الحمد لله الذي كرّم الإنسان بالإيمان، ومَيّزه بالعقل، ولم يَجعله كسائر المخلوقات، تعيش بلا هدف، أو تعيش لغيرها، بل جَعَله مُفكِّراً، يَسمو بِفكره، ويُعمِل عقله.
ومن هنا قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء:70].
هذا التكريم الرباني هو في الأصل للأصل، أي لِجنس النوع الإنساني، إلا أن الإنسان بِنفسه يسمو بالإيمان، أو يَنحطّ بانعدامه.
وقد جَعَل الله له اختياراً، وأعطاه عقلاً، وأوضح له السَّبيل، وأبَان له الطريق ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان:2، 3].
وقال رب العزة سبحانه عن هذا الإنسان: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد:8-10].
ومِن عدل الله وحِكمته أن أرسل الرُّسُل، وأنْزَل الكُتب، وأقام البيّنات، ونَصَب الأدلّـة على وحدانيته.
فأيّـد رُسُله بالمعجزات والآيات الباهرات، فلم يَبْق أمام أعداء الرُّسُل – بل وأعداء العَقْل – إلا المكابَرة والمعانَدة.
فإن إنكار الوحدانية لله دَفْع بِالصَّدْر، وضَرب بالوجْه.
فإن النفوس شاهدة بأن الله ليس له شريك.
بل الوجود أجمع شاهد بذلك.
وقد ضرب الله الأمثلة على ذلك، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء:22] أي لو كان في الأرض والسماء آلهة مُتعددة لَفَسَدتِ السماوات والأرض، فالعقل والمنطق يقول: إما أن يتغلّب إله على إله على آخر، فيكون الغالِب هو المتفرِّد، وإما أن يَذهب كل إلهٍ بما له من مُلك ومكان وخَلْق، وهنا يَفسد أمر السماوات والأرض، ولذا قال رب العزة سبحانه: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [المؤمنون:91]
ومِن هنا فإننا ندعو كل إنسان مُنصف عاقل أن يتأمل في هذا المعنى، وأن يَعلم أن دعوة رسول الله محمد r لم تَخرج عن دعوات الأنبياء السابقين، بل هي مُنتظمة في سِلكهم، سائرة في طريقهم، مُقتفية آثارهم، ومن هنا قال رب العزة سبحانه: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف:9].