سيرة السيد العفيف والشهم الكريم
له فضيلة لم يُشاركه فيها غيره
بل له فضائل جمة
فهو عفيف متعفف
شهم كريم
سيّد مُطاع
وكان من أشراف قريش وعقلائها ونبلائها .
وكانت خديجة عمته .
وكان الزبير ابن عمه .
فمن هـو ؟
اسمه : حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أبو خالد القرشي الأسدي .
مولده : وُلِد حكيم في جوف الكعبة ، وعاش مئة وعشرين سنة .
قال البخاري في تاريخه : عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين في الإسلام .
إسلامه : أسلم يوم الفتح ، وحسن إسلامه ، وغزا حنيناً والطائف .
حدث عنه ابناه هشام بن حكيم ، وهو صحابي مثل أبيه .
وكان ابنه هذا صليباً مهيباً ، كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، فكان عمر رضي الله عنه إذا رأى مُنكراً قال : أمّا ما عِشتُ أنا وهشام بن حكيم ، فلا يكون هذا .
قال الإمام الذهبي : وكان حكيم علامة بالنسب فقيه النفس كبير الشأن .
من مناقبه : قال حكيم بن حزام رضي الله عنه : كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلي في الجاهلية ، فلما نبىء وهاجر ، شهد حكيم الموسم كافراً ، فوجد حلة لذي يزن تباع ، فاشتراها بخمسين دينارا ، ليهديها إلى رسول الله ، فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية ، فأبى . قال : إنا لا نقبل من المشركين شيئا ، ولكن إن شئت بالثمن . قال حكيم : فأعطيته حين أبى علي الهدية ، يعني بالثمن .
فلبسها ، فرأيتها عليه على المنبر ، فلم أر شيئا أحسن منه يومئذ فيها ، ثم أعطاها أسامة ، فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن ؟ قال : نعم ! والله لأنا خير منه ، ولأبي خير من أبيه .
قال حكيم بن حزام رضي الله عنه : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة وصلة رحم ، فهل فيها من أجر ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما سلف من خير . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : قلت : فو الله لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله . وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير ، ثم أعتق في الإسلام مائة رقبة وحمل على مائة بعير .
قال مصعب بن عثمان سمعتهم يقولون : لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى بلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام فإنه دخل للرأي وهو ابن خمس عشرة .
وهذا يدلّ على رجاحة عقله رضي الله عنه .
كرمه : قال حكيم : كنت تاجرا أخرج إلى اليمن وآتي الشام فكنت أربح أرباحا كثيرة فأعود على فقراء قومي ، وابتعت بسوق عكاظ زيد بن حارثة لعمتي بست مئة درهم ، فلما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته زيداً فأعتقه ، فلما حج معاوية أخذ معاوية مني داري بمكة بأربعين ألف دينار فبلغني أن ابن الزبير قال : ما يدري هذا الشيخ ما باع . فقلت : والله ما ابتعتها إلا بِـزِقّ من خمر ، وكان لا يجيء أحد يستحمله في السبيل إلا حمله .
ولما حاصر مشركو قريش بني هاشم في الشعب كان حكيم تأتيه العير بالحنطة فيقبلها الشعب ثم يضرب أعجازها ، فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها .
وقال مصعب بن ثابت : بلغني والله أن حكيم بن حزام حضر يوم عرفة ومعه مئة رقبة ومئة بدنة ومئة بقرة ومئة شاة ، فقال : الكل لله .
ولما توفي الزبير لقي حكيم عبد الله بن الزبير ، فقال : كم ترك أخي من الدَّين ؟ قال : ألف ألف . قال : عليّ خمس مئة ألف .
استعفافه : قال حكيم بن حِزام رضيَ اللّهُ عنه : سألتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فأعطاني ، ثمّ سألتهُ فأعطاني ، ثم سألته فأعطاني ثمّ قال : يا حكيمُ ! إنّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوة ، فمن أخذَهُ بَسخاوةِ نفس بوركَ له فيه ، ومن أخذَهُ بإشْرافِ نفس لم يُبارَك له فيه ، كالذي يأكلُ ولا يشبَعُ . اليدُ العُليا خيرٌ منَ اليدِ السّفلى . قال حكيمٌ : فقلتُ : يا رسولَ اللّهِ ، والذي بَعثكَ بالحقّ لا أرزأُ أحداً بعدَكَ شيئاً حتى أُفارِقَ الدنيا . متفق عليه .
فكان أبو بكر رضيَ اللّهُ عنهُ يَدعو حكيماً إلى العطاءِ فيأبى أن يَقبلَه منه ، ثمّ إن عمرَ رضيَ اللّهُ عنهُ دعـاهُ ليعطِيَهُ فأبى أن يَقبلَ منهُ شيئا ، فقال عمرُ : إني أُشهِدُكم يا معشرَ المسلمينَ على حكيم أني أعرِضُ عليهِ حقَّهُ من هذا الفَيْءِ فيأبىَ أن يأخُذَه ، فلم يَرْزَأْ حكيمٌ أحداً منَ الناسِ بعدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم حتى تُوُفّي . كما عند البخاري .
وفاته : مات سنة أربع وخمسين من الهجرة فرضي الله عنه وأرضاه .
وكان يقول عند الموت : لا إله إلا الله ، قد كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك .
المرجع : سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي رحمه الله .