أنت لك !
تأمل ما قاله العالِم الرباني شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه : ابن القيم رحمهما الله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الْمَخْلُوق لا يقصد مَنْفَعَتك بِالقصد الأول ؛ بل إنما يقصد مَنْفَعته بِك – وإن كان ذلك قد يكون عليك فيه ضَرَر إذا لم يُراعِ العَدل – فإذا دَعَوته فقد دَعَوت مَن ضَرّه أقرب مِن نفعه .
والرّبّ سبحانه يُريدك لك ؛ ولِمَنْفَعَتك بِك ، لا لِيَنْتَفِع بك . وذلك مَنْفعة عليك بلا مَضَرّة . فتدبّر هذا ؛ فمُلاحَظة هذا الوَجْه يَمنَعك أن تَرجو المخلوق أو تَطلب منه مَنْفَعة لك .
وقال ابن القيم : فالمخلوق لا يقصد منفعتك بالقصد الأول ، بل إنما يقصد انتفاعه بك ، والرّبّ تعالى إنما يريد نفعك لا انتفاعه به ، وذلك منفعة محضة لك ، خالصة من الْمَضَرَّة ، بخلاف إرادة المخلوق نفعك ، فإنه قد يكون فيه مضرّة عليك ، ولو بِتَحَمُّل مِـنّـتـه . اهـ .
فالناس – غالباً – يُريدون انتفاعهم بعلاقاتهم
والخالِق يُريد نَفع خَلْقِه
الله تبارك وتعالى لا تنفعه طاعة الطائعين
ولا تضرّه معصية العاصِين
ما خَلَقَ الْخَلْق ليتكثّرَ بهم من قِـلّـة
ولا ليتقوّى بهم مِنْ ضَعْف
فهو الغني ذو الرحمة
هو الغني والعِباد هم الفقراء
هو القوي والْخَلْق هم الضعفاء
هو العزيز وهم الأذلاّء
الْخَلْق مُحتاجُون إلى مولاهم
ومولاهم مُستغن عنهم
ومع ذلك يتودّد إليهم سبحانه وتعالى بأصناف الـنِّـعم
ويتبغّضون إليه بالمعاصي
يتحبّب إليهم بِذِكْرِ صفاته ، ويُذكِّرهم إنعامه
بل ويفرح بتوبتهم
قال ابن القيم :
ليس العجب من مملوك يَتذلّل لله ويتعبد له ، ولا يَمَلّ من خِدْمَتِه مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ، ويتودد إليه بأنواع إحسانه ، مع غِنَاه عنه .
كفى بك عِـزّاً أنك له عبد = وكفى بك فَخْراً أنه لك رَبّ .اهـ .
خَيْرُه سبحانه نازِل إلى خلقِه
وشرّهم إليه صاعِد
يُتابِع عليهم مِنَنَه
ويُبارزونه بأنواع المعاصي
ومع ذلك يصبر عليهم ويحلم عليهم
” لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله عز وجل إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم ” كما في الصحيحين .
يُقيم لهم الحجج والبراهين ، ويُعْذِر إليهم
يُرسل إليهم النُّـذُر
ويَضرب لهم الأمثال
لعلهم يفقهون عنه سبحانه
قال سبحانه : (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْم لا يُؤْمِنُونَ)
وقال : (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)
ودعونا – أيها الكرام – نقف مع سؤال كبير
لماذا فُرِضت الفرائض ؟
بل لماذا شُرِعت الشرائع ؟
ولماذا أُرسِلت الرُّسُل ؟
ولماذا أُنزِلت الكُتب ؟
إنما فُرِضت الفرائض ، وشُرِعت الشرائع ، أُرسِلت الرُّسُل ، أُنزِلت الكُتب لتحقيق هدف سام ، وغاية عُظمى ..
ألا وهي تحقيق التقوى ، وذلك مِن أجل مصالِح الْخَلْق ، ولو اجتممع الْخَلْق على أتقى قَلْب رَجُل ، ما زاد ذلك في مُلك الله عزّ وَجلّ .
قال جل جلاله : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) .
وهذه الحكمة موجودة في : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، وغيرها من الفرائض ..
تأمل قوله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)
وقِف مع قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
تجِد أن الصلاة والصيام شُرِعا وفُرِضا لتحقيق التقوى
فما هي التقوى التي أوصى الله بها الأولين والآخرين ؟
جمعها عمر بن عبد العزيز في كلمتين :
أداء ما افترض الله ، وترك ما حرّم الله .
هذا الذي يُريده الله من الأولين والآخِرِين .
وأنت – أيها الكريم – إذا فعلت ذلك فإنما تسعى لمصلحة نفسك !
قال عبد الله بن يزيد القسري : خير الناس للناس خيرهم لنفسه ؛ وذلك أنه إذا كان كذلك أبْقَى على نفسه من السَّرَق لئلا يُقطع ، ومن القتل لئلا يُقَاد ، ومن الزنا لئلا يُحَدّ ، فَسَلِم الناس منه بإبقائه على نفسه .
ولعلك على ذِكر مما سبق ” والرّبّ تعالى إنما يريد نفعك لا انتفاعه به ، وذلك منفعة محضة لك ، خالصة من الْمَضَرَّة “
فهو يُريدك لمصلحة نفسك
يُريد منك فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات لمصلحتك أنت
لكي تصل بلا عناء إلى دار السعداء
تصل في النهاية بِسلام إلى دار السلام
تصل إلى دار النعيم في جوار الرحمن الرحيم
فلو مَشَيتَ على الشوك لم يكن كثيراً لتبلغ منازل ألأبرار عند ملك الملوك
ولو سَعيتَ على الْمُحمَى من الإبر لكانت تلك الدار بِحُورِها وقُصُورِها تستحق منك ذلك وأكثر !
فَحَيَّ على جنات عدن فإنها = منازلك الأولى وفيها المخيمُ
وتذكر – رعاك الله – أن من يَخطِب الحسناء لا يُغلها المهرُ !
وأن من أراد جنات عدن سعى إليها سعياً حثيثاً
ودُونَك شهر الخيرات ، وموسم الرّحمات
موسم عظيم ، وشهر كريم
تُضاعف فيه الحسنات
وتُفتح فيه أبواب الجنات
وتُغلّق فيه أبواب النار
وتُعتق فيه الرِّقاب
ويُنادى لمن أراد الخير : يا باغي الخير أقبل
فأقبل أُخـيّ
أقبل ولا تتردد
لعلك لا تُدرِك رمضان آخر
فصُم صيام مودِّع
وصلِّ صلاة مودِّع
ودُونك أوقات النّفحات في كل يوم وليلة : جوف الليل ، وحال السجود ، وعند الأذان
فإيّاك والخُسران ..
زيادة المرء فى دُنياه نُقصان … ورِبحه غير مَحْض الخير خُسران
يا عامرا لِخَراب الدّار مجتهدا … بالله هل لِخراب العمر عمران ؟!
ويا حريصا على الأموال يجمعها … أقصِر فإنّ سرور المال أحزان
واشدُد يديك بِحبل الله مُعتَصما … فإنه الرّكن إن خانتك أركان
نفحات ولفحات
http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6275
كتبه : فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن صالح السحيم
شعبان – 1425 هـ