بغداد ومآتم الظلم
مآتم الظلم تتلوهن أعياد = إياكِ أن تجزعي إياكِ بغدادُ
قد استبدّ بأهليك الطغاة أذى = وراح يمتحن الأحرار جلاّدُ
حتى تهدّم صرح الظلم وانكفأت = قدر الفساد وأهل الظلم قد بادوا
نهاية الظلم يا بغداد واحدةٌ = الله والحق والتاريخ أشهادُ
بغداد المنصور إياك أن تجزعي فهذا هو قَدَرُك المحتوم أن تكوني ضمن أرض قَدَرها الفتن .
قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : إن الفتنة ها هنا ها ، إن الفتنة ها هنا ها ، إن الفتنة ها هنا ، حيث يطلع قرن الشيطان . رواه البخاري ومسلم .
ومما يدلّ على أن المقصود بذلك العراق ما فهمه الصحابي الجليل راوي الحديث ، وراويه عنه وهو ابنه .
فعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة ! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الفتنة تجيء من ها هنا ، وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان . رواه مسلم .
ومن العراق كان مقتل الحسين
فقد سُئل عبد الله بن عمر سأله رجل عن المحرم يقتل الذباب . فقال : أهل العراق يسألون عن الذباب ، وقد قتلوا بن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : هما ريحانتاي من الدنيا . رواه البخاري .
وفي رواية له عن ابن أبي نعم قال : كنت شاهداً لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض ، فقال : ممن أنت ؟ فقال : من أهل العراق . قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن النبي صلى الله عليه وسلم ، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : هما ريحانتاي من الدنيا .
ومن العراق بدأ الرفض وانتشر فيه مذهب الرافضة
فقد كانت الكوفة هي معقل الرافضة ومنشأ القوم !
قال الذهبي في ترجمة عدي بن ثابت : ثقة لكنه قاص الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة !
ومن العراق خرجت الخوارج
قال يسير بن عمرو : قلت لسهل بن حنيف رضي الله عنه : هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئا ؟ قال : سمعته يقول – وأهوى بيده قِبَل العراق – : يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية . رواه البخاري .
عن أبي نضرة قال : كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقال : يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قفيز ولا درهم . قلنا : من أين ذاك ؟ قال : مِن قِبل العجم يمنعون ذاك ، ثم قال : يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدى . قلنا : من أين ذاك ؟ قال : من قبل الروم . رواه مسلم .
والروم هم النصارى .
وفي العراق كان مَعمل وضع الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم !
قال الإمام محمد بن شهاب الزهري : يا أهل العراق يخرج الحديث من عندنا شبراً ويصير عندكم ذراعا !
وفي بغداد بدأت فتنة القول بخلق القرآن
وفيها عُذِّّب الإمام أحمد رحمه الله على تلك البدعة الهوجاء الشوهاء !
ومِن العراق خرج القول بالقدر
ففي صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجّين أو معتمرين ، فقلنا : لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر ، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله ، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ، فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قِبلنا ناس يقرؤون القرآن ، ويتقفّرون العلم – وذكر من شأنهم – وأنهم يزعمون أن لا قَدَرَ ، وأن الأمر أُنف . قال : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ، ثم قال حدثني أبي عمر بن الخطاب . ثم ذكر الحديث بطوله في سؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الكوفة والبصرة كان جهلة القراء أسرع من غيرهم إلى الفتن
وفي العراق ظهر الإرجاء أول ما ظهر .
وفي شوارع بغداد سالت دماء المسلمين على أدي التتار الأُوَل ، حتى جَرَتْ الميازيب بدماء المسلمين
ولا تزال تجري على أيدي عبّاد الصليب الهمج !
فلكِ الله يا بغداد
يا زهو تاريخي مراكب أمتي = تاهت وأذرعة الفناء تلوّحُ
الحرب تسحب ذيلها وأمامها = أسرٌ تفرّ من الرصاص وتنزحُ
تُلقي بيان الموت مُقتضباً له = معنى عميق والضحايا تشرحُ
ثم سأل أحد الأخوة فقال :
تقع العراق شمال شرق المدينة المنورة .. بينما تقع اليمامة (نجد) تماما شرق المدينة المنورة ( انظر خارطة العالم)
كيف تفسر ذلك ياشيخنا الفاضل .
وجزاك الله خيرا .
فأجبته :
هذا الكلام الذي أشرتَ إليه – حفظك الله – لا يصح شرعا ولا واقعـا
والقاعدة أن الراوي أدرى بمرويِّـه
أي أنه أدرى بمعنى ما روى
خاصة إذا كان من الصحابة أو من التابعين
وقد قلت في أصل المقال :
ومما يدلّ على أن المقصود بذلك العراق ما فهمه الصحابي الجليل راوي الحديث ، وراويه عنه وهو ابنه .
فعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة ! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الفتنة تجيء من ها هنا ، وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان . رواه مسلم .
هذا من ناحية تفسير الراوي لما رواه .
ومن ناحية ثانية فقد جاء التصريح بأن أرض الزلازل والفتن والتي يطلع منها قرن الشيطان
جاء التصريح بأنها أرض العراق ، وهي المقصودة في الحديث بـ ( نجـد )
فقد جاء في لفظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما : اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا . قالوا : وفي نجدنا ؟ قال : اللهم بارك لنا في شامنا ، وبارك لنا في يمننا . قالوا : وفي نجدنا ؟ قال: هنالك الزلازل والفت ن، وبها – أو قال: منها – يخرج قرن الشيطان .
والذي يدلّ على أن المقصود بـ ( نجـد ) هنا هي أرض العراق قوله عليه الصلاة والسلام :
اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا ، اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مُدنا . فقال رجل : يا رسول الله ! و في عراقنا . فأعرض عنه ، فرددها ثلاثا ، كل ذلك يقول الرجل : وفي عراقنا ، فيُعرض عنه ، فقال : بها الزلازل والفتن ، وفيها يطلع قرن الشيطان .
وقال الألباني : صحيح على شرط الشيخين .
ثم قال الشيخ رحمه الله :
وإنما أفضتُ في تخريج هذا الحديث الصحيح وذِكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعض المبتدعين المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في ألإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية ويحمِلون الحديث عليه باعتباره من بلاد نجد المعروفة اليوم بهذا الاسم وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث وإنما هي العراق كما دلّ عليه أكثر طرق الحديث ، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم . وجهلوا أيضا أن كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضا ، إذا كان صالحا في نفسه ، والعكس بالعكس ، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر ، وفي العراق من عالم وصالح ، وما أحكم قول سلمان الفارسي رضي الله عنه لأبي الدرداء حينما دعاه أن يُهاجر من العراق إلى الشام :
أما بعد ، فإن الأرض المقدّسة لا تُقدّس أحداً ، وإنما يُقدّس الإنسان عمله .
انتهى المقصود من كلام الشيخ رحمه الله .
وألفاظ الحديث تدلّ على أنهم كانوا يُسمّون العراق ( نجداً ) ، وهي ما ارتفع من الأرض .
وأما الواقع فإن الناظر في الخريطة يجد أن العراق جهة المشرق
لو رسمت خطا مستقيما من المدينة النبوية إلى القدس لاتجه السهم إلى جهة الشمال تماماً
ولو رسمت خطاً مستقيما من المدينة النبوية إلى بغداد لاتجه السهم إلى جهة الشمال الشرقي ، وهو جهة المشرق
فتطابق واقع الخريطة والأرض مع الحديث .
ولو كان المقصود ( نجد ) المعروفة اليوم لأشار إلى جهة الشرق وليس إلى جهة المشرق ..
وليُعلم أن الحق أحب إلينا من الأرض !
فليس هذا القول تعصبا لنجد فمكة وطيبة الطيبة أحب إلينا من بلادنا .
والله تعالى أعلى وأعلم .
ولا تزال أرض العراق موعودة بالفتن !
والله المستعان
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم