محاضرة قصيرة بعنوان … الدعاء الذي اشتمل على 12 جملة
المحاضرة مرئية هنا :
الحمدُ لله الحمد .. الحمدُ لله الحمد الذي علّم من الجهالة، وهَدى من الضلالة وبصّر من العمى، والصّلاة والسّلام على النبي المُجتبى، النّبيّ المُصطفى وعلى آله وصَحبه، ومن سارَ على نهجه واقتفى.
رَوى الإمامُ أحمد والنّسائيّ أنّ عمّارًا رَضي الله عنه صلّى صلاةً فكأنّهُ خفّفها؛ فقيل لهُ: خفّفت أو أوجَزت؛ فقال: أما إنّي دَعوتُ فيها بدُعاء كانَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو بهِ.
هذا الدُّعاءُ اشتملَ على 12 جُملة. وهو يُعتبر مِن الأدعية الطّويلة بالنّسبة لأدعية السُّنّة خِلاف أدعية النّاس.
اليوم أدعية النّاس تجدها طويلة وفيها تكلُّف؛ تأتي تُنشر في أوراق، أو تُنشر في وسائل التّواصُل أو في البرامِج أو غيرها، تجِد أنّها طويلة جدًّا.
هذا الدّعاء المُشتمِل على هذه الكلمات هُو يُعتبر من أطول أدعية السُّنّة. قال – في هذا الدُّعاء -: ” اللّهمّ بعِلمكَ الغيب، وقُدرتك على الخَلق، أحيِني إذا علمتَ الحياةَ خيرًا لي، وتوفّني إذا كانتِ الوفاةُ خيرًا لي، اللّهمّ إنّي أسألُك خشيتَك في الغيبِ والشّهادة، وأسألُك كلمةَ الحقّ في الغَضب والرّضا، وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغِني، وأسألُك نعيمًا لا ينفَد، وقُرّة عين لا تنقطِع، وأسألُك الرّضا بعد القضاء، وأسألك بَرْدَ العيشِ بعد الموت، وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مُضرّة، ولا فِتنةٍ مُضلّةٍ، اللّهمّ زيّنا بزينةِ الإيمان واجعَلنا هُداةً مُهتدين “ ([1]) .
نمُرّ على هذهِ الكلماتِ، ونقفُ معَ بعضِها.
الدّعاء الأوّل في قوله: ” اللّهمّ بعِلمكَ الغيب، وقُدرتك على الخَلق، أحيِني إذا علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي “.
جاء في الصّحيحين ما يُشبه هذا الدّعاء في قوله عليه الصّلاة والسّلام: ” لا يتمنّينّ أحدٌ الموت لضُرّ نزل به “ ([2]). يعني نزل بالإنسان ضُرّ، مَرض مُصيبة غير ذلك .
لا يتمنى الموت؛ لأنّه لا يدري ما عندهُ من العمل المُتقبّل، وماذا عنده في المُستقبل. فإن كان ولابدّ؛ يعني ضاقت به الأمور، ويُريد أن يتمنّى الموت؛ فيقول هذه الصّيغة. إن كانَ ولابدّ فليقُل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الحياة خيرًا لي.
معنى ذلك أنّه يُفوّض الأمر إلى الله عزّ وجلّ، يُسلم الأمر إلى الله عزّ وّجل.
وفي الصّحيحين لمّا زار النّبي عليه الصّلاة والسّلام سعد بن أبي وقّاص في حجّة الوداع، وسعَد مريض حتّى يقول: مرضتُ مرضًا أشفيتُ منهُ على الموت؛ – يعني أوشكت أن أموت كأنّه رأى الموت – . فلمّا زاره النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أراد سعد أن يوصي بماله، وأنه ليس له إلاّ بنت؛ فقال له النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ” إنّك إن تَذر وَرثتك أغنياء؛ خيرًا لهُم من أن تذرهُم عالة فقراء يتكفّفون النّاس “. ([3])
قال: النصّف، قال:” لا”، قال: الثُلث. قال: ” الثُلث والثُلث كثير “.
ثمّ قال له النّبي عليه الصّلاة والسّلام – وسعد كأنّه يُعاين الموت – هذا الشّاهد من أنّ الإنسان لا يتمنّى الموت لأنّه لا يدري ماذا يُعدّ له مُستقبلاً، ماذا ينتظرهُ في المُستقبل، ماذا يُجري الله عزّ وجلّ على يديه من خير.
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ” لعلها تطول بك حياة؛ فينفع الله بك أقوامًا، ويضُرّ بك آخرين “.
فعاش سعد رضي الله عنه قرابة السّبعين سنة، ونفعَ الله عزّ وجلّ به الإسلام في فتوحات كثيرة، في القادسيّة والمدائن .
حتى سُقوط مملكة فارس على يديه هو القائد كان رضي الله عنه.
نفع الله عزّ وجلّ به الإسلام وأضرّ به آخرين. ودحرَ الله عزّ وجلّ به الكُفر والشّرك، وعاش سعد رضي الله بعد ذلك ورُزق بستّة من الأبناء، وهو لم يكن له إلاّ بنت واحدة!
يقول: يا رسولَ الله ليس لي ورثة؛ فيقول له النبي عليه الصّلاة والسّلام: ” إنّك إن تدَع وَرثتَك .. “ لم يقُل: وريثَتكَ. فيعيش سعد ويُرزق بستّة من الأبناء بعد هذا اليوم؛ وهو الذي أشفى عَلى الموت.
الإنسان يفوّض أمرهُ إلى الله عزّ وجلّ، وهذا درسٌ من هذه الدّعوة ” اللّهمّ بعِلمكَ الغيب، وقُدرتك على الخَلق، أحيِني ما علمتَ الحياة خيرًا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاةُ خيرًا لي “.
الكلمة الثّانية: ” اللّهمّ إنّي أسألُك خشيتَك في الغيب والشّهادة “.
وهذه الخشية الحقيقة، وهذه التّقوى، يقول شيخُ الإسلام رحمه الله: ” الخوفُ المحمود ما حجزكَ عن محارم الله “، ليسَ أن يقف الإنسان عن محارم الله أمام النّاس، ويجعل الله أهونَ النّاظرين إليه، وإذا خَلا بالمحارم انتهكها.
ولذلكَ جاء في الحديث عند ابن ماجه: “ إنّي لأعلمُ أقوامًا يأتون يوم القيامَة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا” ([4]) . حسنات كثيرة يجعلها الله هباءً، لا قيمة لا قيمة لها، هباءً! (وما ربُّك بظلاّمٍ للعَبيد) .
قال ثوبان: يا رسول الله صِفهم لنا، جلّهم لنا وضّحهم لنا؛ ألاّ نكون منهم ونحنُ لا نعلم. قال: ” أما إنّهم منكم، ومن بني جِلدتكم، ويأخذون من اللّيل ما تأخذون”، يعني أناس أهل عِبادة، أهل تهجُّد، أهل قِيام ليل. ما الذي أضرّ بهم؟! من أين أتوا؟!
قال: ” ولكنّهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها “.
جعلوا الله عزّ وجلّ أهون النّاظرين إليهم، إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها. تجرأوا على المحارم. وما وقّروا الله عزّ وجل، وما استَحيوا من عزّ وجل.
ولذلك جاء في قصّة الثّلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، – والقصّة في الصّحيحين – ([5]) . لما انحدرت صخرة فأغلقت عليهم باب الغار .. أنّهم قالوا: ادعوا الله فإنّه لا يُنجيكم إلا أن تدعوا بصالح أعمالكُم” ، والشّاهد منه قصة الثاني؛ قال: اللهمّ إنّي كانت لي ابنة عمّ، وكُنت أحبّها كأشدّ ما يُحبّ الرّجال النّساء، فأردتُها عن نفسها” – راودها عن نفسها- ، “قال: فامتنعت، حتّى ألمّت بها سَنة – أصابتها شدّة – فجاءت على أن أعطِيها مائةً وعشرين دينارًا”. وهي كارهة لهذا. “فتعِبت حتّى أجمعها” – ما كانت موجودة فأعطاها لا! تعِب حتّى جمعها-. “فلمّا جلس منها مجلس الرّجل من امرأته؛ ذكّرته بالله؛ قالت: يا هذا اتّقِ الله ولا تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه. قال: فقُمت عنها وتركتُ لها الذّهب”.
ترك المَحبوبات جميعًا. ما قام عنها وأخذ الذّهب الذي تعِب في جمعه؛ وإنّما تركه لله عزّ وجلّ لأنّه تركها لله فتركها جميعًا، ترك المَحبوبات. ” اللّهمّ إن كُنت تعلم أنّي فعلتُ ذلك ابتِغاء وجهكَ “، اعتبر هذا من العمل الصّالح الذي يتقرب بهِ إلى الله؛ “فانفرجت الصّخرةُ شيئًا يسيرًا”، فدعا الثّالث فانفرجت الصّخرة.
الشّاهد من هذا أنّ الخشية الحقيقيّة أن يخشى الإنسان الله عزّ وجلّ في حالِ الغيب، إذا خلا بمحارم الله.
هنا تأتي منزلة المُراقبة، تأتي حقيقةُ التّقوى لله عزّ وجلّ أنّ الإنسان يُراقب الله عزّ وجلّ، وأنّ الإنسان ينظُر إلى الله عزّ وجلّ ، ويقُدّر هذا النّظر، وأنّ الله عزّ وجلّ ينظُر إليه، مُطّلعٌ عليهِ.
يقولُ الأندلُسيّ:
إِذا خَلَوتَ بِرِيبَةٍ في ظُلمَةٍ = والنَفسُ داعيَةٌ إلى الطُغيانِ
فاِستَحيِ مِن نَظَرِ الإِلَهِ = وقل لها إنَّ الَّذي خَلَقَ الظَلامَ يَراني
الكلمة الثّالثة: “ وأسألُك كلمة الحقّ في الغَضب و الرّضا “.
وهذه الثّلاث ” أسألُك خشيتَك في الغيب والشّهادة، و كلمة الحقّ في الغَضب و الرّضا، و القصدَ في الفقرِ والغِني “ هذه حقيقةُ التّقوى، يعني أنت تتعامل مع الله عزّ وجلّ.
” وأسألُك كلمة الحقّ في الغَضب و الرّضا “، ذكر ابن عبدالبرّ رحمه الله؛ أنّ الإمام الشّافعيّ رحمه الله من أولع النّاس بهذا البيت؛ يعني يُردّد هذا البيت كثيرًا، وهو أنّه يقول:
ليست الأحلام في حال الرضا = إنّما الأحلامُ في حال الغضبِ
يعني يتبيّن حِلم الإنسان، وأن الإنسان يضبط نفسه، وأنّه يكبح جِماح نفسه، وأنّه يكظم غيظه في حال الغضب؛ ولا أقصد أنّه لا يغضب .. لا .. فالأنبياء يغضبون. وما خبرُ موسى مع أخيه ومع بني إسرائيل ببعيد.
الأنبياء يغضبون؛ لكن هُناك فرقٌ بين أن يكونَ الغَضب لله، وهُناك فرقٌ بين أن يُضبط الغَضب. ففي الغالب ليس هُناك أحد لا يغضب، ولكن يُضبط يضبِط هذا الغضب؛ بحيث لا يتصرّف التّصرُّف المَذموم. أو الذي يندَم عليه.
أو الذي يجعلهُ يتكلّم بسخط الله. أو يقول القول الذي يندم عليه، سواءً مع أهله، أو مع أصدقائه، أو مع النّاس عامّة.
فالنّبي عليه الصّلاة والسّلام سأل الله عزّ وجلّ ” كلمة الحقّ في الغضب والرّضا “، ومن ضبطَ نفسهُ في الغضبِ والرّضا؛ فذلك هو الكامِل في أخلاقه؛ ولذلك يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام – كما في الصّحيحين -: ” ليسَ الشّديدُ بالصُّرعة؛ ولكن الشّديد الذي يملك نفسه عند الغضب “ ([6]) . هذا هو الشّديد، هذا هو القويّ؛ الذي يملك نفسه، يكبح جماح نفسه، وذلك لعظم ذلك على النّفس، وثِقله ذلك على النّفس، وأنّه يحتاج لمُجاهدة؛ ” من كظم غيظهُ يُنادى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد حتى يُخيّر من الحور العين ما شاء” – كما جاء في الحديث – مُكافأة في ذلك اليوم، وتكريم له؛ لأنّه ثقيل على النّفس، يحتاج إلى دُربة، وإلى مُمارسة؛ ولذلك يقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كما في الصّحيح؛ كما عند الخطيب البَغداديّ: ” إنّما العلمُ بالتّعلُّم، وإنّما الحِلم بالتّحلُّم، ومن يتحرّى الخير يُعطه، ومن يتّقِ الشّر يوقه “ ([7]) .
لابدّ أن يُدرّب الإنسان نفسه، يُعلّم الإنسان .. إن مثل ما يتعلّم وهو صغير، ويتعلّم وهو كبير؛ كذلك يتعلّم الحِلم، “إنّما العلمُ بالتّعلُّم، وإنّما الحِلم بالتّحلُّم “.
“وأسألُك القصدَ في الفقرِ والغِنى ” هذا هو الاقتِصاد في نفقة الإنسان في معيشته، (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ). لا تبسُطها كُلّ البَسط فيذهب كُلّ ما عندك، ولا تَجعلها مغلولةً إلى عُنقك كناية عن البُخل. فالمُسلم يتوسّط في ذلك. ((وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا…)). هذه صِفة المؤمنين، صِفة عِباد الله.
” وأسألُكَ نعيمًا لا ينفَد، وقُرّة عينٍ لا تَنقطِع “
هذه التي تكون في الدُّنيا، تكونُ في الآخرة؛ كما يقول شيخُ الإسلام يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” إنّ في الدُّنيا جنّة من لم يدخُلها؛ لم يدخُل جنة الآخِرة “.
ويقول رحمه الله: ” من أراد السّعادة الأبديّة ” سعادة هُنا، وسعادة هُناك في الآخِرة لا تنقطع. ” من أراد السّعادة الأبديّة؛ فليَلزَم عتبةَ العُبوديّة “. يكون عبدًا لله؛ في الرّخاء والشّدّة، والفقر والغِنى، والخَلوة والجلوة؛ يكونُ عبدًا لله.
هذا معنى ” أسألُك نعيمًا لا يَنفَد، وقُرّةَ عينٍ لا تَنقطِع “. وأعظمُ قُرّة العين قُرّة العين بالله عزّ وجلّ، ولذلك يقولُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ” وجُعِلَت قُرّة عيني في الصّلاة “؛ كما في المُسلم. ” وجُعِلَت قُرّة عيني في الصّلاة “ ([8]) ؛ أي النّبيّ عينه ترتاح وتقرّ في الصّلاة.
” وأسألُك الرّضا بعدَ القضاء “
يقولُ شيخُ الإسلامِ ابن تيمية رحمه الله، ونقل هذا أيضًا رحمه الله ابنُ القيّم أيضًا “أنّ الرّضا إذا كانَ قبلَ القضاء؛ فهذا عزِم على الرّضا”، يعني الإنسان يُعوّد نفسه ويُدرّب نفسه على أنّه أصيب بمُصيبة، لو قدّر الله أنّه يسلّم؛ يقول: قدّر الله وما شاء فعل؛ كما جاء في الحديث عند مُسلم. لكن الرضا بعد القضاء؛ هذا هو الرضا الحقيقيّ، الرضا بعد القضاء؛ هذا هو الرضا الحقيقيّ.
ولذلك لمَا مرّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام – كما في الصّحيحين – ([9]) . على امرأة وهي تَبكي على صبيّ لها؛ قال: اتّقِ الله، قالت: إليك عنّي؛ فإنّك لم تُصب بمُصيبتي. ثُمّ ذهب النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام. ما جادلها ولا أطالَ الكلام معها. فعرفت أنّه النّبيّ عليه الصلاة والسّلام . بالأوّل ما عرفت، فجاءت إليه، فلم تجد بوّابين فجاءت تعتذر؛ فقال لها النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ” إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى “.
إذا وقعت المُصيبة هُنا يكونُ الرّضا بعد القضاء. هُنا تكونُ حقيقة الإسلام، حقيقة الاستِسلام، وحقيقة الإيمان بالله عزّ وجلّ، والرّضا عن الله عزّ وجلّ، والرّضا بالله ربًّا.
” وأسألُك بَرْدَ العيشِ بعدَ الموتِ ”
بَردَ العيشِ أن يكونَ الإنسانُ في قبرهِ مُنَعّمًا؛ ولذلك في الصّحيح عندما أراد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أن يُصلّي على رجُل، قال:” هل تركَ شيئًا “ تركَ وفاءً لدينهِ؟! قالوا: لا؛ قال: ” صلّوا على صاحِبكُم “. فقال رجُلٌ: هي عليّ يا رسولَ الله. عليهِ ديناران؛ قال: هي عليّ يا رسول الله.
فصلّى عليه النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام. وفي غَير الصّحيحِ أنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام كلّما قابَل الرّجُل؛ سألهُ، قال: يا رسول الله إنّما ماتَ أمس! فلمّا كان بعد يومين أو ثلاثة قضى الرّجُل دين الميّت؛ فقال لهُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، لما أخبر النّبيّ بقضاء دينه؛ قال لهُ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: ” الآنَ برّدتَ عَليه جِلدتَه “ ([10]) .
فإذا أراد الإنسان برد العيش بعد الموت فعليه أن يخلُص من حُقوق الخلق. سواءً الحُقوق الماليّة، أو حُقوقه في الأعراض، أو الكلام فيهم، أو القذف أو شهادة الزّور أو غير ذلك من الأمور المُتعلّقة بالخَلق. فإذا أراد برد العيش بعد الموت فعليه أن يتخلص من حُقوق الخلق. فحُقوق الخلق كما يقول العُلماء حُقوق مبنيّة على المُشاحّة، على المُقاصّة.
” وأسألُك لذّة النّظر إلى وجهكَ “
هذا هُو اعتقاد أهلُ السُّنة والجماعة، اعتقاد مُتقدّمي الأشاعرة أيضًا؛ أنّ الله عزّ وجلّ يُرى في الآخرة، وأنّ هذا هو غاية النّعيم؛ كما جاء في الصّحيح. ([11]) . إنّ الله عزّ وجلّ يقول لأهل الجنّة: ” هل تُريدون شيئًا أزيدكمُ ؟! “.
فيقولوا: يا ربّ ألَم تُبيّض وُجوهنا؟! ألَم تُدخلنا الجنّة؟! ألَم تُنجّنا من النّار؟! يَعني اكتَفوا بهذا. هذا عظيمٌ! فيكشف الله عزّ وجلّ عن وجهه فما أعطوا شيئًا أحبّ إليهم من النّظر إلى وجهه الكريم. وهذا هو المَزيد؛ الذي فسّرهُ العُلماء في قوله عزّ وجلّ: ((وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)). ؛ فهذا من المزيد لأهل الجنّة، وهذا من الزّيادة ((لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ)).
“وأسألك لذّة النّظر إلى وجهك، والشّوق إلى لقائك في غير ضرّاء مُضرّة، ولا فِتنةٍ مُضلّةٍ”
نسألُ الله الكريم لذّة النّظر إلى وجهه، والشّوق إلى لقائِه؛ كما في هذا الحديث.
والشوق لفظٌ شرعيّ جاءت به النُّصوص أنّ الإنسان يشتاق إلى رسول الله كما جاء في الحديث الصّحيح، يشتاق إلى الله عزّ وجلّ كما في هذا الحديث، لكن لفظ العِشق الذي يرِد في كَلام بعض النّاس يوجد أحيانًا في بعض الرّسائل في عِشق المحبوبات الشّرعيّة هذا غير وارِد لا في الكتاب ولا في السُّنّة، ولا في كلام أهلِ العِلم؛ وإنّما هو من مُحدثات الصّوفيّة.
العشقُ لا يرِد في المحبوباتِ الشّرعيّة، إنّما ترِدُ المحبّة (يُحبّهم ويُحبّونه ). هذا اللفظ هُو الوارِد، الشّوق لفظ وارِد، والمحبّة لفظ وارِد، وأمّا العِشق فليس بوارد في المحبوبات الشرعيّة؛ فيُنتبه لهذه المسألة.
يقولُ: ” اللّهمّ زيّنّا بزينة الإيمان واجعَلنا هُداةً مُهتدين “ الإيمانُ لهُ زينة وله جمالٌ.
ونسألُ الله أن يهدينا وأن يُيسّر الهُدى لنا؛ فقد كان من دُعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ” اللّهمّ إنّا نسألُك الهُدى والتّقى والعفافَ والغِنى “، اللّهمّ اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وارحَم موتانا.
جزاكمُ الله خَير الجزاء، وأحسن إليكُم.
والله أعلم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا مُحمّد.
[1])) الحديث إسناده صَحيح: أخرجه النسائي (1305)، وأحمد (18351) باختلاف يسير.
[2])) رواه البُخاري (6351).
[3])) رواه البحاريّ – الصفحة أو الرقم 5668 .
[4])) رواه الألبانيّ – صحيح ابن ماجه – 3442 .
[5])) صحيح – أخرجه البخاري (5974)، ومسلم (2743).
[6])) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609
[7])) السلسلة الصحيحة (342).
[8])) في رواية بذات اللفظ. للنسائي (3940)، وأحمد (14037).
[9])) صحيح- أخرجه البخاري (1283)، ومسلم (926( .
[10])) أخرجه أبو داود (3343)، والنسائي (1962) بنحوه، وأحمد (14576) باختلاف يسير.
[11])) صحيح مسلم (181).