ما عندك رسيفر ؟!
وهذا العنوان له قصة
وذلك أني في رمضان الماضي لعام 1422 هـ دخلت محل أجهزة كهربائية ودخل شاب تجاوز عمره عُمُر ابن عمر عندما خاض المعركة !
وتعدّى عمره عُمُر محمد بن القاسم عندما قاد الجيوش لسبع عشرة سنة
وكان ذلك الشاب يسأل صاحب المحل : ما عندك رسيفر ؟
أجابه صاحب المحل : لا .
فلما خرج ذلك الشاب سألت صاحب المحل – وأنا أعلم – : ما هو الرسيفر ؟
فتبسّم وقال : جهاز للدش مهمته الاستقبال !
فقلت : عجباً ! من لم يتُب في رمضان فمتى سيتوب ؟
وتذكرت حينها موقفاً طريفا حدث في الحرم المكي – زاده الله تشريفا –
أحد السُّرّاق سَرَقَ في الحرم ، فتم القبض عليه ، فعندما اقتيد إلى مكتب من مكاتب شرطة الحرم تبعهم رجل غريب جاء من بِلاد بعيدة ، فسأل عن حال هذا ووضعِه ، فقيل له : سارق ! فاستغرب ، ثم استأذن في الدخول لمكتب الشرطة ، فـأُذن له ، فقال : اسمحوا لي بكلمة أوجهها لهذا السارق .
فكان أن قال له : الناس تُخطئ وتُذنب خارج الحرم ثم تأتي تغسل الذنوب وتستغفر في الحرم .
وأنت تُذنب في الحرم !
فأين ستتوب ؟
وأين سوف تستغفر ؟
تذكرت هذا الموقف عندما رأيت ذلك الشاب في ثالث أيام رمضان يسأل عن جهاز استقبال الفضائيات
يُريد أن لا يفوته شيئا من سَقَط الفضائيات وفضائحها ومومساتها !
هذا الذي ما كفاه الذنب في رجب وشعبان حتى أراد أن يعصي الله في شهر رمضان المبارك !
هذا الذي أدركه رمضان فما تاب ، متى سيتوب ؟
هذا الذي أدركه رمضان فلم يستغل أيامه ولياليه ، متى سوف يستغل وقته ؟
هذا الذي ما قرأ كتاب ربِّـه في رمضان ، متى سوف يقرأ ؟
أما إني أحسب أنه لا يفوته صحيفة ولا مجلة ، كما أنه قلّ أن تفوته مُذيعة فاتنة ، أو ممثلة أو راقصة !!
في الزمن السابق أرادت امرأة أن تدعوا على ولدها بدعوة شديدة تُعرّضه للبلاء ، فَدَعَتْ عليه أن لا يُميته الله حتى يرى ( وجوه ) المومسـات [ البغايا ] – أجارك الله – وذلك بسبب إقباله على صلاته وعدم إجابة نداء أمه ، فلما تكرر ذلك منه قالت : اللهم لا تُمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ، ذلكم هو العابد جريج الذي تذاكر بنو إسرائيل حاله وعبادته ، وكان في بني إسرائيل امـرأة بغى يُتمثّل بحسنها ، فقالت : إن شئتم لأفتننه لكم ، فتعرضت لـه ، فلم يلتفت إليها ، فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت ، فلما ولدت قالت : هو من جريج ، فأتوه فاستنـزلوه وهدموا صومعته ، وجعلوا يضربونه فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذه البغي ، فولدت منك ، فقال أين الصبي ؟ فجاؤوا به ، فقال : دعوني حتى أصلى ، فصلى ، فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال : يا غلام من أبوك ؟ قال : فلان الراعي ، فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ، وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب قال : لا أعيدوها من طين كما كانت ، ففعلوا .
( والقصة في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم )
هل تأملتم دعوة تلك الأم الشديدة على ولدها ؟
بأي شيء دَعَتْ عليه ؟
أن لا يُميته الله حتى ينظر إلى وجوه المومسات .
ثم هل تأملتم حال الفضائيات ؟
إن المسألة لم تعُد قاصرة في الفضائيات على إظهار ( وجوه ) المومسات فحسب بل تعدّى الأمر ذلك إلى أن صارت بعض ( الفضائحيات ) لا تستر سوى السوءة المغلّظة .
وبعض من خادع نفسه بأنه إنما جَـلَـب الدشّ لأجل الأخبار ! يعترف أنه إنما سار في خطوات الشيطان ودربِه ، حتى أصبح يُتابع تلك ( الفضائحيات )
فأوجِّـه نداء من هذا المنبر الإعلامي لإخواني وأخواتي أن يجعلوا رمضان فرصة للتغيير
( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )
هل نُريد أن يتغيّر حال الأمة ونحن لم نُغيّر من واقعنا شيئا ؟؟
كم مـرّ علينا من موسم كريم من مواسم الطاعة ؟
سواء كان رمضان أم كان موسم حـجّ أو غيرها من المواسم
حالنا قبل رمضان كحالنا بعده .. ما الذي تغيّـر من أحوالنا ليُغيّر الله أحوال أمتنا وتتبدّل مآسينا وأحزاننا – في فلسطين والشيشان وغيرها – إلى أفراح وانتصارات
مَـنْ صَدًق الله ووعده أن يجعل رمضان فرصة للتغيير ؟
أم أننا نتواعد رمضان ونوعده أن لا تمـرّ ليلة من لياليه دون معصية أو تقصير أو تفريط ؟!!
كثير من الأندية الرياضية لا تحلو لها إقامة المباريات والمسابقات الرياضية إلا في ليالي رمضان
فليل رمضان سهر وتفريط وإضاعة ونهاره نوم !
فأي تغيير غيّرناه ؟
وأي صِـدْق من أنفسنا لِربِّنا أريناه ؟
أيها الكِرام :
إن الصدق مع الله بضاعة قلّ من يتعامل بها ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ )
إن شهر رمضان عند أسلافنا هو موسم الخيرات
وهو شهر الانتصارات
أما كانوا يستبشرون بقدوم رمضان ويُبشّر بعضهم بعضا أن أدرك موسم الغفران ؟
أما كان العلماء – رغم أن العِلم الشرعي وتعلّمه وتعليمه عباده – إلا أنهم إذا قدِم رمضان طووا كُتبهم ، وأقبلوا على كتاب ربّهم يتلونه حق تلاوته ، فيقفون عند عجائبه ، ويُحرّكون به القلوب ؟
أما كان الفرسان يتسابقون إلى ميدان الوغى في شهر رمضان قدوتهم وأسوتهم في ذلك – عليه الصلاة والسلام – ؟
الذي غـزا في شهر رمضان فأفطر ليتقوّى بذلك على العدو ، وذلك في فتح مكة – كما في صحيح مسلم – .
فليس ثمّ تعارض بين الصيام والعمل لهذا الدِّين ونُصرته بل والجهاد في سبيل الله .
أما عندنا فشهر رمضان موسم السهر
وهو شهر النوم
وإن شئت قل : شهر اللُّطمة وتقطيب الجبين !! عند أُناس آخرين .
فهيا لننفض عنا غبار الذل والوهم ، ونُغيّر ما بأنفسنا ليُغيّر الله ما بِنا وما بأمتنا .
إن لم يكن ذلك في أول شهرنا فليكن في آخــره
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم