محاضرة قصيرة بعنوان … فضلُ العُلماء
المحاضرة مرئية هنا :
الحمدُ لله حمدًا طيّبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه؛ كما يُحبّ ربُّنا ويرضى. وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدهُ ورسولهُ؛ بلّغَ الرّسالةَ وأدّى الأمانةَ، ونصحَ للأمّة، وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلاّ هالكٌ؛ فصلاةُ ربّي وسلامهُ عليهِ أزكى صلاةٍ وأتمّ تسليمٍ. وعلى آلهِ وأصحابهِ والعُلماء والصّالِحين إلى يومِ الدّين.
في الصّحيحينِ أنّ بني إسرائيل كانَت تسوسُها الأنبياء – يعني تقودُها الأنبياء – كلّما هلكَ نبيٌ بعثَ الله نبيًّا. ولمَا كان نبيّنا صلّى اللهُ عليه وسلّم خاتَم الأنبياء، وليس بعدهُ نبيّ؛ جعلَ الله عزّ وجلّ لهُ خُلفاء وورثة ، يقولُ النّبي عليه الصّلاة والسّلام – كما عندَ التّرمذيّ، وعلّقهُ البُخاريّ – ” وإنّ الأنبياء لم يُورّثوا دينارًا ولا دِرهمًا وإنّما ورّثوا العلم، فمَن أخذهُ أخذَ بحظٍّ وافِر “([1]) . فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم جعلَ العُلماء هُم ورثةُ الأنبياء، وقدرُ العُلماء في الشّرع كبيرٌ، والنّصوص على فضلِ العُلماء، وعلى مَكانةِ العُلماء كثيرةٌ في الكِتاب، وفي السُّنّة. وقد ذكرَ ابنُ القيّم رحمه الله في كتابه ” مِفتاح دار السّعادة ” تفضيل العلم من أكثر من مئة وخمسين وجهًا! تفضيلُ العلم تفضيلُ أهله، تفضيلُ العلم وتفضيلُ العُلماء. وذكرَ وُجوهًا كثيرةً منها أنّ الله عزّ وجلّ استشهدَ بهمُ على أعظَم مَشهود، ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [آل عمران: 18]. فاستشهدَ الله عزّ وجلّ بهمُ على التّوحيد، قرَنَ شهادتهُ عزّ وجلّ بشهادة الملائكةِ وشهادةِ أهل العِلم.
والله عزّ وجلّ قد أحالَ عليهمُ في السّؤال ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) [النحل: 43]. المُراد بهمُ هُنا العُلماء، وهذا يدُلّ على أنّ العالِم لهُ مكانةٌ في الإسلام مكانة عَظيمة. ونفى الله عزّ وجلّ مُساواة أهل العلم بغيرهم، وقال: ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ)) [الزّمر: 9]. فليس العالِم مثل الجاهِل. ” وفضلُ العالِم على العابِد كفضلِ القَمر على سائِر الكَواكِب “([2])؛ كما جاء في الحديث.
وأُثبت الله عزّ وجلّ الخشيةَ لأهل العِلم ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) [فاطر:28]. أثبت لهمُ الخشية، وأنّهم أهلُ الخَوف – وأنّ الإنسان كلّما كانَ بالله أعرَف كانَ بهِ أخوَف، كانَ أكثَر خَشيةً للهِ عزّ وجلّ.
وأهلُ العلمِ هُم أهلُ النّظر الثّاقِب، ((وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ)) [القصص: 80]. يعني إذا أقبلت الأمور، وادلهمّت الفتن؛ اشتَبهتِ الأمور على النّاس؛ فكان الرُّجوع إلى العُلماء. لذلك لمّا خرجَ قارونُ على قومه؛ فانبهَر النّاس بهِ قال الذينَ أوتوا العِلم: (( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ))!
وحتّى أهلُ النّفاق يعرفونَ منزلة العُلماء، وقدرَ العُلماء! (( حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ)) [محمّد: 16]. يعني حتّى أهل النّفاق يعلمون أنّ العُلماء يُدركون مُراد النّبيّ عليه الصّلاةُ والسّلام، ويعرفون ماذا قالَ، وماذا أرادَ، وهُمُ العالمون بكتاب الله عزّ وجلّ، العُلماء هُم العالمون بكتاب الله عزّ وجلّ، وما يُستنبط منهُ. قال الله عزّ وجلّ: ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ)) [النساء: 83]. قالَ الإمام القُرطُبيّ رحمهُ الله في تفسيرهِ: لعلمهُ العُلماء الذين يستنبطونهُ – يستخرجونَ العِلم والمَعاني منهُ – يعلمونَ ما الذي يجبُ أن يُنشر، وما الذي يجب أن يُكتَم.
يعني قول بعض النّاس إذا سأل أحد عن مسألة قال: ” من كتَم علمًا ألجمَهُ الله بلجامٍ من نارٍ ” ([3]). ليس هذا الحديث على إطلاقهِ؛ على أنّهُ مُختلفٌ في صحّته، والأدلّةُ تدلُّ على أنّ هُناك من العلمِ ما يُكتَم. وهُناك من العلم ما يُخصّ بهِ بعضُ النّاس دونَ بعضٍ. كما ذكرَ ذلك الإمام البُخاريّ في صحيحهِ، ومُعاذ رضي اللهُ عنه كما في الصّحيحينِ كتَمَ العلم – الذي أخبَرَ – أخبر بهِ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام إلى قُرب وفاتهِ! فأخبرَ بهِ مُعاذ رضي الله عنهُ تأثُّمًا؛ يعني خوفًا من الإثم، خروجًا من الإثم. وعند البُخاريّ يقولُ أبو هُريرةَ رضي الله عنهُ: حفِظتُ من رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّمَ وِعائينِ – يعني يُشبّهُ العلم بالإنائين – قال: فأمّا أحدُهما فبثثتهُ في النّاس – ما يتعلّق بدين النّاس، ما يتعلّق بالحلال، ما يتعلّق بالحَرام، ما يتعلّق بالأحكام، بثثتُهُ في النّاس – وأمّا الآخرُ قال: فلو بثثتهُ لقُطِع هذا البُلعوم! – فلو بثثتهُ لقُطِع هذا البُلعوم! – ومن هُو أبو هُريرة رضي الله عنهُ، في مكانته وفضلهُ وفضله على هذه الأمّة إلى يومنا هذا؟! أكثَر من رَوى الحديث عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام هُو أبو هُريرة. يقول العُلماء: من ذلكَ الأحاديث التي فيها ذِكر الفِتن وذِكر بعض الأمراء ولذلك نقل ابنُ حَجر في فَتح الباري عن الإمام أحمَد أنّهُ كرهَ التّحديث بأحاديث الفِتن، أو بالأحاديث التي ظاهرُها الخُروج على السُّلطان. فبعضُ النّاس يقولُ: لا تكتُموا العلم. لا ليس كُلّ علم يُقال، ليس كُلّ علم يُنشَر، وقد ذكرتُ في هذا المَجلِس أكثَر من مرّة أنّهُ ليس كُلّ ما يُعلَم يُقال، ولا ما يُقال يصلُح أن يُقال في كُلّ زَمان ومكان. وذكرتُ قول عُمر رضي الله عنهُ، وأنّهُ همّ أن يخطُب بالنّاس في الموسِم في الحجّ؛ فأشار إليهِ عبدالرّحمن بن عَوف رضي الله عنهُ أن ينتظِر حتّى يرجِع إلى المدينة؛ فاستحسَن عُمر رضي الله عنهُ قولَه. ولَم يتكلّم في ذلك الموضِع، ولَم يخطُب بالنّاس؛ بل انتَظر حتّى رجَع إلى المدينة فخطَبَ ووضّحَ وبيّن. ولذلك في قولهِ عزّ وجلّ: ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ)) [النساء: 83]. المقصود بهِم هُنا العُلماء. لأنّهم – كما يقول الإمام القُرطبيّ رحمه الله – يعلمونَ ماذا يُنشَر، ماذا يُقال، وماذا يُسكت عنهُ.
اليوم تجِد بعض النّاس يعتِب على العُلماء، ويعيبُ على العُلماء أنّهُم في بعضِ المواضِع سَكتوا. أنّهُم لم يتكلّموا. وهل كُلّ واحد منَا يُريدُ من العُلماء أن يتكلّم بما يُريدُ هُو؟! إذًا لأصبَحت الآراء بالآلاف! كُلّ واحِد لهُ رأيٌ! والعُلماء لا يَتكلَموا بآراء النّاس، العُلماء يتكلّمون بلسان الشّرعِ. وبعض النّاس حتّى في الفَتوى إذا سألَ يأتي ببعضِ الأدلّة أحيانًا، أو بعض الآراء، أو يعني يسوقُ بعض الكلمات كأنّهُ يقولُ لمَن يسألُهُ، كأنّه يقولُ لهُ: قُلّي كَذا ! قُلّي الجواب كَذا! وهذا موجودٌ في النّاس!
شهِدتُ مَجلسًا عندَ شيخِنا الشّيخ ابن عُثيمين رحمهُ الله؛ فجاءهُ رجُلٌ فسألهُ عن مسألة؛ فقال لهُ الشّيخ: حرامٌ. قال لهُ: يا شيخ حرام (قُوّة) وإلاّ حرام شوي؟! فانتهرهُ الشّيخ! قال له: الحرامُ حرامٌ.
وأثنى الله عزّ وجلّ، وزكّى صُدور أهل العلم. قال اللهُ عزّ وجلّ: ((بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ)) [العنكبوت: 49]. يعني القُرآن ((آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ)) في صُدور العُلماء. وأثبت الله عزّ وجلّ أنّ العُلماء على الحقّ. ((وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ)) [سبأ: 6]. والرّفعة في الدُّنيا والآخِرة لأهل العلم ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ )) [المجادلة: 11]. لمّا خَرج عُمر يوم من الأيّام، وذهب في طريق مكّة فلقيهُ نافع ابن الحارث – وكان عُمر قد ولاّه على مكّة – فقال لهُ: من ولّيت على أهل الوادي؟! يعني على أهل مكّة! قال: ولّيت عليهم ابن أبزى – رجُل غير مَعروف – قال عُمر: ومن ابن أبزى؟! قال: يا أمير المؤمنين مَولى مِن موالينا – يعني عبدٌ من عبيدنا – قال: وتولّي على أهل الوادي مولى – على سادات قُريش – تولّي على أهل الوادي مولى ! قال: يا أميرُ المؤمنين إنّهُ حافظٌ لكتاب الله! قال عُمر رضي الله عنهُ: سمعتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول:” إنّ الله يرفعُ بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع بهِ آخرينَ “([4]). والحديثُ عند مُسلم. لو لم يكُن للعُلماء إلاّ هذه الفضيلة أنّهُم من أهل القرآن، وأنّ من إجلال الله إجلالُ صاحِب القرآن؛ كما جاء في الحديث في المُسند. لو لم يكُن للعُلماء إلاّ هذه الفضيلة؛ لكفى. لو لم يكُن لهُم إلاّ كِبر السّنّ؛ لكفى. وفي الحديث في المُسند أيضًا: ” ليس منّا من لم يرحَم صَغيرنا، ويُوقّر كبيرنا، ويعرِف لعالِمنا حقّه “([5]). وإن كانت هذه اللّفظة فيها خِلاف، مختلفٌ فيها؛ لكن على أقلّ الأحوال العُلماء في الغالب كِبار سِنّ. ثُمّ يأتيكَ شابٌ مُراهقٌ من حُدثاء الأسنان كما وصفهم النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، ويصِفُ هؤلاء الذين أمضوا في العلم أكثر من خمسين سنة! يعني بعضَهُم قد جاوَز السّبعين! فيُسمّه باسمهِ مُصغّرًا! وهو مِن كِبار العُلماء. تجِد هذا في المَجالِس، تجِد هذا في واقع التّواصُل؛ يُسفّهون آراء العُلماء. وهذه يترتّب عليها مَحاذير. من المَحاذير أنّ هذا الكلام، وتَصغير العُلماء، وتَحقير العُلماء؛ مع أنّهُ مُخالف لقولِ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ” ليس منّا من لم يرحَم صَغيرنا، ويُوقّر كبيرنا “؛ إلاّ أنّ فيهِ إسقاطًا للعُلماء! وإذا أسقِط العُلماء؛ ما الذي يترتّب على ذلك؟! يترتّب على ذلك كما في الحديثِ المُتّفق عليه في الصّحيحين ” يتّخذ النّاس رؤوسًا جُهّالًا فيُسألون فيُفتون بغَير علمٍ فيَضلّون ويُضّلونَ “!([6]) – فيَضلّون ويُضّلونَ –
أحدُ مشايِخنا الكبار يقولُ اتّصلَ عليّ رجُل السّاعة ثنتين في اللّيل! قُلت لهُ: هذا وقتُ سؤال؟! قال: يا شيخُ أنا طلّقتُ امرأتي، وامرأتي الآن في الطّلق! ومعلومٌ أنّها إذا وضَعت الحَمل انقَضت العِدّة. أستطيعُ أن أراجِعها أو لا؟! وهذا يعني أنّ النّاس لا يستغنون عن العُلماء في خاصّة أنفٌسهم!
وأحدُهم يتّصل على شيخ آخَر قبل صلاة الفَجر يقولُ: ما صلّيت ما استطعتُ أن أصلّي! ماذا بك؟! في ليالي لشّتاء! ماذا بكَ؟! قال: عندي وسواس! يعني هُو لا يستطيعُ أن يُفتي نفسهُ في أحكام الطّهارة المُتعلّقة بهِ. هو لا يستطيع أن يُفتي نفسهُ بأحكام الطّلاق والرّجعة المُتعلّقة به! ثُمّ يأتي من يقدَح في العلماء؟! يأتي من يَطعَن فيهم؟! والله إنّ هذا عند الله لعظيمٌ! ماذا يعيبون على العُلماء؟! ماذا ينقِمون عليهم؟! ربّما يعيبون عليهم أنّهُم لا يتكلّمون كما يُريدون هُم؛ كما ذكرتُ قبلَ قليل! أو يقولون: هُم لا يصدعون بالحق! وهَل من شرط الصّدع بالحقّ أن يكونَ على الملأ؟! ثُمّ هل من شرط العالِم أن يكون كذلك؟! روى التّرمذيّ عن الفُضيل بن عِياض أنّهُ قال: عالِمٌ عامِلٌ مُعلّمٌ. ثلاثٌ: عالِمٌ عامِلٌ مُعلّمٌ. يُدعى في ملكوت السّماواتِ كبيرًا. قال ابن القيّم رحمهُ الله: السّلفُ مُجِمعونَ على أنّ العالِم لا يستحقّ أن يوصَف بالرّبّانيّ – كونوا ربّانيّين – يوصَف بأنّه عالمٌ رَبّانيّ حتّى يعلمَ الحَقّ، ويَعملُ بهِ، ويعمل به ويُعلّمهُ. حتّى يعلمَ الحَقّ بدَليلهِ، ويَعملُ بهِ، ويُعلّمهُ. وهذا محلّ إجماعٍ كما ذكر ابن القيّم رحمهُ الله.
من أينَ أتوا بأنّ شرط العالِم أن يُعرِض عن الدّنيا؟!
بأنّ شرط العالِم أن يقومَ ويتكلّم بكلمة الحقّ يصدع بها؟! الذي جاءَ في الحديث سيّد الشُّهداء حمزة ” ورجُلٌ قام إلى سُلطان جائِر فأمرهُ أو نهاهُ فقتله “. من أين أتوا بوَصف عالِم؟! هذه مُتعلٌّقةٌ برجُل. بوَصف الرُّجولة لا بوَصف العِلم. فأنا وأنتَ عندما نُلقي باللّائمة على العُلماء نُخرجُ أنفُسنا من هذا الوصف من وَصف الرُّجولة! ليسَ الأمرُ مُتعلّقًا بالعُلماء.
من أين أتوا بأنّ العالِم لا يكونُ صاحِب مالٍ؟! النّبيّ عليه الصّلاة والسّلامُ قال لعُمر بن العاص رضي الله عنهُ: ” نِعم المالُ الصّالح للرّجُل الصّالحِ “ كما في المُسند بإسنادٍ صَحيحٍ. يقولُ سُفيان الثّوريّ – رحمهُ الله – وكان رأسًا في الزُّهد – كما في سيرتهِ – يقول: كان المال يُكره فيما مضى، وأمّا اليوم فهُو ترسُ المؤمن، ورأى رجُل في يدِ سُفيان دَنانير؛ فقال: تُمسكُ الدّنانيرَ وأنتَ سُفيان؟! يعني وأنت بهذه المكانةِ الزُّهد والعِلم! قال: اسكُت فلولاها لتمَندَلَ بنا المُلوك! كان الصّحابة رضي الله عنهم، من كبار الصّحابة لهم أموال. كعثمان وعبدالرّحمن بن عوف. وهُم من أئمّة الصّحابة! من أئمّة السّلف ابن المُبارك وكان صاحِب مالٍ.
فلا يُعاب على العالِم أن يكون صاحِب مال، ولا يُعاب على العالم أن يسكُت في بعضِ المواضِع؛ وإنّما يُعابُ على من يعيبُ العالِم وهُو لا يستغني عنه!
نسألُ الله العلم النّافع والعمل والصّالِح. اللّهمّ اشفِ مَرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا، اللّهمّ فرّج همَ المهمومين، ونفّس كَرب المكروبين، واقضِ الدّين عن المَدينين، اللّهمّ أصلِح أحوالَ المُسلمينَ في كُلّ مكانٍ يا ربّ العالمين.