تأمـلات في آيـات … في البلد الأمين
المكان : المسجد الحرام
الزمان : ليلة الثلاثاء 20 / 5 / 1423 هـ
الوقت : صلاة العشاء
صلينا العشاء – بفضل الله – في المسجد الحرام
وأمّـنـا الشيخ الفاضل والعالم الرباني ؛ الرجل الأسيف الشيخ سعود الشريم – حفظه الله –
وكانت القراءة من آخر سورة الزمر
افتتح تلاوته بقول الله عز وجل : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )
وقرأ الشيخ ورق وخشع في تلك الآيات
وأكثر ما استوقفني هذه الآية
حيث يأمر رب العالمين سبحانه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك ، وأن يُعلنه للناس ، وأن يصدع به .
وتأملت في : ( أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )
فمن أمر بعبادة غير الله فهو جاهل
ومن أمر بالخضوع لغير الله فهو جاهل
جاهل مُركّب !
جاهل بحث ربّـه
وجاهل بحق نفسه
جاهل بحق ربّـه وما يجب له سبحانه ، ولذا قال سبحانه بعد تلك الآية بقوله : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )
فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو جاهل بحقّ ربِّـه أياً كان ، ومهما أوتي من العلم ، أو نال من الشهادات ؛ لأنه عَدَل المخلوق بالخالق ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ )
ولذا جاء السؤال الاستنكاري : ( أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ) ؟
أيكون المالك الخالق المُدبِّـر كمن لا يملك ولا يخلق ولا يُدبِّـر ؟؟
وطُغاة البشر ومَن ادّعى أنه يخلق يعلم – علم يقين – في قرارة نفسه أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يَهدي
ولذا لما سأل فرعون – سؤال استكبار – سأل موسى : من ربكما ؟
جاءه الجواب من موسى – وهو يُعرّف ربه – : ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
فكأن لسان الحال يقول : إن كنت يا فرعون أنت الذي أعطيت كل خلق خلقه ثم هديت كل مخلوق لما فيه قوام حياته فأنت إلـه !
وفرعون يعلم – في قرارة نفسه – قبل غيره أنه لا يملك من ذلك شيئاً !
ولذا نقل فرعون الحوار والسؤال ( قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى ) ؟!
أما كنت تسأل عن الإلـه ؟
أما كنت تسأل : مَن ربكما ؟
وفي طيات حديث فرعون تبيّن ضعفه وذله ومهانته
ألم يقل عن موسى وأتباعه : (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ) ثم أتبع ذلك بقوله : ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ )
ألم يقل فرعون : ( فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى )
ها هو يستعين بوزيره ليُحاول تغطية الفضيحة وستر ما انكشف من زيف الربوبية الفرعونية !
ثم أتبع ذلك بالظن ( وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ )
هذا هو شيخ الطغاة !
هذا فرعون الذي أمر العباد بعبادته
هذا فرعون الذي أشهد العالم عليه أنه : جاهل مُركّب !
هذا فرعون الذي استكبر هو وجنوده
هذا فرعون الذي يُعلن تبعيته لموسى بل لبني إسرائيل الذين كان يستضعفهم
أليس هو القائل في نهاية المطاف ( آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ؟
هذا سيد الجاهلين !
إشارة :
من علامات الجاهلين الاستهزاء بالآخرين
ولذا لما قال موسى لقومه : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً )
ردّوا عليه فـ ( قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً )
فأجابهم : ( قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ )
خاطرة مكية كُتبت في البلد الحرام في ليلة الثلاثاء 20 / 5 / 1423 هـ
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم