روعة من روعة عيالك
جَلَسَ بَقِيّـة بن الوليد إلى إبراهيم بن أدهم ، فقال له : ما شأنك لا تتـزوج ؟
قال : ما تقول في رجل غَرّ امرأته وخدعها ؟
قلت : ما ينبغي هذا .
قال : فأتزوج امرأة تطلب ما يطلب النساء ؟ لا حاجة لي في النساء .
قال بقيّة : فجعلت أثني عليه ، قال : فَفَطِن ، فقال : لك عيال ؟
فقلت : نعم .
قال : روعة من روعة عيالك أفضل مما أنا فيه .
وقال بقيّة بن الوليد مَرّة : صحبت إبراهيم بن أدهم في بعض كور الشام وهو يمشي ومعه رفيقه فانتهى إلى موضع فيه ماء وحشيش ، فقال لرفيقه : أترى معك في المخلاة شيء ؟
قال : معي فيها كِسَر ، فنثرها ، فجعل إبراهيم يأكل ، فقال لي : يا بقية ادن فَكُل .
قال : فرغبت في طعام إبراهيم فجعلت آكل معه .
قال : ثم إن إبراهيم تمدد في كسائه ، فقال : يا بقية ما أغفل أهل الدنيا عَـنّـا ! ما في الدنيا أنعم عيشا مِـنّـا ، ما أهتمُّ بشيء إلا لأمر المسلمين ، ثم التفت إليّ ، فقال: يا بَقِيّة لك عيال ؟ قلت : إي والله يا أبا إسحاق ، إن لنا لعيالاً .
قال : فكأنه لم يعبأ بي ، فلما رأى ما بوجهي ، قال : ولعل روعة صاحب عيال أفضل مما نحن فيه .
فصاحب العيال إذا صَرَخ أحدهم وَقَف شعر رأسه ! ظانّـا أن أحدهم أُصِيب بسوء .
وإن سمِع صوت سقوط وجَلَبَة فزع من مكانه ..
وربما هبّ من نومه ..
ولعله ابْيَضّ بعض شعر رأسه لتصرفات بعض أولاده !
وهو يسعى لراحتهم .. ويجتهد في المحافظة عليهم .. ويحرص غاية الحرص على سلامتهم .
فالولد مَبْخَلَة مَجْبَنة مَحْزَنَـة
جاء الحسن والحسين يستبقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمّهما إليه ، ثم قال : إن الولد مَبْخَلَة مَجْبَنة مَحْزَنَـة . رواه الإمام أحمد وابن ماجه ، والحاكم واللفظ له وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
فلأجل الولد يبخل الأب بمالِه
ولذا كان من أوصاف أهل الْجَـنّـة : وعفيف مُتَعَفِّف ذو عيال . رواه مسلم .
لأن صاحب العيال في الغالب يدفعه الحرص على عياله أن لا يتعفف ، سواء عن الحرام ، أو عما في أيدي الناس ..
ذلك أن لديه دوافع الحرص والطَمَع ..
قد لا يحرص من يعيش لنفسه .. أما من كان صاحب عيال فإنه غالباً يحرص عليهم .. يخشى عليهم الفقر والفاقـة ..
ولما كان الأمر كذلك فقد قال الله مُخاطِباً الآباء إذا كانوا فقراء : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) .
وخاطَبَهم إذا كانوا أغنياء ، فقال : ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) .
لذا كان من تعفف مع وُجود الولد من أهل الجنة ..
ولأجل الولد يَجبن الوالد عن القتال إذا تذكّر أولاده ..
فيتأخر خوفا عليهم أن يكونوا عالة يتكفَّفُون الناس ..
ولذا قال سبحانه وتعالى : ( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا ) .
وعلى الولد يحزن الوالد
يحزن إن مسّهم الضرّ .
يَحزن إذا مرِض أحدهم .
يحزن إن أصابتهم سهام المنايا
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون . رواه البخاري ومسلم .
وقديما قال الشاعر :
لولا بنيات كزغب القطا = رُدِدن من بعض إلى بعضِ
لكان لي مضطرب واسع = في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بيننا = أكبادنا تمشي على الأرض
لو هَبّت الريح على بعضهم = لامتنعت عيني من الغمض
فليهنك الولد يا صاحب الولد
فَـ ” روعة من روعة عيالك أفضل مما فيه ” أهل الزّهد والانقطاع للعبادة .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم