بيت العصفور
سبحان من صنع فأتقن
وتبارك من خلق فأحسن
فإن ربي لما ذكر بعض بديع صنعه قال : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْج كَرِيم )
ثم قال :
( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلال مُّبِين )
ولما ذكر الجبال الرواسي
( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء )
ولما ذكر خلق الإنسان قال :
( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِين )
ولما ذكر سبحانه وتعالى الطير قال :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّات كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ )
وقال عنها تبارك وتعالى :
( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِيرٌ )
أفلا يُبصرون خلقنا ؟
أفلا يتدبّرون بديع صُنعنا ؟
ولما خلق ربي خَلْقه لم يتركهم سُدى ، ولم يدعهم هَمَلا
بل ( أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
فأعطى كل مخلوق ما تقوم به حياته
وألهم كلّ مخلوق ما يقف أمامه العقل حائراً من دقة تصرّفه وعجيب صُنعه
وقبل أيام أردت أن أنزع عُشّاً مهجوراً لطائر صغير يُسمّى ” العصفور “
ذلكم الطائر لا يتعدّى حجمه قبضة اليد
بل لو قبضت عليه بكفِّك لاستطعت إخفاءه عن الأنظار
إلا أن الملفت للنظر كِبَر حجم ذلك العشّ الذي أخرجتُه من الشُّبّاك ، فيتراوح وزن العشّ ما بين 3- 5 كيلو في شبّاك قد لا يتجاوز الذِّراع طولاً وعرضا !
لقد جمعه طائر صغير ورفعه لشُبّاك نافذة تقع في الطابق الثاني !
فأكبرتُ همّة ذلك الطائر
لقد جمع الطائر غُصنا إلى غُصن
واختار الأغصان الخفيفة الرقيقة
واختار من الأغصان ما يكون دافئا شتاءً ، بارداً صيفـاً
لـيّـنا على بيضه وفراخه !
لو كُلّفت بجمع مثل ذلك العشّ لاعتبرت ذلك من المشقّة
ولو كُلّفت ببناء العشّ كما بناه ذلك الطائر لشقّ ذلك عليّ
فقل للجاحد من ألهم هذا الطائر ؟
وقل للمعاند من علّم هذا البهيم ؟
وقل للمكابِر من أمدّه بالقوّة ؟
وقل للخائر أي همة تلك التي كانت لدى العصفور ؟
وسائِل ضعيف العزم أي توكّل يتوكّله ذلكم الطائر ؟
” لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ؛ تغدو خماصا ، وتروح بطانا “
في يوم من الأيام استلقيت على ظهري بعد صلاة الفجر ثم أخذت أتأمل في غدو الطير
تغدو جميعا تبحث عن لقمة عيشها
ليس فيها مُتكاسل أو لا محلّ للمتكاسل بينها
تغدو زرافات ووحدانا
ليس لها إجازة
وليس عندها أعذار
بل الكل يُحب البِدار !
تغدو في صبيحة كل يوم
وتروح في عشية كل يوم
تغدو وتنطلق أول النهار وهي جائعة
وتعود آخر النهار وهي شبعانة
تبذل من المجهود كما بين طرفي النهار
لا تعرف الكسل
ولا يعرفها الملل
فسبحان مَنْ ( أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى )
سبحانك ربنا سبحانك ..
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم