محاضرة قصيرة بعنوان … حماية وصِيَانَة جناب التوحيد
المحاضرة مرئية هنا :
مِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ الاحتفالِ بأعيادِ المشرِكين ، والأعيادِ البِدْعِيّة .
قال اللهُ عزّ وجَلّ : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : وأمَّا أعيادُ المشرِكين : فَجَمَعَتِ الشّبْهَةَ والشّهْوَةَ ، وهي بَاطِلٌ ؛ إذْ لا مَنْفَعَةَ فيها في الدِّينِ ، وما فيها مِن اللذّةِ العَاجِلَةِ : فَعَاقِبَتُها إلى ألَمٍ ، فَصَارَتْ زُوْرًا ، وحُضُورُها : شُهُودُها، وإذا كان اللهُ قد مَدَحَ تَرْكَ شُهودِها، الذي هو مُجَرّدُ الحضورِ بِرؤيةٍ أو سماعٍ ، فكيف بِالْمُوَافَقَةِ بما يزيدُ على ذلك ، مِنَ العَمَلِ الذي هو عَمَلُ الزّوُرِ ، لا مُجَرّد شُهُوده ؟ . (اقتضاء الصراط المستقيم)
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
تحريمُ إحياءِ سُننِ الجاهليةِ
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ : مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ ، وَمُبْتَغٍ في الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ . رواه البخاري .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ الذّبحِ في أماكنِ أعيادِهم
وقد حَمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جَنابَ التوحيدِ فَمَنَعَ الاحتفاءَ بِمَواضِعَ يَحْتَفِي بها أهلُ الجاهليةِ .
روى أبو داودَ منْ حديثِ ثابتِ بنِ الضحاكِ قال : نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْحَرَ إِبِلا بِبُوَانَةَ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَال : إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلا بِبُوَانَةَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قَالُوا : لا ، قَال : هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ ؟ قَالُوا : لا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَوْفِ بِنَذْرِكَ ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ . والحديث صححه الألباني .
قال ابنُ الأثيرِ : بُوانةُ : هَضبةٌ مِن وَرَاءِ يَنْبُعَ . اهـ .
قال ابنُ قدامةَ : وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ ، كَالْمَدِينَةِ ، أَوْ الثُّغُورِ ، أَوْ يَذْبَحَ بِهَا ؛ لَزِمَهُ الذَّبْحُ ، وَإِيصَالُ مَا أَهْدَاهُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَتَفْرِقَةُ الْهَدْيِ وَلَحْمِ الذَّبِيحَةِ عَلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ مَا لا يَجُوزُ النَّذْرُ لَهُ ، كَكَنِيسَةٍ ، أَوْ صَنَمٍ ، أَوْ نَحْوِه ، مِمَّا يُعَظِّمُهُ الْكُفَّارُ ، أَوْ غَيْرُهُمْ ، مِمَّا لا يَجُوزُ تَعْظِيمُهُ ، كَشَجَرَةٍ ، أَوْ قَبْرٍ ، أَوْ حَجَرٍ ، أَوْ عَيْنِ مَاءٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ . اهـ .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
تحريمُ مُشَابَهةِ المشركين .
وقد أكثَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن مُخالَفَةِ المشرِكين ، وخالَفَ اليهودَ ، ولَمّا أكثرَ مِنْ مُخالَفَتِهم ، بَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ ، فَقَالُوا : مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلاّ خَالَفَنَا فِيهِ . رواه مسلم .
ولَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ قَال : يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ .
فَقيل : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلا يَأْتَزِرُونَ ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ .
فَقيل : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلا يَنْتَعِلُونَ . فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ .
فَقيل : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ . فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : قُصُّوا سِبَالَكُمْ ، وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ ، وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ . رواه الإمام أحمد وَصحّحه الألباني والأرنؤوط .
وتحريمُ مُسَاكَنةِ المشركين حتى تبرّأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ممَن ساكَنَهم في دِيارِهم .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ . رواه أبو داودَ والترمذيُّ ، وَصحّحه الألبانيُّ والأرنؤوط .
وفي حديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال : لا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِ . رواه الإمام أحمد والنسائي ، ويَشهَد له ما قَبْلَه .
قال ابنُ كثيرٍ : وَأَمَّا الاسْتِضَاءَةُ بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ ، فَمَعْنَاهُ : لا تُقَارِبُوهُمْ فِي الْمَنَازِلِ بِحَيْثُ تَكُونُونَ مَعَهُمْ فِي بِلادِهِمْ ، بَلْ تَبَاعَدُوا مِنْهُمْ وهَاجِروا مِنْ بِلادِهِمْ … وَفِي الْحَدِيثِ : مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ أَوْ سَكَنَ مَعَهُ ؛ فَهُوَ مِثْلُهُ . اهـ .
قال ابنُ القيمِ : وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِقَامَةِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ …
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
حِفْظُ حِمَى الشريعةِ والتشريعِ : وأعظَمُها وأظهرُها : التّحليلُ والتحريمُ
قال اللهُ تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)
فالذي يَزعُمُ أنَّ ذَبْحَ الحيوانِ المأكولِ وَحْشِيّةٌ يُنازِعُ اللهَ في شَرْعِه ! ويُحرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ تَقْليدًا للكُفّار !
وهذا خَلَلٌ في توحيدِ الربوبيةِ ! وتقليدٌ للكفّارِ !
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ : وَالإِنْسَانُ مَتَى حَلَّلَ الْحَرَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ ، أَوْ حَرَّمَ الْحَلالَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ ، أَوْ بَدَّلَ الشَّرْعَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ : كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ . اهـ .
وقال الإمامُ الْمُجدِّدُ الشيخُ محمدُ بنُ عبدِ الوهابِ رحمه اللهُ : بابُ مَنْ أطاعَ العلماءَ والأمراءَ في تَحريمِ ما أحَلَّ اللهُ أو تحلِيلِ ما حَرّمَ اللهُ ؛ فقد اتّخَذَهم أرْبَابًا مِنْ دُونِ الله .
ثم ذَكَرَ حديثَ عَدِيِّ بن ِحاتِم رضي الله عنه : أنه سَمعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه الآيةَ : (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فقلتُ له : إنّا لَسْنَا نَعْبُدُهم . قال : ألَيْسَ يُحَرّمُونَ ما أحَلَّ اللهُ فتُحَرّمُونَه ؟ ويُحِلُّون مَا حَرّمَ اللهُ فتُحِلُونَه ؟ فقلت : بلى . قال : فَتِلْك عِبَادَتُهم . رواه أحمد والترمذي وحسّنَه .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ العِبادَةِ في أوقاتِ عِبادةِ الكُفّارِ والمشركين
ففي حديثِ عَمرو بنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه : صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ ، فَإِنّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ . رواه مسلم .
ومَنْعُ أداءِ العِبادةِ في المساجِدِ التي بُنِيَتْ على القُبورِ ، أو فيها قُبورٌ .
وقد حَمَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم جَنابَ التوحيدِ ، وحَمَاه صحابتُه مِن بعدِه .
وقد أوْرَدَ ابنُ كثيرٍ حديثَ ابنِ عباسَ رضي الله عنهما قال : قال رَجلٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : ما شاءَ اللهُ وشِئتَ . فقال : أجعلتَني للهِ نِدّا ؟ قُل : ما شاء اللهُ وحدَه . رواه ابن مردويه، وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديثِ عيسى بنِ يونسَ، عن الأجلحِ، به .
وَهَذَا كُلُّهُ صِيَانَةٌ وَحِمَايَةٌ لِجَنَابِ التَّوْحِيدِ . اهـ .
ولَمَّا بَلَغَ عمرَ رضي الله عنه أنَّ الناسَ يأتون الشجرةَ التي بُويع تحتها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيعةَ الرضوانِ يومَ الحديبيةِ ، أمَرَ بِقطعِها، قَطعًا للفِتْنةِ، وسَدًّا للذريعةِ .
رَوى ابنُ أبي شيبةَ منْ طريقِ نافعٍ قال : بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ نَاسًا يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي بُويِعَ تَحْتَهَا ، قَال : فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ.
قال الإمامُ أبو بكرٍ الطرطوشيِّ : أرْسَلَ عمرُ فَطُمِسَ مَوضِعُ الشّجَرَةَ التي بايَع تحتها أصحابُ الشّجَرَة . اهـ .
وكذلك نَهَى عُمرُ رضي اللهُ عنه عن تعظيمِ آثارِ الأنبياءِ ؛ لِمَا يترتّبُ على ذلك مِن الغلوِ ..
رَوى عبدُ الرزاقِ مِن طريقِ الْمَعْرُورِ بنِ سُويدٍ قال : كُنْتُ مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَصَلَّى بِنَا الْفَجْرَ ، ثُمَّ رَأَى أَقْوَامًا يَنْزِلُونَ فِيُصَلُّونَ فِي مَسْجِدٍ ، فَسَأَلَ عَنْهُمْ فَقَالُوا : مَسْجِدٌ صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَال : إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ بِيَعًا ، مَنْ مَرَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ فَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ وِإِلاّ فَلْيَمْضِ .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
تحريمُ الغُلوِّ في الأشخاصِ ، ولو كانُوا أنْبِياءً .
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ . رواه البخاري .
رَوَى ابنُ أبي شيبةَ مِن طريقِ عليِّ بنِ عُمرَ عن أبيه عن عليِّ بنِ حُسينٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيَدْعُو، فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال : لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا ، وَلا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا ، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُمَا كُنْتُمْ .
قال ابنُ القيمِ رحمه الله : وهذا أفضلُ التابعينَ مِنْ أهلِ بيتِه عليِّ بنِ الحسينِ رضي اللهُ عنهما نَهَى ذلكَ الرجلَ أن يَتَحَرّى الدعاءَ عند قبرِه ، واستدلَّ بالحديثِ وهو الذي رواه وسَمِعَه من أبيه الحسينِ عن جدِّه عليِّ رضي الله عنه – وهو أعلمُ بمعناه من هؤلاءِ الضُّلاّلِ – .
وكذلك ابنُ عمِّه الحسنُ بنُ الحسنِ – شيخُ أهلِ بيتِه – كَرِهَ أن يَقْصِدَ الرجلُ القبرَ إذا لم يكُنْ يريدُ المسجدَ ، ورأى أنَّ ذلك مِن اتّخاذِه عيدًا .
قال شيخُنا [ يعني ابنَ تيميةَ ] : فانظرْ هذه السُّنّةَ كيف مَخْرَجُها مِن أهلِ المدينةِ ، وأهلِ البيتِ الذين لهم مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُرْبُ النّسَبِ وقُرْبُ الدارِ ؛ لأنهم إلى ذلك أحْوَجُ مِن غيرِهم ، فكانوا له أضْبَط . (إغاثة اللهفان)
ولذلك كانتْ صلاةُ الجنازةِ بلا رُكوعٍ ولا سُجودٍ حتى لا يُتَوهَّمَ تعظيمُ الميتِ عند الركوعِ والسجود .
ونَبّهَ اللهُ تعالَى على حاجةِ البَشَرِ لِغيرِهم ، وحاجةِ أفضلِ البشرِ للطعامِ والشَّرَابِ ؛ فلا يُلْجأُ إليهم ، بلِ اللجوءُ والْمُلْتَجَأُ إلى اللهِ .
قال سبحانَه وتعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ)
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ التّمائمِ والتعويذاتِ التي تُعلَّقُ على الإنسانِ أو الحيوانِ أو السيارةِ أو الدكّانِ
ومثلُه : تعليقاتٌ على شكلِ كَفٍّ وشكلِ عينٍ وكذلك خرزةٌ زرقاءُ ، وقد تكون ذهَبًا أو اكسسوارات ..
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ الصلاةِ في المقابِرِ .
وقد حَرِصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حِمايةِ جنابِ التوحيدِ حتى آخرَ لَحظةٍ في حياتِه
في الصحيحين من حديثِ عائشةَ وعبدِ الله بنِ عباسٍ قالا : لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ ، فَقَال وَهُوَ كَذَلِكَ : لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ . يُحَذِّرُ مِثْلَ مَا صَنَعُوا .
وفي حديثِ جُندُبِ قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قبل أنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وهو يقولُ : أَلا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فَلا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ . رواه مسلم .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
تحريمُ إتيانِ الكُهّانِ :
قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . رواه مسلم .
وأما إذا سألَه فصدّقَه بما يقولُ فهذا أخطرُ وأشنعُ ، قال عليه الصلاةُ والسلامُ : مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . رواه الإمام أحمد .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
مَنْعُ التّعلّقِ بِالنّجومِ والأبراجِ ونِسبَةِ الأفعالِ إليها
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنِ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ ، زَادَ مَا زَادَ . رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه .
وقال قتادةُ رحمه اللهُ تعالى : إنَّ اللهَ تبارك وتعالى خَلَقَ هذه النّجُومَ لثلاثِ خِصَالٍ : جعلها زينةَ السماءِ ، وجعلَها يُهتدى بها ، وجعلَها رجوما للشياطين ؛ فمن تأوّلَ فيها غيرَ ذلك فقد قالَ بِرأيه ، وأخطأَ حظَّه ، وأضاعَ نَصيبَه ، وتكلّفَ ما لا عِلْمَ له به ، وإن ناسًا جَهَلةً بأمْرِ اللهِ تعالى قد أحدَثوا في هذه النجومِ كِهَانةً : مَنْ وُلِدَ بِنَجْمِ كذا وكذا كان كذا وكذا ، ولَعَمْرِي ما مِن نَجْمٍ إلاّ يُولَدُ به القصيرُ والطويلُ ، والأحمرُ والأبيضُ ، والحسنُ والدميمُ ، وما عَلِمَ هذا النجمُ وهذه الدّابّةُ وهذا الطّيرُ شيئا مِن الغَيْب …
ولعمري لو أن أحدا عَلِمَ الغيبَ لَعَلِم آدمُ الذي خَلَقَه اللهُ بِيدِه وأسجدَ له ملائكتَه وعلّمَه أسماءَ كلِّ شيءٍ ، وأسكنَه الجنةَ يأكلُ منها رغدا حيث شاءَ ، ونُهيَ عن شجرةٍ واحدةٍ فلم يَزَلْ به البلاءُ حتى وَقَعَ بما نُهِيَ عنه .
ولو كان أحدٌ يعلمُ الغيبَ لَعَلِمَ الْجِنُّ حيث ماتَ سليمانُ بنُ داودَ عليهما السلام ، فَلَبِثَتْ تَعْمَلُ حَوْلاً في أشدِّ العذابِ ، وأشدِّ الْهَوَانِ لا يشعرون بِمَوتِه ، فمَا دلَّهم على مَوتِه إلاّ دَابّةُ الأرضِ تَأكُلُ مِنْسَأتَه ، أي : تأكلُ عصاه ، فلمّا خرَّ تبينتِ الجنُّ أنْ لو كانتِ الجنُّ تعلَمُ الغيبَ ما لَبِثوا في العذابِ المهينِ ، وكانتِ الجنُّ تقولُ مثلَ ذلك : إنها كانتْ تعلمُ الغيبَ ، وتعلمُ ما في غَدٍ ، فابْتَلاهم اللهُ عزّ وجَلّ بذلك ، وجَعَلَ مَوْتَ نَبِيِّ اللهِ عليه الصلاة والسلام للجِنَّ عِظَةً ، وللناسِ عِبْرَةً . رواه أبو الشيخِ في كِتابِ ” العَظَمَةِ ” .
ورواه البخاريُّ تعليقا مُختَصَرا ، وابنُ جريرٍ في ” تفسيرِه ” مُختَصَرا ، وابنُ حَجَرٍ في “تغليقِ التعليقِ ” مُختَصَرا .
ومِن صِيانةِ وحِمَايةِ جَنَابِ التوحيدِ
صيانَةُ الألفاظِ ، وعدمُ نِسبَةِ شَيءٍ مِنَ الأفعالِ إلى الطبيعةِ ولا إلى الدّهرِ
فلا تُنسَبُ الأفعالُ إلى الطبيعةِ ، لا بَراكِينَ ولا زلازلَ ولا فيضانات ، ولا غيرَها .
وفي حديثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَال : صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَال : هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُم ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَال : أَصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ، فَأَمَّا مَنْ قَال : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ ؛ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ ، وَأَمَّا مَنْ قَال : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ؛ فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ . رواه البخاري ومسلم .
وكذلك الاستسقاءُ بالنّجومِ والأنواءِ ، ونِسبَةُ الأفعالِ والأحوالِ إليها .
قال ابنُ الأثيرِ رحمَه اللهُ : وإنما غلَّظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أمْرِ الأنواءِ ؛ لأنَّ العربَ كانت تنسِبُ المطرَ إليها ، فأما مَن جَعلَ المطرَ مِن فِعلِ اللهِ تعالى وأرادَ بِقَولِه ” مُطرنا بنوءِ كذا ” أي : في وَقتِ كذا ، وهو هذا النوءُ الفلانيُّ ، فإنَّ ذلك جائزٌ ، أي : أنَّ اللهَ قد أجْرى العادةَ أنْ يأتيَ المطرُ في هذه الأوقاتِ . اهـ .
ومِن بابِ حمايةِ جنابِ التوحيدِ :كَسْرُ الصّليبِ
روى البخاريُّ عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكُنْ يتركُ في بيتِه شيئا فيه تَصالِيبُ إلاّ نَقَضَه .
وفي المسندِ مِن طريقِ أمِّ عبدِ الرحمن بنِ أُذَيْنَةَ قالت : كنا نَطوفُ بالبيتِ مع أمِّ المؤمنين ، فَرَأتْ على امرأةٍ بُرْدًا فيه تَصليبٌ، فقالت أمُّ المؤمنين : اطرحيه اطرحيه، فإنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا قَضَبَه .
أي أزَالَه ونقضِه .
وسئلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه الله تعالى عن خياطٍ خَاطَ للنصارى سَيرَ حريرٍ فيه صَليبٌ ذَهَبٌ . فهل عليه إثمٌ في خِياطَتِه ؟ وهل تكونُ أجْرتُه حلالاً أم لا ؟
فأجابَ رحمه اللهُ :
نعم، إذَا أَعَانَ الرَّجُلُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا ؛ لأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا.
وَأَكْثَرُ هَؤُلاءِ كَالْعَاصِرِ وَالْحَامِلِ وَالسَّاقِي إنَّمَا هُمْ يُعَاوِنُونَ عَلَى شُرْبِهَا ؛ وَلِهَذَا يُنْهَى عَنْ بَيْعِ السِّلاحِ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهِ قِتَالاً مُحَرَّمًا ، كَقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْقَتَّالِ فِي الْفِتْنَةِ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الإِعَانَةِ عَلَى الْمَعَاصِي ، فَكَيْفَ بِالإِعَانَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَشَعَائِرِ الْكُفْرِ ؟
وَالصَّلِيبُ لا يَجُوزُ عَمَلُهُ بِأُجْرَةٍ وَلا غَيْرِ أُجْرَةٍ ، وَلا بَيْعُهُ صَلِيبًا ، كَمَا لا يَجُوزُ بَيْعُ الأَصْنَامِ وَلا عَمَلُهَا . اهـ .
وفي فتاوى اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ :
لا يجوزُ لُبْسُ الساعةِ أمِّ صَليبٍ لا في الصلاةِ ولا غيرِها حتى يُزالَ الصليبُ بِحَكٍّ أو بُويةٍ تَستُرُه … والواجبُ عليه البِدارَ بإزالةِ الصليبِ ؛ لأنه مِن شِعارِ النصارى، ولا يجوزُ للمُسلمِ أنْ يَتَشَبّه بِهِم . اهـ .
ومِن بابِ حمايةِ جنابِ التوحيدِ : تحريمُ بيعِ الأصنامِ والمتاجرةِ بها .
والْحَلُّ الأمثلُ مع الأصنامِ ما فعلَه موسى عليه الصلاةُ والسلامُ !
(وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)
وكمَا جاءَ الإسلامُ بِهَدْمِ الأصنامِ الْمَبْنِيّةِ ، جاءَ بِهَدْمِ الأصنامِ التي في القلوبِ ، وهي الأصنامُ الْمَتْبُوعَةُ والمعبُودةُ مِن دونِ اللهِ مِنَ الأحياءِ .
قال ابنُ القيمِ : التوحيدُ واتّباعُ الْهَوَى مُتَضَادّان ، فإنَّ الْهَوى صَنَمٌ ، ولِكُلِّ عَبدٍ صَنَمٌ في قَلْبِه بِحَسَبِ هَوَاه ، وإنما بَعَثَ اللهُ رُسُلَه بِكَسْرِ الأصنامِ ، وعِبادتِه وحدَه لا شريكَ له ، وليس مُرَادُ اللهِ سبحانه كَسْرَ الأصنامِ الْمُجَسّدةِ وتَرْكَ الأصنامِ التي في القَلْبِ ، بل الْمُرَادُ كَسْرَها مِن القلبِ أوّلاً .
وتأملْ قولَ الخليلِ لقومِه : (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) كيف تَجِدُه مُطَابِقا للتّمَاثِيلِ التي يَهْوَاها القَلْبُ ، ويَعكِفُ عليها ، ويَعبُدُها مِن دونِ اللهِ. قال اللهُ تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) .
(روضة الْمُحِبِّين)
والله تعالى أعلم .