إذا لاحظتك عيونها ..!!
سبحان الله
كم يقف الذهن ذاهلاً عندما يتأمل فيها
وكم تَحـار فيها العقول
بل كم من ذوي الألباب وقفوا مشدوهين تجاهها
فلا يملك العبد إلا أن يوحّـد ربّـه معلنا توحيده
ولا يملك إلا أن يقول : سبحان الله !
إنها
العناية
وأي عناية ؟
أنها العناية الربانية
وإذا العناية لاحظتك عيونها *** نَـمْ فالحوادث كلّهن أمان
عندما تكون في عين الله فمكر أعدائك لك
وكيدهم في صالحك
فلا تهتم ولا تحزن
تأمل – رعاك الله – :
في أحوال بعض أنبياء الله ورسله
ذاك خليل الرحمن ، وأبو الأنبياء : إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، يُولَد في وقت كان النّمرود يذبح الأطفال خوفا مِن وِلادة طِفل يُولَد يكون زوال مُلكه على يديه !!
قال ابْنُ إِسْحَقَ : لَمَّا دَخَلَتِ السَّنَةُ الَّتِي وَصَفَ أَصْحَابُ النُّجُومِ لِنُمْرُودَ .. [ أي : انها السنة التي يُولَد فيها مَن يَكون زوال مُلكه على يدِه ! ] أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ كُلَّ غُلامٍ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ مِنْ تِلْكِ السَّنَةِ حذرا على مُلْكِهِ ، فَجَعَلَ لَا تَلِدُ امْرَأَةٌ غُلامًا فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ مِنْ تِلْكِ السَّنَةِ إِلا أَمَرَ بِهِ فَذُبِحَ .
فَلَمَّا وَجَدَتْ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ الطَّلْقَ خَرَجَتْ لَيْلا إِلَى مَغَارَةٍ كَانَتْ قَرِيبًا مِنْهَا ، فَوَلَدَتْ فِيهَا إِبْرَاهِيمَ وَأَصْلَحَتْ مِنْ شَأْنِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْلُودِ ، ثُمَّ سَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَغَارَةَ ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا ثُمَّ كَانَتْ تُطَالِعُهُ فِي الْمَغَارَةِ لِتَنْظُرَ مَا فَعَلَ فَتَجِدُهُ حَيًّا يَمُصُّ إِبْهَامَهُ ….
وَكَانَ آزَرُ فِيمَا يَزْعُمُونَ سَأَلَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَمْلِهَا مَا فَعَلَ فَقَالَتْ : وَلَدْتُ غُلامًا فَمَاتَ ! فَصَدَّقَهَا ، وَسَكَتَ عَنْهَا ، فَكَانَ الْيَوْمُ فِيمَا يَذْكُرُونَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي الشَّبَابِ كَالشَّهْرِ ، وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغَارَةِ فِيمَا يَذْكُرُونَ إِلاّ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْرًا حَتَّى قَالَ لأُمِّهِ : أَخْرِجِينِي ، فَأَخْرَجَتْهُ عِشَاءً ، فَنَظَرَ فَتَفَكَّرَ فِي خلق السماوات وَالأَرْضِ وَقَالَ : إِنَّ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَأَطْعَمَنِي وسقاني لربي مالي إِلَهٌ غَيْرُهُ . رواه ابن أبي حاتم في ” تفسيره ” .
وفي قصة مُشابِهة :
قصة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام يُولَد في زمان يُذبح فيه الأطفال كَذَبْح الخِرَاف !
فتخاف عليه أمه حتى كاد قلبها يطير
فتؤمر أن تُلقيه ! وأين ؟
في البحر !
سبحان الله ! أتلقي بِوَلِيدها وفلذة كبدها في بَحر مُتَلاطِم ؟
نعم .. وسيكون له من البحر شأن !
ولسان الحال يقول : ألقيه ، ونحن نرعاه .
فتُلقيه ويكاد قلبها يخرج مِن بين أضلاعها فيَتبَعه .
وهنا تظهر العناية الربانية فيحمله المَوج – وأنّى له أن يتأخّر – يحمل موسى إلى قصر عدوّه !
فتبدو العناية الربانية بعطف قلب امرأة فرعون عليه ، وبحنوّها عليه
فتتوسل (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)
ثم تبدو العناية أكثر أن يعود إلى حضن أمّه ، فتُرضِع أبنها مقابل أُجْرَة !
ويعيش موسى في قصر فرعون تحرسه عين الله !
نـمْ فالحوادث كلهن أمان !
وذاك نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام
يتكرر معه موقف الكيد والمكر
فتكون عناية الله هي التي ترعاه
يُخرج من البئر ويُحمل إلى مصر
ثم تتكرر المقولة : (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)
يوم قال عزيز مصر لامرأته : (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)
وهكذا يعيش في قصر بدلاً مِن جُـبّ ضَيّق
ويُكاد مرة أخرى ، ويُتّـهم في عِرضه ، ويُسجن ، ثم يُظهر الله براءته
ويُمكن له في الأرض ويعيش عزيزا مُكَرما
نـمْ فالحوادث كلهن أمان !
وهذه مريم تبتعد عن أهلها فيأتيها الطّلق ويأخذها الكَرب
فلا تدري أتحمل هـمّ الولادة أم هـمّ الوليد أم هـمّ ما سيُقال عنها ؟
غير أن العناية الربانية لاحظتها
فيأتيها النداء مِن تحتها :
(وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) وليس هذا فَحسْب ، بل (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) كُوني قريرة العَيْن !
والمعجزة هنا – كما يقول جَمْع مِن المفسّرين – : إنه جذع يابس ؛ لِتَرَى مِن خلاله إحياء المَوات !
تَمْرٌ يتوفّـر في غير زمانه
بل ويُنشأ مِن جِذع يابس
ويُجرى مِن تحتها نهـر
ويُفرّج عنها الهـمّ فإذا سُئلت فقد كُفيت الجواب بمجرّد إشارة !
فأي عناية تلك ؟
إنها عناية أرحم الراحمين ، وأحكم الحاكمين .
نـمْ فالحوادث كلهن أمان !
أوَى فِتية آمنوا إلى كَهفٍ (فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
فأحاطتهم عناية ربّانية ، فلم تضرّهم شمس (إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ)
ولا أفناهم طُول مُكث (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا)
فكيف يُضامُون أو يُضرّون والله مولاَهُم .. ؟؟
وقد أمَر الله تبارك وتعالى نَبِيّه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول : (قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ) أما لماذا ؟ فلأن وَليّه الله الذي لا يُرام ولا يُضام مَن تولاّه الله : ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) .
الرياض – 1423 هـ
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم