دعـه نظيفا
هو الْمَلِك
وهو الآمِر الناهي
إذا صَلَح صَلَحت الرعية
وبِفَساده تَفْسد الرعية
وهو بيت الرَّبّ تبارك وتعالى .. إذ هو مَحَلّ التعظيم والاعتقاد ، وإضافته إليه إضافة تشريف ، كما يُقال عن الكعبة : بيت الله .
قال ابن القيم :
فالقَلْب بَيْت الرَّبِّ جَلّ جلاله = حُـبًّا وإخلاصا مع الإحسان
ولَمَّا كان هو بيت الرَّبّ تعظيما وتمجيدا وتقديسا وتألِيهًا وتَوحيدًا
وَجَب أن يبقى نظيفا ..
نظيفا من كل دَغل ودَخل ودَخَن ..
يُنَقَّى مِن كُلّ مَكر وخديعة وغشّ للمسلمين ..
ففي الحديث ” ثلاث لا يَغِلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومُناصحة ولاة الأمر ، ولُزوم الجماعة ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم “. رواه الإمام أحمد وابن ماجه والدارمي من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه .
ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
ورواه أحمد من حديث أنس رضي الله عنه وزاد في آخره : فإنّ دعوتهم تحيط من ورائهم .
قال ابن عبد البر : معناه لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبدًا ، يعني لا يَقوى فيه مَرض ولا نِفاق إذا أخلص العمل لله ، ولَـزِم الجماعة ، وناصَح أولي الأمر . اهـ .
وقال ابن القيم : أي : لا يَبقى فيه غِلّ ، ولا يحمل الْغِلّ مع هذه الثلاثة ، بل تَنْفِي عنه غِلّه ، وتُنَقّيه منه ، وتُخْرِجه عنه ؛ فإن القلب يَغلّ على الشرك أعظم غِلّ ، وكذلك يَغلّ على الغش ، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلالة . فهذه الثلاثة تملؤه غِلاًّ ودَغَلا ، ودواء هذا الغِلّ واستخراج أخلاطه : بِتَجْرِيد الإخلاص ، والـنُّصْح ، ومُتَابعة الـسُّـنَّة . اهـ .
وقال : فَالْمُخْلِص لله إخلاصه يمنع غلّ قلبه ويُخرجه ويُزيله جُملة ؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه ، فلم يَبْقَ فيه مَوضع للغلّ والغش … فالاخلاص هو سبيل الخلاص ، والإسلام هو مَركب السلامة ، والايمان خاتم الأمان .
وقوله : ” ومُناصحة أئمة المسلمين ” هذا ايضا مُنَافٍ للغلّ والغش ، فإن النصيحة لا تُجَامِع الغلّ إذ هي ضده ، فمن نَصح الائمة والأمَّـة فقد برئ مِن الغل .
وقوله : ” ولزوم جماعتهم ” هذا أيضا مما يُطَهِّر القَلْب مِن الغلّ والغش ، فإن صاحِبه لِلُزُومِه جماعة المسلمين يُحِبّ لهم ما يُحِبّ لنفسه ، ويَكره لهم ما يَكره لها ، ويسوؤه ما يسؤوهم ، ويَسُرّه ما يَسرّهم . وهذا بخلاف مَن انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعَيب والذمّ لهم . اهـ .
ومَحَلّ ذلك كُلّه هو القلب ، الذي إن صَلَح صَلحت الأعضاء ..
ومن هنا كان التقي النقي مخموم القلب : أفضل الناس ..
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ قال : كل مَخْمُوم القلب ، صدوق اللسان . قالوا : صدوق اللسان نَعْرِفُه ، فما مَخْمُوم القلب ؟ قال : هو التَّقِيّ النَّقِيّ ، لا إثم فيه ولا بَغْي ، ولا غِلّ ولا حَسَد . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني .
لقد جَـرَّد المؤمن قَلْبه
وأخذ مِكنسته
فَخَمَّ الحسد ، وطَرح البغضاء
وألقى الحقد ، ورَمى الإحَن
فذاق طعم الراحة وتذوق حلاوة الإيمان حينما لم يحمل حِقدا
وفي دعاء الخليل عليه الصلاة والسلام : ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
قال علي رضي الله عنه : ليس من أخلاق المؤمن الـتَّمَلُّق ولا الحسد إلاَّ في طَلَب العِلْم .
والمقصود بالحسد هنا : الغِبطة والمنافسة ، مِن باب ” لا حَسَد إلاّ في اثنتين .. ” .
قال المقنع الكندي :
فإن الذي بيني وبين عشيرتي = وبين بني عمي لَمُخْتلف جِدّا
إذا قدحوا لي نار حرب بِزَندهم = قَدَحْتُ لهم في كل مكرمة زَندا
وإن أكلوا لَحْمي وَفَرْت لحومهم =وإن هَدموا مجدي بَنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم = وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وأعطيهم مالي إذا كنت واجِدا = وإن قلّ مالي لم أكلفهم رِفـدا
فهنيئا لك أيها المؤمن بما نظفت من أرجاء قلبك
وهنيئا لكل مؤمنة شغلها عيبها عن عيوب الناس فاشتغلت بنظافة قلبها من كل دَرن ودَخَل وغِشّ وغلّ .
5 / رمضان / 1431 هـ
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم