إِني أُصرَع ..!!
روى البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال :
قال لي ابن عباس : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟
قلت : بلى .
قال : هذه المرأة السوداء ! أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف ، فادع الله لي .
قال : إن شئت صبرتِ ، ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك .
قالت : أصبر .
ثم قالت : فإني أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها .
مِنْ فوائد هذا الحديث :
1 – أن العبرة بتقوى الله لا بألوان ولا بأجناس الناس .
2 – كرامة تلك المرأة على الله ، حيث تمشي على الأرض وتعلم أنها من أهل الجنة .
3 – إثبات الصّرع ، وهو على نوعين :
أ – صرع طبيعي ( نتيجة مرض )
ب – صرع نتيجة المس ( وهذا يُنكره كثير من النفسانيين ) !
4 – الذي أهمّ تلك المرأة أنها تتكشّف !
5 – جواز طلب الدعاء من الآخرين .
6 – الجنة لمن صبر على ما يُصاب به ، مع الإيمان بالله .
7 – تصبّر المرأة على ما تُصاب به ، وهو الصَّرَع ، في مقابل سلعة الله الغالية ( الجنة ) .
8 – هوان الدنيا في أعين أهل الإيمان
فما هذه الدنيا وإن جَلّ قدرها *** سوى مُهلة نأتي لها ونروحُ
9 – حرص تلك المرأة على أن لا تتكشّف حتى وهي في حالة فقدان الوعي أو بعضه .
أين هذا من حرص بعض نساء المسلمين اليوم على التّكشّف والتّعرّي وهو في أتم صحة وعافية ، وأكمل نضارة وشباب ؟؟؟
الدنيا – في عين تلك المرأة – مُحتقرة
الدنيا لا تهمّ
المرض لا يهمّ
الصَّرع لا يهمّ
التّأذي به لا يهمّ
وإنما الذي يهمّ هو الستر والتّستّر وعدم التكشّف .
وهذا الأمر هو الذي أهمّ أم سلمة – رضي الله عنها –
لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه . قالت أم سلمة : يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يرخينه شِبراً . قالت : إذا تنكشف أقدامهن ! قال : يُرخينه ذراعا ، لا يَزدن عليه . رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي .
فلما قال – عليه الصلاة والسلام – : من جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه .
اهتمّت أم سلمة وظنّت أن الخطاب للرجال والنساء
فحملها ذلك على السؤال عن ثياب النساء
فجاءها الجواب : يُرخينه شبراً . يعني أسفل من الكعب .
فورد عليها إشكال – عندما تركب المرأة الدابة أو تنزل منها أو تصعد درجاً ونحوه –
إذا تنكشف أقدامهن !
فجاء الجواب الأخير
يُرخينه ذراعا ، لا يَزدن عليه .
وهذه أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنها – تشغلها قضية الستر يدفعها الحياء وهي امرأة كبيرة السن عمياء – من القواعد من النساء – ومع ذلك لا ترضى لنفسها بلباس فيه شُبهة .
لما قَدِمَ المنذر بن الزبير من العراق فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر بكسوة من ثياب رقاق عتاق بعدما كف بصرُها . قال : فلمستها بيدها ، ثم قالت : أف ! ردوا عليه كسوته . قال : فشق ذلك عليه ، وقال : يا أمه إنه لا يشف . قالت : إنها إن لم تشف ، فإنها تصف ، فاشترى لها ثيابا مروية فقَبِلَتْها . رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى .
واليوم تُشمّر بعض النساء عن ثيابها حتى تنكشف ساقيها كأنها تُريد أن تخوض لُجّة البحر !
لِحدِّ الركبتين تُشمّرينا *** بربِّك أي نهر تعبرينا ؟؟!!
في حين أن بعض الرجال هم الذين يجرّون أذيالهم شبراً وربما جرّوا عباءاتهم ذراعاً !
إن قضيّة السِّتر والتّستّر هي التي كانت تشغل بال نساء السلف في جميع الأحوال
حال السلامة والعافية كما في حال أم سلمة
بل وحتى حال الكِبَر كحالِ أسماء
وحال المرض والإغماء كما في حال المرأة السوداء
وبعد الانتقال من هذه الحياة ! كما في حال فاطمة الزهراء – رضي الله عنها –
فقد قالت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء ، أن يُطرح على المرأة الثوب فيصفها ، فقالت أسماء : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريك شيئا رأيته بأرض الحبشة ؟ فَدَعَتْ بجرائد رطبة فَحَنَتْها ثم طَرَحَتْ عليها ثوبا ، فقالت فاطمة رضي الله عنها : ما أحسن هذا وأجمله .
لقد كانت قضيّة السِّتر هي شُغلهن الشاغل ، حتى في حال رفع قلم التكليف ، أو بعد مُفارقة الدنيا
وأصبحت قضيّة العُري والتّعرّي !! وتشمير الملابس !! وتضييقها !! وتشقيقها !! هي قضيّة العديد من نساء الأمة اليوم !
شتّان شتّان
ويا بُعد ما بينهما
لشتان ما بين اليزيدين في الندى *** يزيد سليم والأغر ابن حاتم
فَهَمّ الفتى الأزدي إتلاف مالِه ***وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
ولا يحسب التمتام أني هجوته *** ولكنني فضّلت أهل المكارم
أُخيّه :
فلتكن قضية السِّتر هي قضيّتك التي لا تقبلين المساومة عليها أبداً
ستركِ الله في الدنيا والآخرة .
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم