق وتنافُر القُلوب. وهي كما قُلت: بِضاعةُ الشّيطان، والمُتكلّم فيها ليس عندهُ رصيدٌ إلاّ زَعَموا، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ – كما تقدّم -: ” بئس مطيّة الرّجُل زَعموا “. ليس عندهُ تثبُّت وإنّما هي أراجيف، وأقوال، وقيل وقال، كُلّ هذه من الأمور المنهي عنها. ولاشكّ أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام سَعى إلى تأليف القُلوب، وإلى تجميعِ القُلوب؛ بل منّ الله عزّ وجلّ على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومنّ على المؤمنين باجتماع الكلمة .. وباجتماع القُلوب. (( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )). [سورة الأنفال،:63].
الثّالث من آثار الإشاعات: وُقوع العَداوة والبَغضاء .. وُقوع العَداوة والبَغضاء بين المؤمنين، وهذا هدفٌ ومقصد من مقاصِد الشّيطان، ومن مقاصد أتباع الشّيطان. ولذلك أُمرنا بالتّثبّت، وأُمرنا بتَرك كثير من الأقوال، وأُمرنا بالصّفح وأُمِرنا بالعَفو، وكثير من الأمور التي أُمرنا بها ونُهينا عنها؛ لئلاّ تفترقَ القُلوب، وألاّ يفترق الصّفّ؛ ولذلك لمّا نهى النّبيّ صلّى الله ليه وسلّم عن عّدة مَنهيّات قال في آخر الحديثِ: ” وكونوا عِباد الله إخوانًا “ … ” وكونوا عِباد الله إخوانًا “ (5) .
مِن آثار الإشاعات – وهذا مُشاهدٌ وكثير في زمانِنا هذا – تشويهُ صُور العُلماء، وإسقاط العُلماء، وتشويهُ صُور الصّالحين، وإذا أُسقِط العالِم، أو أُسقِط العُلماء؛ فما النّتيجةُ المُترتّبة على ذلك؟! النّتيجةُ أنّ النّاس يتّخذون رؤوسًا جُهّالاً كما جاء في حديث عبدالله بن عمرو في الصّحيحين ” فيُسألون فيُفتون بغَير علمٍ فيضلّون ويُضلّون “ (6) . إذا أسقِط العُلماء الكِبار مَن يسأل النّاس؟! إذا أتَت الفِتن التي لا يعرفُها عامّة النّاس مَن يسأل النّاس؟! بل حتّى في المسائل الخاصّة مَن .. إلى مَن يلجأ النّاس؟!
وما تفرّقت الأمّة، وما شُقّ العَصا، وما وقعَت البِدع في الأمّة قديمًا وحديثًا إلاّ يوم أن أسقِط العُلماء. فإذا أسقِط العالِم سهُل اختِراقُ المُجتمع، وسَهُل التأثير عليه، لكن إذا رجع الناس إلى العُلماء وجدوا البيان وجدوا الحِكمة، حتّى حِكمة السّنّ، حكمة الشّيوخ، حكمة الكبار تَجدها عند العُلماء.
يعني لو لم يكُن فيهم إلاّ كِبر السّنّ لوَجب احتِرامُهُم كيفَ جمعوا .. وقد جمعوا بين كِبر السّنّ وبين العلم؟!
فإذا أسقِط العالِم نبغَ الأحداثُ أو ظهرَ الأحداث أو ظهر صغار السنّ؛ ولذلك وصفَ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام الخَوارج بحداثة السّن بصغر السّنّ؛ ومع ذلك ليس عندهم مرجع وليس عندهم مُستند، وليس عندهم أقوال من أهل العلم تضبِط التّصرّفات. فإن إشاعة الإشاعات ونشر الإشاعات ضدّ العُلماء قديم. والمُراد من ذلك إسقاط العالم؛ لسُهولة اختِراق المُجتمع كما قُلت. فعلينا أن نعرف للعالم حقه وقدره.
من آثار الإشاعات – كما قُلت – تشويه صُور الصّالحين، وهذا أيضًا يُراد منه التّنفير مِن الصالحين، التنفير من هذا المَسلك، التّنفير من الصّلاح، ونبز الصّالحين بألقاب؛ حتّى ينفر النّاس منهم، حتى لا يكون لهم قبول، وصفهم بالتّشدد، وصفهم بالتنطّع، وصفهم بأوصاف كثيرة، والسُّخرية والاستهزاء، ولا شك أن هذه أخلاق الجاهلين. لما أمر موسى بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة؛ قالوا: ((أتّتخذنا هُزُواً))؟! تستهزئ بنا؟! قال: ((أعوذُ بالله أن أكون من الجاهِلين)). ولذلك قال العلماء: لا يستهزئ بالنّاس ولا يسخر إلاّ جاهل.
من آثار الإشاعات نشر العُيوب .. ونشر المُنكرات، والحديث فيها، قال ابن رجب رحمه الله: ” قال بعض الوُزراء لبعض من ينهى ويأمُر بالمعروف: اجتهد في ستر أهل المعصية وهي معصية؛ فكيف بالعُيوب التي لا يسلم منها أحدٌ؟! .. ” اجتهد في ستر أهل المعصية فإن ظُهورها شَينٌ في أهل الإسلام “. .. فإنّ ظُهورها شينٌ في أهل الإسلام. وإذا كان الإنسان لا يُحبّ أن تُذكر عُيوبه فالناس لا يُحبّون أن تُذكر عُيوبهم. ولذلك أمر النّبي عليه الصّلاة والسّلام بذكر محاسن الموتى – كما عند التّرمذي – وسيأتي الكلام فيما يتعلق بالآثار على الفرد.
وأما الآثار، آثار الإشاعات على مُستوى الفرد فأوّلها النّدم، ولذلك أمر الله عز وجلّ بالتّثبّت في آية الحجرات (( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا))، في رواية ( فتثبتوا ) في قراءة، قال: (( فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ))، والإنسانُ سيندم. صاحب القلب الحيّ سيندم في الدُّنيا إذا أشاع الإشاعة، وتكلّم في الأعراض، وسَيندم في الآخرة حينما يُطلب منه أن يأتي ببيّنةٍ على ما قال، يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كما في المُسند وعند أبي داود : ” مَن قالَ في مؤمن ما ليسَ فيهِ أسكنهُ الله رَدغَةَ الخَبال حتّى يخرُج ممّا قالَ “ (7) .
يُسكنهُ اللهُ عزّ وجلّ قَعرَ جهنّم؛ حتّى يخرُج ممّا قال، حتّى يأتي ببيّنةٍ على ما قالَ. ولذلكَ يقولُ الشّافعيّ رحمهُ الله: ” أنتَ تملكُ الكلمة ما لَم تتكلّم بها، فإذا تكلّمتَ بها مَلَكتكَ “. أنتَ تملكُ الكلمة ما لَم تتكلّم بها، فإذا تكلّمتَ بها ملكتكَ “. أنتَ تملكُ الكلمة ما لَم تتكلّم بها. ولذلك كان بعضُ الصّالحين يتمنّى أنّ رقبتهُ كرقبة النّعامة؛ حتّى يستطيع أن يرُدّ الكلمة. لكن إذا تكلّمت بالكلمة مَلكتك. وعند أحمَد قالَ شدّاد بن أوس رضي الله عنهُ – لمّا تكلّم بكلمة وأنكروها عليه – قال: ” والله ما تكلّمتُ بكلمة مُنذ أسلمتُ إلاّ وأنا أزُمُّها وأخطِمُها “؛ أجعَل لَها زِمامًا وخِطامًا، أجعَل لَها ميزانًا قبلَ أن أتكلّم بها؛ إلاّ هذه؛ يعني كلمة واحِدة عدّوها عليهِ. يقولُ ابن دَقيق العيد رحمهُ الله: ” ما تكلّمتُ بكلمة ولا، ما قُلتُ قولاً ولا فعلتُ فِعلاً؛ إلاّ أعددتُ لهُ جوابًا بينَ يديّ الله عزّ وجلّ “! فمَن منّا يقولُ هذا؟!
مِن نتائِجها على الفرد، وهي نتائِج وخيمة في الآخرة: الخوضُ فيما لا يعلم الإنسان، وأهلُ النّار إذا سُئلوا: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ))؟! [المدّثر: 42]. أجابوا فيما يُجيبونَ فيهِ: ((وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ)). [المدّثر: 45]. قال ابنُ كثير رحمهُ الله: ” أي كُنّا نتكلّمُ بما لا نعلمُ “. فالأمرُ خطير؛ خاصّة إذا تعلّق الأمرُ بالعُلماء، أو تعلّق الأمرُ بالشّأن العامّ؛ كما ذكرنا قبل في آية النّساء (( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ …))؛ وهُم العُلماء.
مِن آثارها على الفرد: الوُقوع في الكَذب. ولذلك جاء في مُقدّمة صحيح مُسلم قوله عليه الصّلاة والسّلام: ” كَفى بالمرء كذِبًا أن يُحدّث بكُلّ ما سمِع “ (8) . فكيف إذا كان الإنسانُ ينقل أخبارًا عن الفسَقة في الإعلام؟! أو حتّى عن الكُفّار. ولاشكّ أن خَبر الفاسِق مردود، وأولى منه بالرّد خَبر الكافر.
أسألُ الله عزّ وجلّ التّوفيق للجَميع، و أسألُ الله عزّ وجلّ أن يَشفي مَرضانا، ويُعافي مُبتلانا، وأن يرحَم مَوتانا؛ إنّه وليُّ ذلك، والقادر عليه. والله أعلمُ، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا مُحمّد.
(1)أخرجه أبو داود (4972) واللفظ له، وأحمد (23451).
(2)صحيح ابن حبان | الصفحة أو الرقم (5719) .
(3)الحديث:” سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي أُناسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ “. صحيح مسلم [المقدمة] (6) .
(4)صحيح مسلم. (2897).
(5)وفي رواية: “لا تُهاجروا ، و لا تدابَروا ، و لا تَجسَّسوا ، و لا يبعْ بعضُكم على بيعِ بعضٍ ، و كونوا عبادَ اللهِ إخوانًا “. (صحيح الجامع: 7482).
(6)صحيح ابن حبّان (6723).
(7)المسند (5385) ، والترغيب والترهيب (3397).
(8)صحيح مسلم [المقدمة](3).