لم تُبْنَ لهذا
بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة ظاهرة – إن صحّ تسميتها ظاهرة – ألا وهي كثرة الإعلانات على أبواب المساجد ، ومرافقها ، كالبرّادات ودورات المياه ، ونحوها ، مما هو محذور شرعأً ومنهي عنه ، إضافة إلى تشويه جدران المساجد وواجهاتـها .
ومن الإعلانات التجارية على سبيل المثال :
1- نقل طالبات ومعلمات بسيارات فاخرة !
2- بدء التسجيل بمدارس ( … ) الخاصة !
3 – أثاث للبيع !
ومن الإعلانات الخاصة :
1- فقدان إقامة !
2- ضياع محفظة !
3- فقدان عنـز !!!
وليس هذا ضرباً من المبالغة ، بل هو واقع مشاهد ، وليس راء كَمَنْ سَمِعـا .
وأمر آخر ملحوظ ، آخذٌ في الظهور ، وهو من قِبَلِ بعض الصالحين أو الجهات الخيرية ، وهو توزيع إعلانات في المساجد عن وجود حافلات نقل طلاب ، علماً أن دخلها لصالح جمعية / دار ( … ) الخيرية . وآخر إعلان وقع في يدي – إعلان لسوق تجاري – يقول : اجعل من شرائك صدقة ، ووزِّع في المساجد بإعلان فاخر بحُجّـة أنه تابع لجمعية ( … ) الخيرية .
4 – وآخر ما وقفت عليه قبيل شهر رمضان ورقة دعائية كبيرة ( بروشور ) أُلصِقت على أبواب كثير من المساجد ، عبارة عن إعلان عن إفطار صائم بـ (1) ريال واحد ، واشتمل الإعلان على اسم شركة ألبان كبيرة ، تدعم مشاريع جمعية بـرّ خيرية .
ولست أُقلل من شأن الجمعيات الخيرية ودور تحفيظ القرآن الكريم إلا إنه مهما حسُنت النوايا فإن ذلك لا يكون مُسوِّغـاً لتوزيع الإعلانات في بيوت الله أو إلصاقها على جدرانـها ، فإنـها لم تُبْنَ لهذا .
وأذكر أنني قبل عامين رأيت أحد الباعة في أروقة أحد المساجد في مكة المكرمة ، فقلت لـه إن هذا محل عبادة ولم يُبنَ لهذا ، فهزّ رأسه مُشيراً إلى أنه سينتهي ، وأنه سيُغادر المكان .
ثم فوجئت به من الغد في نفس المكان ، فقلت لـه : هل تريد أن ندعوا عليك ألا يُربح الله بيعك ؟
فقال في سخرية : هذا مسجد ؟! – وكان في ساحة المسجد وداخل أسواره -.
قلت له : وهل هذا سوق ؟ فبُهت وسكت .
ثم أمسك به أحد المصلين وسحبه خارج المسجد .
إن احترام شعائر الله وتعظيمها من الإيمان والتقوى ، وإن تعظيم بيوت الله والعناية بـها دليل محبّتها .
وإن بيوت الله لم تُبْنَ للبيع ولا للشراء ، ولا يصلح فيها شيء من ذلك ، إنما بُنيت لذكر الله وما والاه .
ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا : لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً ، فَقُولُوا : لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ . رواه الترمذي وغيره ، وهو حديث صحيح .
وفي صحيح مسلم عن شداد بن الهاد أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا .
وفيه أيضا : عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال : من دعا إلى الجمل الأحمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لَا وَجَدْتَ، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ .
وفي رواية له قال : جاء أعرابي بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ، فأدخل رأسه من باب المسجد – فَذَكَرَه – .
ولما كانت المساجد كذلك فقد نـهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في المساجد . كما في المسند وغيره ، وهو حديث صحيح .
فليحذر المسلم انتهاك حُرمات بيوت الله أو الاستهانة بـها ، أو تشويه مناظر مرافقها ، وليخش دعوات المسلمين عليه ألا يُربح الله بيعه ، ولا يردّ عليه ضالته فإن المساجد لم تُـبْنَ للأغراض الدنيوية .
ويوجد في بعض المساجد لوحات إعلانات خُصِّصت لإعلانات المحاضرات والدروس ونحوها مما هو من إقامة ذكر الله ، فبدلاً من تشويه بوابات المساجد وجدرانـها تُعطى للإمام أو المؤذن ليتم وضعها في مواضعها .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم