إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا
هذا وعـد مَـنْ لا يُخلف وعده ( وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ) وقد وعد الله سبحانه وتعالى بالمُدافعة عن المؤمنين فقال : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا )
وتأخذ المدافعة أشكالاً مختلفة ، وصوراً متعددة . دافع الله عن نبيه نوح فكان في الطوفان المغرق نجاة له ولمن آمن معه .
ودافع الله عن أوليائه فحماهم مِن مكر الماكرين ومِن كيد الكائدين، فقد دافع رب العزة جل جلاله عن خليله إبراهيم حينما أُلقي في النار، فكانت النار برداً وسلاماً ، بل وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا
قال تبارك وتعالى : ( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ) وتوالتْ عليه الهبات وتتابعت عليه الأعطيات ( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ )
وفي هذا الموضوع مُدافعة الله عز وجل عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ولم تكن هذه المدافعة خاصة بالأنبياء والرُّسل ، بل هي عامة للمؤمنين على مـرّ التاريخ .
فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : أقبل سعدٌ من أرض له ، فإذا الناس عكوفٌ على رجل ، فاطّلع فإذا هو يسبُّ طلحة والزبير وعلياً ، فنهاه ، فكأنما زاده إغراءً ، فقال : فقال : ويلك ! تريدُ أن تسـبَّ أقواماً هم خيرٌ منك ؟ لتنتهينّ أو لأدعونّ عليك . فقال :كأنما تخوفُني نبيّ من الأنبياء ! فانطلق فدخل داراً فتوضأ ، ودخل المسجد ثم قال : اللهم إن كان هذا سبّ أقواماً قد سبقت لهم منك حسنى ، أسخطك سبُه إياهم ، فأرني اليوم آيةً تكونُ للمؤمنين آيةً . قال : وتخرج بُختيةٌ من دار بني فلان لا يردُها شيء حتى تنتهي إليه ، ويتفرّقَ الناسُ ، وتجعلَه بين قوائمها وتطـأه حتى طَفـي ، قال : فأنا رأيت سعـداً يتبعه الناس يقولون : استجاب الله لك يا أبا إسحاق – مرتين – رواه الطبراني في الكبير ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، ورواه ابن أبي شيبة مختصراً .
قال الإمام الذهبي : في هذا كرامة مشتركة بين الداعي ، والذين نِيلَ منهم
والبُختية هي الناقة الخراسانية الكبيرة .
وحدّثني أبي عن رجل أدركه أنه ترك بعيره يرعى يوماً من الأيام ، ولم يكن يملك غيره ، فلما رجع إليه آخر النهار وجد بعيراً آخر أكبر منه قد اعتدى عليه وكسر رقبته ، فأراد أن يأخذ ما عليه من متاع ، فطارده ذلكم البعير الضخم !
فهرب منه ، ولكن دون جدوى ، ثم خلع ثوبه وطرحه على شجرة لعله يوهم البعير ، ولكن دون جدوى ! حتى بقي الرجل عارياً !
وبينما هو يفـرّ منه إذ وجد وادياً فنزل فيه وتبعه البعير فوجد دِحْـلاً أو جحراً ضيقاً فدخل فيه فألقى البعير جِرانه وأخذ يبرك على ذلك الجحر ، قال الرجل : وكنت أدخلت مؤخرة جسمي أولاً وصار رأسي إلى مدخل الجحر ، وبينما أنا كذلك انتظر الموت إذ خرجت حية من أسفل ذلك الجحر حتى مـرّت على ظهري ثم خرجت فلسعت الجمل حتى مات .
يقول الرجل : فخرجتُ وحمِدت الله على ذلك .
ولا شك أن هذا من مُدافعة الله عن المؤمنين .
فنحن يا أيها الكرام أحوج ما نكون إلى مُدافعة من لا يُغلب جُنده ، ولا يُهزم حِزبه ، ولا يُردّ أمره .قال قتادة في قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) : والله ما يضيع الله رجلا قط حفظ له دينه .وليس معنى ذلك أن لا يتعرّض المؤمن لأدنى أذى أو ابتلاء وامتحان .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم