وقبل الردّ على هذه الشُّبُهات أقول مستعينا بالله :
أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن دين الله واحد ثابت لا يتغيّر ، وقد تتغيّر الفتاوى الاجتهادية ( المبنية على اجتهاد ) أما ثوابت الإسلام وقواطع الأدلة فلا تتغيّر ولا تتبدّل .
فلا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يأتي مأفون فيقول : الصلاة كانت تُناسب ذلك الوقت والزّمان حيث لم يكن ثمّة رياضة ونوادٍ رياضية ! أما اليوم فتوجد أندية رياضية وممارسات رياضية تُغني عن الصلاة ! وقد وُجِد من قال بهذا القول الساقط المرذول من كل وجه !
ولا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يُقال : إن الحج لا يُناسب العصر لما فيه من زِحام ومشقّة !
لأن هذه ثوابت شرعية لا تتغيّر ولا تتبدّل .
كما لا يصح – عقلاً ولا شرعاً – إلغاء الحدود لأن بعض أمم الكُفر ترفض إقامة الحدود !
والذي خَلَق الْخَلْق هو الذي شرع الشرع بأوامره ونواهيه وزواجره . قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .
وقد كان السلف يُشدِّدون في هذا الجانب ، فلا يجوز ردّ نصّ صحيح لمتغيّرات العصر ، ولا لِعَدَمِ قبول بعض العقول له !
قال الحميدي : ذَكر الشافعيُّ حديثا ، فقال له رجل : تأخذ به يا أبا عبد الله ؟ فقال : أفي الكنيسة أنا ؟! أو ترى على وسطي زنارا ؟! نعم أقول به ، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قُلتُ به .
وقال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة ، فقال له رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة كذا وكذا ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال : فرأيت الشافعي أرعد وانتفض ، وقال : يا هذا أي ارض تُقِلُّني ، وأي سماء تُظِلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقُل به ؟ نعم عَلَيَّ السمع والبصر .
وحدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث ” احتج آدم وموسى ” فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّـنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .
قال الإمام الذهبي بعد أن ساق قول أبي قلابة : ” إذا حَدَّثْتَ الرجل بالسُّنة فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال .
ثم علّق عليه بقوله :
قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل ، فاعلم أنه أبو جهل !!
وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا مِن النقل ومِن العقل وهات الذوق والوجد فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حَلّ فيه ! فإن جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه ! انتهى كلامه .
وقال أبو سليمان الداراني : إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة .
وقال النصر آبادي : أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع ، والاقتداء بالسلف ، وترك ما أحدثه الآخرون ، والإقامة على ما سلكه الأولون .
فلا يَجوز اطِّراح الأحاديث وردّ الأدلة بهذه الصورة بِدعوى التماشي مع روح العصر – زعموا – أو مُسايرة الواقع !
ثانياً : لا بُـدّ أن يُعلَم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق المصالح وتكميلها ، وإعدام المفاسد وتقليلها .
وأنها لا تأمر بشيء إلا ومصلحته مُتحقِّقَة أو راجحة ، ولا تنهى عن شيء إلا ومفسدته مُتحقِّقَة أو راجحة .
فليست ألأوامر والنواهي لمجرّد التكليف ، ولا لتعذيب العباد لأنفسهم ، بل هي الغاية في تحقيق المصالح ودفع المفاسد والْمَضارّ .
كما أن الشريعة الإسلامية جاءت بِحفظ الضرورات الخمس ، وهي :
الدِّين والعقل والنَّفْس والعِرض والمال .
قال الإمام الشاطبي : فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وُضِعتْ للمحافظة على الضروريات الخمس ، وهي : الدين والنفس والنسل والمال والعقل وعلمها عند الأمة كالضروري
وقال : فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب تَفَصَّلَتْ في السُّنة . اهـ .